فى كتابه الجديد أشرف غريب يكشف : كيف تحولت قصة الحب بين العندليب والسندريللا إلى سباب وشتائم ؟
فى كتابه الجديد الصادر قبل أيام عن دار الشروق تحت عنوان " العندليب والسندريللا .. الحقيقة الغائبة " يستعرض الناقد السينمائى أشرف غريب كل ما خفى أو التبس فى علاقة العندليب الراحل عبد الحليم حافظ والسندريللا سعاد حسنى ويكشف أسرارا جديدة لأول مرة عن المتسبب فى عدم وصول قصة حبهما إلى محطة النهاية السعيدة .. وقد خص أشرف غريب قراء الكواكب بهذا الجزء المهم من كتابه والذى يتتبع فيه كيف بدأت قصة الحب بينهما وكيف أنكرها كل منهما ؟ ولماذا تحولت المشاعر الرقيقة إلى سيل من السباب والشتائم والتبرؤ من تلك المشاعر .. فماذا يقول هذا الجزء:
حكاية حب
فى مساء الاثنين الثامن والعشرين من مارس 1960 كانت سينما ديانا بالقاهرة تستقبل حدثا مهما فى حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، إنه العرض الأول لباكورة إنتاج شركته الجديدةفيلم " البنات والصيف " كانت أسرة الفيلم حاضرة بأكملها فى تلك الليلة : كمال الشناوى ومريم فخر الدين بطلا القصة الأولى ، سميرة أحمد وحسين رياض بطلا القصة الثانية ، زيزى البدراوى بطلة القصة الثالثة ، بالإضافة إلى مخرجى القصص الثلاث عز الدين ذو الفقار ، صلاح أبو سيف ، وفطين عبد الوهاب ، ورغم كل هذه الكوكبة من الأسماء الرنانة إلى جانب ضيوف تلك الليلة من نجوم الفن والمجتمع ، ورغم تتابع مشاهد الفيلم الجديد فإن نجمين آخرين استأثرا باهتمام الجميع ، ومشهدا آخر غير مشاهد الفيلم كان جديرا بلفت انتباه الحاضرين ، فبعد انتهاء أحداث الفيلم خرج عبد الحليم وقد تأبط ذراع البطلة الثانية سعاد حسنى وليست الأولى زيزى البدراوى .
يومها أيقن الجميع أن شيئا ما أكبر من مجرد زمالة عمل يجمع بين حليم وسعاد حتى وإن بدا أقل من أن يوصف بأنه قصة حب، خاصة مع حرص العندليب بعد ذلك على التصرف بصورة طبيعية حيال البطلة الحقيقية زيزى البدراوى ، وتوجيه عدسات الصحف لتصويره معها كما فعل مع سعاد حسنى ، فهل هى إذن الصداقة فقط التى أشار إليها كل من سعاد وعبد الحليم سابقا أم أنها تحولت إلى قصة حب ؟
الإشكالية هنا أن أيا منهما لم يتحدث - تقريبا - إلى الصحافة المصرية فى تلك الفترة عن هذا الملف الشائك ، وأن معظم ما تناولته صحافة الستينيات - على كثرته - كان عبارة عن تكهنات أو استدلالات أو تسريبات من هذا الطرف أو ذاك ، وأن الاستثناءات كانت نادرة جدا ومربكة جدا أيضا ، وحتى الأصدقاء المشتركين لحليم وسعاد شهود عيان هذه العلاقة لم يدلوا بشهاداتهم إلا بعد رحيل العندليب وكأن هناك اتفاقا ضمنىا على احترام رغبة بطل القصة فى عدم الخوض فى هذا الأمر ، واحد فقط كان الاستثناء ، هو الفنان متعدد المواهب عبد الرحمن الخميسى مكتشف سعاد حسنى الذى اتفق مع مجلة الكواكب عام 1971 قبل ست سنوات من رحيل عبد الحليم على كتابة مجموعة من الحلقات يحكى فيها قصة اكتشافه لسعاد حسنى ، واختار أن يبدأ من نقطة شائقة وشائكة وهى علاقة سعاد بعبد الحليم دون أن يسميه بالاسم ، على أن ينطلق منها لسرد بداية اكتشافه لها ، وبالفعل نشرت الكواكب الحلقة الأولى التى تحدث فيها الخميسى عن العندليب والسندريللا ، لكن القراء فوجئوا بعدم استكمال الحلقات ، ووفقا لما قاله الكاتب الصحفى عبد النور خليل الذى كان أحد صحفيى المجلة الشهيرة فى ذلك الوقت فإن سعاد حسنى قامت بزيارة المجلة بعد نشر الحلقة الأولى وطلبت عدم نشر بقية الحلقات على أساس أنها كانت فى هذه الأثناء زوجة للمخرج على بدرخان ولا يصح الخوض فى مثل هذه الأمور ، وبالفعل استجابت الكواكب لرغبة الفنانة المعروفة وأوقفت النشر ، فماذا قال الخميسى فى هذه الحلقة الوحيدة ؟
«حين دخلت إلى غرفتى فى الثانية صباحا بعد انقضاء سهرتنا سمعت جرس الباب يدق ، وكان من المألوف أن استقبل أصدقائى حتى مطلع الفجر ، فهم يعرفون أننى لا أنام قبل ذلك ، وتوجهت إلى الباب أفتحه فإذا القادم صديق عزيز مطرب شاب كنت وما أزال أضمر له مودة وتقديرا ، ورحبت بالضيف وجلسنا نتكلم ... لم تدهشنى زيارته فى تلك الساعة المتأخرة كما أسلفت ، وظننت أنها زيارة عادية ، لكنه ما لبث أن قال : أنا جاى لك بخصوص سعاد حسنى ، قلت خير . قال هى ما جاتش هنا الليلة ؟ قلت لا ، هو فيه حاجة ؟ وفهمت أن كامل الشناوى دبر مقلبا من مقالبه الظريفة فقد كانت هوايته إحكام تدبير المقالب ، كما يحب دائما أن يجمع المفارقات والمتناقضات ويراها فى وحدة واحدة ، وأطرق المطرب الشاب المشهور ساكتا ، لم ينطق بكلمة ، ومرت لحظات استعرضت فيها بينى وبين نفسى ما كانت بعض الصحف والمجلات الفنية أشارت إليه من علاقة حب نشأت بين المطرب.
أما بعد رحيل العندليب فقد تهافت الكثيرون على الإدلاء بدلوهم فى هذا الملف.. لنبدأ أولا بالكاتب الصحفى مصطفى أمين الذى كتب فصلا بعنوان " زيارة إلى قلب عبد الحليم " ضمن كتابه الشهير شخصيات لا تنسى " الصادر سنة 1986 قال فيه :
" ... فى أوائل الستينيات أحب عبد الحليم نجمة سينمائية شابة ، وأحبته حبا جارفا مجنونا ، وفى سنة 1962 أصيب بنزيف حاد وهو يقيم فى شقته بعمارة السعوديين بالجيزة ، وكنت أزوره فى كل يوم مرتين فى شقته ، وفى كل مرة ألاحظ عند دخولى إلى غرفة نومه حركة وجلبة وفتاة تختفى فى الغرفة المجاورة ، وظننت فى بادئ الأمر أنها أخته علية أو زوجة أخيه ولكن وفى إحدى المرات لمحتها وعرفت أنها الفنانة السينمائية المشهورة ، ولم أقل شيئا لعبد الحليم إلى أن قال لى إن النجمة المشهورة ترفض أن تترك فراشه ، وأنها تنام على الأرض تحت قدميه لتخدمه أثناء مرضه ، وذكر أنها لا تريد أن تتزوجه ، وسألته هل يحبها فقال نعم لكنه لم يقرر أن يتزوجها أو لا يتزوجها ، فسألنى عن رأيى فقلت له إن تجربتى أن زواج النجم السينمائى من النجمة السينمائية لا ينجح ، ولا بد أن احدهما يطفئ الآخر .. وهز رأسه ولم يقل شيئا . "
وإذا كان مصطفى أمين لم يشأ أن يذكر صراحة اسم سعاد حسنى فى السطور السابقة فإن مجدى العمروسى صديق عبد الحليم المقرب ومدير أعماله قال لمجلة الكواكب فى الأول من أبريل 1997 تعليقا على قصة غرام العندليب والسندريللا :
" عبد الحليم كان إنسانا حساسا جدا ، وخصوصياته كانت ملكا له وحده ، لكن كل الشواهد أمامى كانت تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن سعاد حسنى وعبد الحليم يعيشان أجمل قصة حب فى الوجود .. أنا عمرى ما أنكرت قصة حب عبد الحليم وسعاد حسنى . "
رجل آخر من المقربين من عبد الحليم هو د . هشام عيسى استاذ الكبد والطبيب المرافق للعندليب قال شهادته فى هذه القصة، حيث أكد مرارا أن عبد الحليم أحب سعاد حسنى حبا كبيرا ، وأنها بادلته أيضا ذلك الحب ، وأنها كانت من قصص الحب الحقيقية القليلة فى حياة عبد الحليم وأكثرها جدية ، فقد أحب الفنان الكبير أكثر من عشرين مرة كانت سعاد حالة خاصة جدا بين هذه الحالات
وحينما سألت الإعلامية الكبيرة آمال فهمى صديقة عبد الحليم عن حقيقة هذه العلاقة قالت لى :
كان عبد الحليم شديد الذكاء وشديد الحرص فى كل كلمة ينطق بها ، وهو لم يصرح لى على الإطلاق بأنه يحب سعاد حسنى ، لكن الشواهد كلها كانت تؤكد ذلك ، وأذكر أننى داعبته ذات يوم فى ذروة علاقته بسعاد وسألته : إيه أخبار جيبك ؟ فأجاب : عمران والحمد لله . وإيه أخبار قلبك ؟ فأجاب : عمران برضه والحمد لله ، فانتهزتها فرصة وسألته مرة أخرى : يا ترى من هى سعيدة الحظ ؟ فرد على سؤالى بسؤال : يعنى أنتى مش عارفة ؟ ثم قام فورا بتغيير دفة الحديث "
وبدوره قال الكاتب الصحفى منير عامر - الصديق المقرب من عبد الحليم وأحد اثنين فقط ائتمنهما على مذكراته - لمجلة الكواكب فى الأول من أبريل 2014 :
فوجئت بوجه سعاد حسنى يتغير 500 لون عندما جاءت ميمى ( يقصد الراقصة ميمى فؤاد حبيبة العندليب القديمة ) تزور عبد الحليم مما يدل على علمها بالعلاقة بينهما ... لقد رأيت سعاد كثيرا فى بيت عبد الحليم ، وفى أوقات مرضه كانت دائما بجواره ، كما كان هو دائم الاطمئنان عليها ... والحقيقة عبد الحليم كان يقول لى أنا وسعاد شبه بعض ، وأذكر أنه كانت هناك وردة بلدى مزروعة فى بلكونة عبد الحليم وكانت سعاد دائما تسقيها ، والوردة نشفت لما علاقة سعاد انقطعت بعبد الحليم ، فنادى على عبد الحليم وقال له شيل الوردة من هنا "
اللافت أن عبد الحليم هذا ، وفى مذكراته التى أملاها على منير عامر نفسه يقول كلاما يدعو للدهشة عن تطور علاقته بسعاد بعد مرحلة التعارف ونشوء علاقة الصداقة :
... وبدأت أدير دفة الصداقة فى مواجهة المشاكل التى تتعرض لها سعاد، كان المستقبل أمامها فسيحا ، وتتأثر بأى شائعة وتتعلق بأقرب ذراع تمتد إليها لتنقذها من المتاعب ... بدأت أقدم لها الكتب ، سلامة موسى هو الرجل العاشق البسيط للعلم يريد أن يقدمه فى جملة سهلة ، اندفعت إلى كتب سلامة موسى قرأتها ، اندفعت إلى كتب مصطفى محمود عرفت ما فيها ... وكانت شكواها الدائمة التى لا تنطقها هى الخوف ، إنها خائفة من الفشل ، من الوحدة، لذلك فالتليفون كان دائما مشغولا ، كنت أحيانا أزورها بعد منتصف الليل ، فى الرابعة صباحا لأن هناك مشكلة تريد أن نناقشها ، وكانت دائما تزعجها الشرور التى يطلقها الآخرون حولها ... وكنت أنا أكثر الناس قسوة عليها عندما بدأت تندفع ناحية تمثيل أى فيلم ، وبدأت أقرأ معها السيناريوهات التى تعرض عليها ، تعترض أحيانا لحجم الدور ، تعترض أحيانا على الدور الصغير ، عقدة كل الممثلات أنها لا تريد إلا أن تكون النجمة الأولى ، وبدأنا نتشاجر ، وبدأت تقتنع أن المهم فى الممثل ألا يخنق نفسه فى قالب ما . وكانت رحلة المغرب الشهيرة الرحلة الوحيدة التى سافرت فيها مع سعاد ، كانت صداقتنا قوية وبلا حدود ، احترام لا حد له وتعاطف لا حد له ، لكن كلمة الحب لم تأت سيرتها ، لم تدخل حتى حوارنا ، كلمة الحب تسللت فى الإشاعات ، بدأ الوسط الفنى يشغى بدبابير الكلمات . وكنت أفكر بينى وبين نفسى أن هذه الإشاعات قد تفيد سعاد وقد تضرها لكنها لن تفيدنى ولن تضرنى ، ووقفت بكل قوتى ضد الإشاعات حماية لسعاد "
ولا أريد هنا التوقف أمام ما قاله حليم عن تدخله فى اختيار افلام سعاد لأن هذه الفترة هى ذاتها التى شهدت أضعف أفلامها من قبيل : شقاوة بنات سنة 1963 إخراج حسام الدين مصطفى ، العزاب الثلاثة سنة 1964 إخراج محمود فريد ، أول حب إخراج عبد الرحمن شريف سنة 1964 أيضا ، والمراهقان فى العام نفسه من إخراج سيف الدين شوكت ، ولا أريد أيضا ابتلاع طعم تفنيد من المستفيد من الشائعات ومن المتضرر منها حليم أم سعاد ؟ وكيف كان وقوفه المستميت فى وجه هذه الشائعات ونفيه الدائم لها يؤجج الحديث عنها خاصة فى ظل توافر دلائل أخرى قوية على وجود شىء ما بينهما .. ما يهمنى هنا هو ما قاله عبد الحليم قولا واحدا وفاصلا لا يقبل الشك بأن ما بينهما كان فقط الصداقة القوية ، وأن كلمة الحب لم تأت سيرتها ، ولم تدخل حتى حواراتهما ، وإنما تسللت فقط عبر الشائعات .. هذا حسن ، تعالوا الآن نقرأ ما ذكره حليم ذاته فى مذكراته الأخرى التى ظهرت فى نفس العام وصاغتها الكاتبة الصحفية إيريس نظمى: « أنا لا أنكر أنى أحببت سعاد حسنى لكنها لم تعطنى الفرصة ، ولا أريد أن أخوض كثيرا فى هذه النقطة لأن فيها نوعا من التجريح .. إن الحب هو أيضا احترام متبادل ، وإذا انعدم الاحترام بين المحبين سقط الحب .. إن الحب ليس عاطفة فقط ، إنه أيضا الاحترام ، وإذا لم تحترم الحبيبة حبيبها ، وإذا لم يحترم الحبيب حبيبته ضاع الحب واختفى فى زوايا النسيان ، لا أستطيع أن أقول أنى لم أحبها ، ولا أستطيع أن أقول أنها لم تحبنى ، ولكنها أحبتنى بطريقة مختلفة ، كانت علاقة حب ناقصة ، ينقصها شىء ضرورى وهام هو الاحترام . "
هكذا بذات الحسم والحزم والقطع واليقين يؤكد عبد الحليم أنه أحب سعاد حسنى ، وأنها أيضا أحبته حتى وإن كان حبا ينقصه الاحترام على حد قوله .
أما سعاد حسنى ، وحتى سنة 1993 فقد ظلت على نغمة واحدة بخصوص علاقتها بعبد العليم ، فعندما سألها مفيد فوزى سنة 1982 فى برنامجه التليفزيونى الخاص عن عبد الحليم : مش غريب أنك لما مثلتى أمام عبد الحليم فى فيلم " البنات والصيف " كنتى أخته مش حبيبته ؟
فردت عليه : مش كده ألطف ، وأضافت أن عبد الحليم كان بالفعل فى منزلة الأخ ، وكان مخلصا فى نصيحته وهى لا تنكر دوره معها فى بداية مشوارها الفنى .
وفى حوارها المطول الذى أجرته مها الكاتبة نعم الباز سنة 1987 ونشرته لاحقا فى كتاب سنة 2001 كانت الفرصة أفضل للحديث باستفاضة عن هذه العلاقة حيث قالت سعاد :
العلاقة كان داخلها حتة إعجاب البنت الصغيرة بفنان مشهور ، لأنى مارست الجو الفنى منذ صغرى ، لكن عبد الحليم كان فوق خط الحب ، كان بالنسبة لى أستاذ وخبرة من سبقنى بزمن ، الإعجاب هنا كان بشخصية فنية ... وعبد الحليم خصنى باهتمام كبير ، كنت أشعر بإخلاصه لى وكان يعلن رأيه عنى دائما ويقول إننى فنانة كبيرة ومجدة ومجتهدة ، وكان هذا يرضى فى أشياء كثيرة ، ومن هنا كنت شديدة التعلق بعبد الحليم ... لكن الصحافة تبحث دائما عن شىء مثير وجذاب تكتب عنه ، تبحث عن حكاية لها نبض يهم الناس ، ثم تضع فوق الحكاية " بهارات " لتشوق الناس ، والمجتمع أيضا يؤلف القصص التى يتمناها ، المجتمع يجمع كل اثنين يحبهما ليحقق أمنياته بالشائعات ، قالوا إن سعاد حسنى الصغيرة الحلوة لماذا لا يهتم بها عبد الحليم الفنان العاطفى الشاب ؟ الناس تحب الفكرة وتصدقها وتسعد بها ... البنات تخيلن سعاد تلبس الطرحة وعبد الحليم بدلة الفرح ، ويزفون عروس أحلامهم لعريس أحلامهم ، تماما كما يحدث فى الأفلام . "
هكذا حددت سعاد حسنى طبيعة علاقتها بعبد الحليم .. مجرد إعجاب بفنان كبير مع تقدير تام لمواقفه المشجعة معها .
واقع الحال فإن الشائعات الصحفية التى طالما اتهمها كل من عبد الحليم وسعاد بأنها وراء كل هذا اللغط الذى طال سيرتهما كانت هى السلاح الذى خاض به كل منهما معركته - إذا جاز التعبير - ضد الآخر ، وخاصة فى الأشهر الأخيرة من عمر تلك العلاقة ، أو على الأقل الأداة التى أدار بها كل منهما هذا الملف الشائك .. خذ لذلك مثلا ما نشرته مجلة الكواكب فى الخامس من مارس 1963 فى ذروة علاقة عبد الحليم بسعاد حسنى :
كلام فى سرك . عبد الحليم حافظ سيتزوج ، وسوف يخفى خبر زواجه ، شقيقه إسماعيل شبانة هو الذى يقول هذا .. وإذا قال عبد الحليم إنه لن يتزوج ، فلا تصدق ، إن عبد الحليم سيتزوج سرا ، وسيبذل جهده كى يظل هذا الزواج فى طى الخفاء ، وعندما نكتشف الزواج سنجد فيه مفاجأة كبيرة ، العروس ليست من الوسط الفنى وليست بلديات عبد الحليم لأن حليم من الريف ، وليس فى قريته عروس تستطيع الوقوف بجانبه عندما يحضر مؤتمرا موسيقيا عالميا مثلا . أما من هى فلا تحاول أن تعرف لأنك لن تصل لهذا السر . "
وخذ لذلك أيضا ما نشرته صحيفة الجمهورية بتاريخ 23/5/1962 تحت عنوان " سعاد حسنى ليس لديها وقت للحب " حيث ذكرت:
قالت مصادر مقربة من الممثلة سعاد حسنى أن شابا وسيما يعمل راقصا فى فرقة رضا للفنون الشعبية اسمه محمد عثمان تقدم لخطبتها ، وأنها اعتذرت له بلباقة ، وعللت ذلك بأنها تعطى كل اهتمامها لفنها وأفلامها التى تمثلها وليس لديها وقت للحب أو الزواج ، وأنها تؤجل فكرة الارتباط العاطفى إلى ما بعد تحقيق أحلامها فى السينما .. وسعاد كما تصرح دائما ليس لأحلامها حدود أو نهاية ! "
كما ترون فقد فعلت سعاد الشىء نفسه إذ نفت وجود أى قصة حب فى حياتها دون الإشارة إلى حكايتها مع عبد الحليم ، فهل كان هذا أسلوبا متفقا عليه بين الاثنين لمواجهة الشائعات المتزايدة عن قصة غرامهما الملتهب ؟ أظن ذلك ، وأظن أيضا أن تصريحات عبد الحليم لمجلة الكواكب فى الثانى من مايو 1966 تدخل فى هذا الإطار، فقد سأله محرر المجلة سيد فرغلى قائلا :
ما حقيقة الشائعة التى تدور بينك وبين إحدى فتيات نادى الجزيرة ؟
هذه الإشاعة غير صحيحة بالمرة .. وليس لها أساس من الصحة ، فأنا لو فكرت فى الحب وأحببت فعلا سأعلنها على الملأ .
ألم يخفق قلبك لواحدة معينة؟
لسه والله لغاية دلوقت .
لاحظوا معى أن هذه التصريحات وخاصة ما يتعلق منها بأن قلبه لم يخفق لواحدة حتى مايو 1966 كانت بعد أكثر من قصة حب معلنة عاشها العندليب أشهرها علاقته بـ" ديدى الألفى " التى حرمه الموت منها بعد أن كان قد قرر الارتباط بها . أما فتاة نادى الجزيرة التى سأل عنها محرر مجلة الكواكب فلم تكن سوى " مشيرة الطرابيشى ابنة أحد التجار المعروفين ووجه اجتماعى مألوف ، وقد خرجت الشائعة من بيروت .
وعلى ذكر الصحافة اللبنانية فقد كان ملف علاقة عبد الحليم وسعاد مطروحا دائما على صدر صفحاتها بصورة مختلفة ، فإذا كانت الصحافة المصرية قد اعتمدت إما على التسريبات وإما على النفى المبطن لوجود أية علاقة بين الاثنين فإن المواجهات بين عبد الحليم وسعاد - وخاصة فى الأشهر الأخيرة من عمر علاقتهما - كانت عبر صحافة بيروت أكثر مكاشفة وشراسة وحدة ، بل ووصل التلاسن بينهما إلى حد التجريح ، فقد نشرت مجلة الشبكة فى عددها الصادر بتاريخ الرابع من يوليو 1966 تصريحات واضحة لسعاد حسنى قالت فيها إن عبد الحليم انحرف بحبهما فمات هذا الحب إلى الأبد ، ولم يتأخر رد العندليب ، فقد حاورته المجلة ذاتها فى العدد التالى مباشرة وجاء الموضوع تحت عنوان " عبد الحليم يرد على سعاد حسنى : لم أحب سعاد فى حياتى» وجاء فيه :
لم يكن بينى وبين سعاد أى حب .. أنا دائما كنت أصرح بأننى لا أحب سعاد وأكدت أكثر من مرة أن ما بينى وبينها لا يخرج عن نطاق الصداقة والزمالة ."
وحينما باغته محرر الموضوع قائلا : هى تقول أنه كان بينكما شبه تفاهم على هذه التصريحات ، وأنها كانت لمجرد الاستهلاك المحلى ، فرد عبد الحليم : مع الأسف كانت كل تصريحاتى حول هذا الموضوع صادقة .
وبعد أسابيع وبالتحديد فى السابع عشر من أغسطس 1966 بلغ التلاسن حدته حينما نشرت الشبكة أيضا حوارا آخر مع عبد الحليم كان عنوانه صادما ، وهو " عبد الحليم حافظ يفجر القنابل فى بيروت : سعاد حسنى كذابة " فعندما سأله المحرر :
شىء مهم آخر خبأته عن الناس طويلا وأبيت ألا تنكره هو قصة حبك لسعاد حسنى ، وبينما تروى سعاد حسنى قصة حبكما وتصر عليها وتحكى دقائقها وتفاصيلها تنكر أنت وترسل تكذيبا بكل الحكاية ! "
فيرد عبد الحليم :
أحب أن اؤكد لك أولا أننى لم أرسل التكذيب ، بل لم أقرأه على الإطلاق ، ولكنى أحب أن أؤكد أن سعاد حسنى كذابة فى كل التفاصيل التى روتها ، وليس بينى وبينها أى قصة حب على الإطلاق ، وكل ما قالته تلفيق ، ولم يحدث أن اجتمعت بسعاد لوحدنا إطلاقا ، وفى الرحلة التى زعمت فيها أن قصة الحب دارت بيننا كنا مع زمرة من الفنانين منهم : يوسف وهبى وعمر الحريرى ووجدى الحكيم ، وقد آن أن أقول إن هذه القصة ساعدت فى بناء سعاد واستفادت منها ، ويكفى الآن متاجرة بها ، فلم تعد تصلح للنشر أو الاستفادة . "
ولم تنته المفاجآت عند هذا الحد إذ نشرت المجلة اللبنانية ذاتها فى عددها التالى تصريحات منسوبة إلى سعاد حسنى تقول فيها " فعلا أنا كذابة وعبد الحليم معه حق فى كل ما قاله ، نعم أنا قلت هذا من أجل تحقيق شهرة من وراء هذه القصة " فهل تقولت المجلة على سعاد ونسبت إليها تصريحات لم تقلها وفضلت السندريللا عدم الرد والتوقف عند هذا الحد منعا للمزيد من التلاسن أم أن عبد الحليم قد مارس ضغوطه عليها كى تتراجع عن تصريحاتها أم كانت سعاد تتهكم على عبد الحليم ؟ الأمر المؤكد أن شيئا خفيا قد حدث وراء الكواليس دفع سعاد إلى تغيير موقفها بهذا الشكل اللافت ، ولكن تستوقفنى هنا عدة ملحوظات على هذه التصريحات التى وضعت نهاية تامة لقصة غرام عبد الحليم حافظ وسعاد حسنى :
أولا : بدا واضحا أن عبد الحليم كان فى واحدة من حالات الغضب القليلة التى لم يستطع فيها أن يكظم غيظه وينتقى ألفاظه ، فهذه المرة الثانية التى يصف فيها حليم أحد زملائه بعبارات تقع تحت طائلة القانون وهو المعروف بالحنكة والذكاء الاجتماعى ، لكن يبدو أنه كان قد اقتنع - هو الآخر - بأن علاقته بسعاد قد وصلت إلى النهاية.
ثانيا : المرة الأولى التى وصف فيها حليم أحدا بالكذب كانت أيضا بسبب قصة حب ، وكانت بطلتها الراقصة ميمى فؤاد التى تنكر لها ، واعتبر أنها تريد ان تحقق الشهرة من خلال استغلال علاقته بها، وهو الاتهام ذاته الذى رفعه فى وجه سعاد حين قال " وقد آن أن أقول إن هذه القصة ساعدت فى بناء سعاد والاستفادة منها " ويوم أن اتهم حليم ميمى فؤاد بالكذب ردت هى عليه بأنه على استعداد لأن يدهس أى شخص يمكن أن يخدش علاقته بجمهوره ، وهى - كما ترون - نقطة ضعفه التى كانت عامل ضغط دائم فى كثير من مواقفه وقراراته ولا سيما ما يتعلق منها بقصص حبه وارتباطه العاطفى .
ثالثا : يقول عبد الحليم فى سنة 1966 أنه لم يحدث أن جمع بينه وبين سعاد لقاء منفرد بينما يعود ليقول بعد سنوات فى مذكراته أنه كثيرا ما كان يزورها فى منزلها بعد الثانية عشرة ليلا ويستمر عندها حتى إلى ما بعد الرابعة فجرا لأنها كانت تريد مناقشة أمور تقلقها على حد وصفه ، وحتى الرحلة التى أشار إليها ويقصد بها رحلة المغرب الشهيرة فقد تحدث عنها الكثيرون بأنها كانت بمثابة الإعلان عن قصة حبهما ، وأنهما انفصلا عن الوفد الرسمى فى رحلة العودة ، وطارا بمفردهما إلى أوروبا تمهيدا لإعلان زواجهما .. فهل كان الرجل محقا فى وصف غيره بالكذب ؟
رابعا : كان مضحكا أن يتهم عبد الحليم وفى عام 1966 سعاد حسنى بأن هذه القصة قد ساعدت فى بنائها ، وأنها قامت باستغلال علاقتها به وهو ما آن له أن يتوقف ، فحتى صيف 1966 كانت سعاد قدمت اربعين فيلما بالتمام والكمال صنعت بها هذا الاسم الكبير فى عالم التمثيل وتلك النجومية التى لم تصل إليها غيرها ، وسنة 1966 هذه تحديدا كانت واحدة من أغزر سنوات نشاط سعاد حيث قدمت سبعة أفلام دفعة واحدة من بينها علاماتها المهمة : القاهرة 30 ، صغيرة على الحب ، جناب السفير ، وليلة الزفاف ، ومن هنا لم تكن بحاجة على الإطلاق للتمسح فى نجومية عبد الحليم أو استغلال شهرته !
خامسا : من حسنات هذا المشهد السيىء فى علاقة عبد الحليم بسعاد أنه حدد لنا بشكل دقيق وقاطع تاريخ بداية ونهاية هذه العلاقة والمدة التى عاشتها قصة حبهما المبتورة خاصة بعد أن تعددت الأقاويل بشأن تاريخ هذه العلاقة حيث قال البعض أنها امتدت إلى عام 1967 ، وقال آخرون أنها استمرت بين عامى 1962 و1968 ، بل أن مفيد فوزى الذى من المفترض أنه كان قريبا من النجمين أشارت ذات مرة إلي أنها امتدت إلي عام 1971 ، وعلى هذا فإن التاريخ الدقيق لعلاقة حليم وسعاد هو بين نهاية عام 1959 وصيف 1966 .
سادسا : ما دمنا قد انتهينا إلى التحديد الدقيق للفترة الزمنية التى قطعتها علاقة النجمين الكبيرين بين تعارفهما فى شتاء 1959 وانفصالهما فى صيف 1966 فإنه يجدر الالتفات إلى أمر أراه مهما ، ففى مذكرات عبد الحليم " حياتى " التى أملاها على الكاتب الصحفى منير عامر ، وفى معرض تقديمه لقصة حبه مع " ديدى الألفى " التى أسماها حليم " ليلى " فى تلك المذكرات يقول : " أقسم بالله العظيم يمينا أسأل عليه يوم القيامة أننى لم أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها ، أما كيف دخلت أنا حياتها فتلك الحكاية التى بدأت من عام 1958 وانتهت فى عام 1968 وبين التاريخين كانت قصة حب واحدة من أعظم قصص الحب التى تحيا مع الإنسان " وهذا معناه أن الرجل أحب امرأتين فى وقت واحد وصف هو القصة الأولى بإنها من أعظم قصص الحب التى تحيا مع الإنسان ، بينما وصف المقربون القصة الثانية بإنها علاقة حب قوية وملتهبة !! فإذا ما أضفنا إلى ذلك ما صرحت به الفنانة المعتزلة زبيدة ثروت فى البرنامج التليفزيونى " بوضوح " عام 2015 بأن عبد الحليم قد أحبها أثناء تصوير فيلمهما الشهير " يوم من عمرى " سنة 1961 ، وأنه طلب يدها للزواج من والدها الذى رفض طلبه قبل أن تقترن هى بالمنتج صبحى فرحات يكون العندليب قد أحب ثلاث نساء فى وقت واحد وليس اثنتين !!!
وهنا تذكرت ما قاله عبد الحليم لمجلة الشبكة فى العدد رقم 751 سنة 1970 ردا على سؤاله : هل سبق لك أن عشت أكثر من قصة حب فى وقت واحد ؟
«هذا أمر مستحيل .. الحب الصادق كالحقيقة لا يتجزأ».