في ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال.. كيف أصبح عبد الوهاب ممثلًا ؟
لا شك أن كل شئ في الحياة يتطور، فتلك
سنة الحياة، وإن كان الشيخ سيد درويش حمل على عاتقه تطوير الموسيقى العربية
وتحريرها من نمطها التركي إلى المصري، فالقدر لم يمهله ورحل في ريعان الشباب، وعلى
الفور حمل تلميذه محمد عبد الوهاب لواء التطوير، وأصبح كمن استلم القطن من إرضه
ليصنع منه أثواباً تليق بكل الأذواق، وحاك تلك الأثواب وطور تفصيلها بمهارة شديدة،
لتناسب الحقب الزمنية المتتالية، فقد بدأ من الأدوار القديمة والمنولوجات
والموشحات ووصل بها إلى الأغنية الشجية الثرية في اللحن والأداء، ومنها أنا
والعذاب وهواك، ولا مش أنا اللي اشكي وغيرها من الأغاني البديعة التي أصبحت من
روائع الطرب، وفي ذكرى عبد الوهاب نلقى الضوء على خطواته الأولى في السينما
والعقبات التي واجهته ومفاجآته لجمهور السينما.
عبد الوهاب في الزقازيق
في صيف عام 1930 اتجه المخرج محمد
كريم إلى مدينة الزقازيق لتصوير عدة مشاهد ليكمل بها فيلم تسجيلي بعنوان
"التعاون"، وتصادف وجود الموسيقار محمد عبد الوهاب هناك في ذلك الوقت،
فقد كان يجوب المحافظات لنشر فنه ويحيي الحفلات أيضاً، وما أن رأى عبد الوهاب كريم
حتى صافحه وقال له : لقد إعجبني فيلم زينب، وأتمنى أن تخرج لي فيلماً مثله"،
فشكره كريم وأبدى استعداده لتقديم عبد الوهاب في السينما، وقد دعاه عبد الوهاب
لحضور حفل يغني فيه في المساء، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها كريم عبد
الوهاب يغني.
فيلم بدون قصة
بدأت السينما المصرية صامتة، وكذلك
فيلم زينب الذي أخرجه محمد كريم، لكنه أرجا التعاون مع عبد الوهاب إلى أن أخرج أول
فيلم ناطق في السينما وهو فيلم أولاد الذوات عام 1932، وبعد أن انتهى منه تصل بعبد
الوهاب كي يتفقا على ملامح أو تعاون سينمائي بينهما، وفي اللقاء اقترح كريم على
عبد الوهاب إسمين للفيلم الجديد ، وهما الوردة البيضاء أو الوردة الحمراء، فاختار
عبد الوهاب البيضاء، ومن الطريف أنه لم تكن هناك قصة للفيلم ، وهنا استعان عبد
الوهاب بسليمان بك نجيب وتوفيق المرندلي مع محمد كريم كي يشتركون جميعاً في كتابة
قصة الفيلم، وتقاضى كريم 450 جنيهاً عن إخراج الفيلم علاوة على أجره في كتابة
السيناريو.
عقبات التمثيل والتصوير
بدأ كريم تصوير فيلم الوردة البيضاء،
وكان الإختيار قد وقع على نجلاء عبده ، إبنة الأديب طانيوس عبده لتقوم ببطولة
الفيلم أمام عبد الوهاب، وبعد تصوير عدة مشاهد مرضت نجلاء، وطال مرضها، وهنا اضطر
كريم لاختيار بديل لها وهي سميرة خلوصي، وأعاد تصوير المشاهد التي مثلتها نجلاء ..
لم تكن تلك هي العقبة الأولى التي واجهت الفيلم، فقد كانت العقبة الأشد هي الأضواء
الشديدة التي تتعب عيني عبد الوهاب، وقد اضطر كريم أن يعيد تصوير اللقة الواحدة
عدة مرات، ليس لأن عبد الوهاب لم يمثلها كما يجب، بل لأنه كان يضع يده على عينيه
عند البروفة ويستمر كذلك حتى تصوير المشهد ، ثم ينتظر كريم حتى يرفع يديه عن عينه
فيكمل التصوير، حتى اعتاد عبد الوهاب بعد ذلك على الأضواء.
أفكار عبد الوهاب العبقرية
عرض فيلم الوردة البيضاء بسينما رويال
في 11 ديسمبر 1932، وهنا نقف في ذهول لنرى ما فعله عبد الوهاب أثناء عرض الفيلم ،
فبعد أن تم عرض الفيلم بسينما رويال ستة أسابيع ، بدأ عرضه في سينما كوزمو، وتفاجأ
الجمهور بزيادة خمسة قروش في سعر التذكرة، ولم تكن تلك هي المفاجأة الأولى، بل
الثانية كانت أشد روعة، فبعد أن بدأ عرض الفيلم حتى جاء الجزء الذي تظهر فيه أغنية
"ياوبور قولى رايح على فين" توقف العرض وفي أقل من دقيقة فتحت الستارة
وظهر عبد الوهاب وسط فرقته الموسيقية، ليغني بنفسه الأغنية أمام جمهور السينما، لينبهر
الجمهور بتلك الفكرة العبقرية، وكانت مدة الأغنية ست دقائق، ومع صيحات الإستحسان
غناها عبد الوهاب في ساعة كاملة، وكان عبد الوهاب يفاجئ الجمهور كل ليلة بأغنية
جديدة يعنيها بنفسه في السينما أثناء عرض الفيلم، مما جعل الإقبال يزيد والإيرادات
ترتفع إلى أرقام خيالية.
بقي أن نؤكد أن الفيلم
شهد مفاجأة ثالثة وهي ظهور الموسيقار رياض السنباطي لأول مرة في فيلم الوردة
البيضاء كعازف في فرقة الموسيقار عبد الوهاب، في أغنية "النيل نجاشي".