رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


9 أعوام على رأس مشيخة الأزهر: أشهر 10 خُطب للإمام الطيب.. "حوار البوندستاج" وافتتاح كاتدرائية «ميلاد المسيح» و"بيان بورما" و"كلمة الروضة" أبرزها

11-3-2019 | 16:38


ألقى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، منذ توليه مشيخة الأزهر في مارس 2010م، العديد من الخطابات التاريخية والمؤثرة التي تنوعت موضوعاتها ما بين الدعوة للسلام والحرية والمساواة والتعايش السلمي بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، والانحياز لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وتوضيح الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام السمحة وتفنيد الشبهات المضللة حولها، ومخاطبة الشباب بلغة أبوية حانية قريبة إلى قلوبهم وتستوعبها عقولهم، ومن أبرز هذه الخطابات التي تشكل خارطة طريق لقضايا الإنسانية وهمومها وآمالها.

تفنيد مفاهيم الإرهابيين الخاطئة

حظيت كلمة الإمام الأكبر في مؤتمر الأزهر لمكافحة الإرهاب، ديسمبر 2014، بأصداء واسعة، حيث اعتبر فضيلته أن التنظيمات المسلحة المتطرفة، والمليشيات الطائفية يجمعهم «قاسم مشترك يتمسكون به، يحكم كل جرائمهم وهو: تكفير المسلمين بالذنب ثم استحلال دمائهم بعد ذلك. بعد تحريفهم مفهوم "الكفر" والانحراف به عن معناه الصحيح الذي حدده النبي في حديث جبريل - عليه السلام - وسار عليه المسلمون، وهو عدم تكفير المسلم بالذنوب حتى لو كانت من الكبائر، ما لم يستحلها».

وأكد شيخ الأزهر أن مفهوم الجهاد قد حرف عند هذه التنظيمات، وراحوا يقتلون من يشاءون زعما منهم بأنه جهاد، وأنهم إن قتلوا فهم شهداء في الجنة. وهذا من أشنع الأخطاء في فهم شريعة الإسلام؛ لأن الجهاد لم يشرع في الإسلام إلا للدفاع عن النفس، والدين والوطن، كما أن علة القتال هي العدوان لا الكفر، وكذلك فإن إعلان الجهاد ومباشرته لا يجوز أن يتولاه أحد إلا ولي الأمر، وإلا كانت النتيجة دخول المجتمع في مضطرب الفوضى وهدر الدماء وهتك الأعراض واستحلال الأموال، وهو ما نعانيه اليوم من جراء هذا الفهم الخاطئ المغلوط لهذه الأحكام الشرعية، وقد حرم الإسلام الاعتداء على النفس الإنسانية أيَّا كانت ديانتها أو اعتقادها.

رسالة إلى شباب مصر

وفي ديسمبر 2015م، وخلال لقائه بطلاب الجامعات المصرية بجامعة القاهرة، خاطب فضيلة الإمام الأكبر شباب مصر قائلا: «أيهـا الشباب! لا ينبغي أبدا، أن تذهلوا عن ميراثكم الحضاري الذي تتميزون به عن بقية شباب العالم، أو تتناسوا معدنكم النبيل الذي تضربون بجذوره في قديم الأزمان والآباد، أو تاريخكم العريق الذي صنعكم وصنعتموه، فأنتم من بين سائر شباب العالم، تسندون ظهوركم إلى حضارات أصيلة تجري في دمائكم وعروقكم وهي: حضارة قدماء المصريين، والحضارة المسيحية في مصر، والحضارة الإسلامية والعربية، وما أظن أن الأقدار قد جمعت لشباب غيركم مثل هذا التنوع الحضاري، ومثل هذا الموروث الثري، الممتد على طول التاريخ السحيق».

وأوضح فضيلته أن الحضارة الإسلامية، التي هي أحدث الحضارات الشرقيةِ، وأعمقُها أثرًا في نفوسنا، تشبه المثلث المتساوي الأضلاع، هذه الأضلاع هي: الوحي الإلهي، والعقل المنضبط بالوحي، والأخلاق، وأن على الشباب أن يتحركوا ويفكروا في ضوء هذه الأطر العامة، وأن يدركوا الحدود الفاصلة بين العقل المستضيء بنور الوحي الإلهي ونصوصه الصحيحة الثابتة، والعقل الجامح الذي يدمر في طريقه كل شيء، وأن للعقل مجالاً، وللوحي مجالًا آخر، وأن الخلط بينهما، أو الاعتماد المطلق على أحدهما في مجال الآخر، لا يؤدي إلَّا إلى الاضطراب.

حوار تاريخي في البرلمان الألماني

في البرلمان الألماني "البوندستاج"، كان لفضيلة الإمام الأكبر كلمة تاريخية في مارس 2016م، حيث دعا فضيلته المجتمع الغربي إلى إنصاف الدين الإسلامي «مما لحق به من ظلم وتُهم، يَبرؤ منها ويُنكرها أشد الإنكار، بسبب تصرفات قلة من المنتسبين إليه، فَهِمَته فهمًا قبيحًا، وقدمته للناس في صورة دين دموي يعادي الإنسانية ويدمر الحضارات»، مؤكدًا أن «هذا الدين مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوي لا ينفصم»، وأنَّه «لا مفر للشرق والغرب حيال هذا الإرهاب العابر للقارَّات من انفتاح حقيقي متبادل بين الأديان والمؤمنين بها».

ومن أبرز المواقف التي تظل راسخة في أذهان الناس إجابة فضيلة الإمام الأكبر على سؤال: لماذا يمنع الإسلام زواج المسلمة بغير المسلم؟ حيث أجاب فضيلته بأن «الزواج في الإسلام ليس عقدًا مدنيًا كما هو الحال عندكم، بل هو رباط ديني يقوم على المودة بين طرفيه، والمسلم يتزوج من غير المسلمة كالمسيحية مثلا؛ لأنه يؤمن بعيسى عليه السلام... وديننا يأمر المسلم بتمكين زوجته غير المسلمة من أداء شعائر دينها، ويمنع الزوج من إهانة مقدساتها؛ ولذا فإن المودة غير مفقودة في زواج المسلم من غير المسلمة، بخلاف زواج المسلمة من غير المسلم، فهو لا يؤمن برسولنا محمد، ودينه لا يأمره بتمكين زوجته المسلمة -إن تزوجها- من أداء شعائر الإسلام أو احترام مقدساتها... ولذا فإن المودة مفقودة في زواج المسلمة من غير المسلم؛ ولذا منعها الإسلام».

إعلان الأزهر للمواطنة

في الأول من مارس 2017م، كان الموعد مع إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك، الذي جاء في ختام مؤتمر «الحريَّة والمواطنة.. التنوُّع والتكامل» الذي عقده الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، بالقاهرة، حيث أكد شيخ الأزهر أن مصطلح «المواطنة» هو «مصطلح أصيل في الإسلام، وقد شَعَّتْ أنواره الأولى من دستور المدينة، وما تلاه من كتب وعهود لنبي الله يحدد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين، ويبادر الإعلان إلى تأكيد أن المواطنة ليست حلا مستوردا، وإنما هو استدعاء لأول ممارسة إسلامية لنظام الحكم طبقه النبي في أول مجتمع إسلامي أسسه، وهو دولة المدينة.

وحذر الإمام الأكبر من خطورة المضيِّ في استخدام مصطلح «الأقليات»، الذي يحمل في طياته معاني التمييز والانفصال بداعي التأكيد على الحقوق، موضحا أن "السنوات الأخيرة شهدت صُعود مصطلح «الأقليَّات» من جديدٍ، والذي كنا نظن أنه ولى بانتهاء عهود الاستعمار، إلا أنه عاد استخدامه أخيرا للتفرقة بين المسلمين والمسيحيين، بل بين المسلمين أنفسهم؛ لأنه يؤدي إلى توزع الولاءات، والتركيز على التبعية لمشروعات خارجية، وأن هذا المؤتمر يطمح إلى التأسيس لشراكة متجددة أو عقد مستأنف بين المواطنين العرب كافة، يقوم على التفاهم والاعتراف المتبادل، والمواطنة والحرية، وهذا ليس خيارا حسنا فقط؛ بل هو ضرورة حياة وتطور لمجتمعاتنا ودولنا وإنساننا وأجيالنا".

دعوة سلام من الأزهر للعالم

من بين الخطابات الشهيرة لشيخ الأزهر والتي لاقت انتشارًا وقبولًا واسعًا، كلمة فضيلته في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام بحضور البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في أبريل 2017م، حيث نادى بضرورة العمل على «تنقية صورة الأديان مما علق بها من فهوم مغلوطة، وتدين كاذب يؤجج الصراع ويبث الكراهية ويبعث على العنف، وألا نحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك، وأن الأزهر لا يزال يسعى من أجل التعاون في مجال الدعوة إلى ترسيخ فلسفة العيش المشترك، وإحياء منهج الحوار واحترام عقائد الآخرين».

كما شدَّد على ضرورة «الوقوف معًا في وجهِ سياسات الهيمنة ونظريات صراع الحضارات ودعوات الإلحاد والحداثة اللادينيَّة وما ينشأ عنها من مآسٍ وكوارث في كل مكان، مبديا تعجبه من غياب السلام العالمي في «قرن التحضّر والرّقيّ وحقوق الإنسان، والتقدّم العلمي والتّقنيّ الهائل، وعصر مؤسّسات السّلام ومجالس الأمن»، حتى «أصبح السّلام العالميّ الآن مع كل هذه الإنجازات هو الفردوس المفقود؛ وكيف شهد عصر حقوق الإنسان من الأعمال الهمجيّة ما لم يشهده عصر من قبل»، معربا فضيلته عن أمله في أن يكون هذا المؤتمر «خطوة حقيقية للتعاون فيها على نشر ثقافة السّلام والتآخي والعيش المشترك بين الناس».

صرخة لضمير العالم حول مأساة الروهينجا

في إطار دفاع شيخ الأزهر عن قضايا العالم الإسلامي، كان لفضيلته بيان بارز لإيقاظ الضمير العالمي حول مأساة مسلمي الروهينجا في ميانمار، والتي بلغت ذروتها في شهر سبتمبر 2017م، حيث قال فضيلة الإمام الأكبر في بيانه إن مسلمي الروهنجيا «تعرضوا لهجمات وحشية بربرية لم تعرفها البشرية من قبل، وأن هذا المشهد الهمجي واللاإنساني ما كان ليحدث لولا أن الضمير العالمي قد مات»، وأن «كل المواثيق الدولية التي تعهدت بحماية حقوق الإنسان أصبحت حبرًا على ورق بل كذبًا»، واصفًا ما يتعرض له مسلمو الروهنجيا بأنه «يُذكِّرنا بأسلوب الوحوش في الغابات».

وفي كلمته التي كانت لها أصداء عالمية، استنكر شيخ الأزهر «الإبادة الجماعية ضد المواطنين المسلمين»، وقال إنها «سوف تسطر سِجلًّا من العار في تاريخ ميانمار لا يمحوه الزمن»، وأن «مثل هذه الجرائم تشجع على ارتكاب جرائم الإرهاب التي تعاني منها الإنسانية جمعاء»، وصرح بأن «الأزهر لا يُمكنه أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات اللاإنسانية، وسيقود تحركات إنسانيةً على المستوى العربي والإسلامي والدولي لوقف هذه المجازر»، وقد أطلق الأزهر بعد هذا الخطاب قافلة إغاثية كبيرة إلى مخيمات مسلمي الروهنجيا في بنجلاديش.

تحدي الإرهاب من مسجد الروضة

وفي خطوة عدَّها كثيرون بمثابة تحدي شجاع للإرهاب الغادر، ذهب فضيلة الإمام الأكبر يرافقه وفد رفيع المستوى من كبار علماء وشباب الأزهر إلى قرية الروضة في بئر العبد بسيناء، التي شهد مسجدها حادثًا إرهابيًّا بشعًا أسفر عن استشهاد 310 من المصلين وإصابة آخرين، وألقى فضيلته، في الأول من ديسمبر 2017م، خطابًا تناولته وسائل الإعلام المحلية والدولية على نحو واسع، حيث جاء الخطاب في الجمعة التالية لوقوع تلك العملية الإرهابية.

وقال شيخ الأزهر إن «القَتَلَة الذين سفكوا الدِّماءَ الطَّاهِرة في بيتٍ من بيوتِه خوارج وبُغاة ومُفسِدُون في الأرض، ويتحتَّم على وُلاة الأمور تطبيق حُكْم الله في هؤلاء المحاربين لله ورسوله والسَّاعين في الأرضِ فسَادًا»، مُعزيًّا أهالي الشهداء بقوله إن «الأزهر جاءكم بشيوخه، وأبنائه، وبناته ليُعَزِّيكم ويُخَفِّف عنكم مصابكم، ويضع يده في أيديكم من أجل نهضة هذه القـرية علميًّا وصحيًّا واجتماعيًّا»، مشددًا على أن "مصر بتاريخهـا، وبسواعدِ أبنائها، وجيشها البطل، ورجال أمنها البواسِل قادرةٌ على القضاء على هذا الإرهاب الغريب على أرضنا وشبابنا".

انتفاضة أزهرية لنصرة القدس

مع إعلان الإدارة الأمريكية عزمها نقل سفارتها في الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس المحتلة، بادر فضيلة الإمام الأكبر لاتخاذ سلسلة مواقف قوية وحاسمة لنصرة القدس وفلسطين، حيث رفض فضيلته استقبال نائب الرئيس الأمريكي/ مايك بنس، في مشيخة الأزهر، وقال مقولته الشهيرة: «كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب على الرئيس الأمريكي التراجع فورا عن هذا القرار الباطل شرعا وقانونا»، ووجه الإمام الأكبر نداء عاجلًا لأهالي القدس قائلا: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم».

وشكل إعلان الأزهر العالمي لنصرة القدس الذي ألقاه شيخ الأزهر في ختام مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، الذي عُقد في يناير 2018م تجسيدا لدعم الأزهر التاريخي للقضية الفلسطينية، حيث شدد فضيلته على أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، والتي يجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا، والاعتراف الدولي بها، وأن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير، وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين، وأن القرار الأمريكي بشأن القدس لا يعدو أن يكون حبرًا على ورق، معلنا عام 2018م عامًا للقدس الشريف، وإعداد مقرر دراسي عن القدس الشريف يُدرَّس في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر.

افتتاح كاتدرائية «ميلاد المسيح»

خلال افتتاح كاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة، في يناير 2019م، ألقى فضيلة الإمام الأكبر كلمة مرتجلة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيسي الفلسطيني محمود عباس والبابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أكد فيها أن «معظم كنائس مصر بنيت في عهد المسلمين، وأن دولة الإسلام ضامنة شرعا لكنائس المسيحيين وهذا حكم شرعي، وأنه إذا كان الشرع يكلف المسلمين بحماية المساجد فإنه وبالقدر ذاته يكلف المسلمين بحماية الكنائس، والمسلمون يتقدمون في حماية الكنائس على إخوتهم المسيحيين».

وأعرب شيخ الأزهر عن سعادته بالمشاركة في هذا الحدث الذي يعد «حدثًا استثنائيًّا وربما لم يحدث من قبل». وقال شيخ الأزهر إن المسجد والكاتدرائية يقفان في شموخ للتصدي لكل محاولات العبث باستقرار الوطن، ويحق لمصر أن تفخر بهذا الإنجاز الرائع وبكونها النموذج الأمثل في التآخي بين الأديان.

اللقاء العالمي للأخوة الإنسانية

ألقى فضيلة الإمام الأكبر خطابًا تاريخيًّا في اللقاء العالمي للإخوة الإنسانية، الذي عُقد في فبراير 2019م بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، ونقلته مختلف وسائل الإعلام العالمية، وشهد توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وأكد الإمام الأكبر في خطابه أن هذه الوثيقة تدعو لنشرِ ثقافة السلام والعدالة واحترام الغير والرفاهية للبشريَّةِ جمعاء، وتطالب قادة العالَم وصُنَّاع السياسات بالتدخل الفوري لوضع نهايةٍ فورية لما يشهده العالم من حروب وصراعات.

وشدد الإمام الأكبر على أن أوَّل أسباب أزمة العالم المعاصر اليوم إنما يعود إلى غياب الضمير الإنساني والأخلاقي، وتَحكُّم النزعات والشهوات الماديَّة، والإلحاديَّة، والفلسفات العقيمة البائسة، داعيًا شباب العالم إلى اتخاذ وثيقة الإخوة الإنسانية ميثاقًا للخير هادمًا للشر ونهاية للكراهية، وأن هذه الوثيقة هي «امتداد لوثيقة المدينة المنورة، ولموعظة الجبل، حارسة للمشتركات الإنسانيَّة والمبادئ الأخلاقيَّة»، وأن وحدة المسلمين والمسيحيين في الشرق «هي الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها المؤامرات التي لا تفرق بين مسيحي ومسلم حين يجد الجد ويحين قطف الثمار».