رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عضو طاقم تحرير طابا: مصر تمتلك الإمكانيات التي تمكنها من التصدي بنجاح لكافة القضايا المهمة

19-3-2019 | 00:44


أكد اللواء محمد ابراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية أن مصر تمتلك من الإمكانيات الكثير الذى يمكنها من التصدى بنجاح لكافة القضايا المهمة التى يمكن أن تتعرض لها ، وذلك فى إطار معادلة بسيطة وهى الإرادة القوية مع الإدارة الواعية، وهى معادلة ليست صعبة أو مستحيلة ما دام الهدف الوطنى محدداً والتحرك يتم بشفافية ومصداقية وبرؤية وخطة واضحة.


واستشهد اللواء محمد ابراهيم ، في هذا الصدد ، باسترداد مصر لجزء غال وعزيز من ترابها الوطني ، هو طابا ، والتي يعد تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القانونية ، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس عام 1989 ، أحد الإنجازات التي حققتها مصر ببراعة وتفان وخبرة قانونية وسياسية فريدة وصبر ومثابرة واصرار.


جاء ذلك في مقال تحليلي نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ، بمناسبة الذكرى الثلاثين لإسترداد طابا التي تحتفل مصر بها في 19 مارس من كل عام ، وأوضح خلاله اللواء محمد ابراهيم أبعاد تلك القضية والحنكة التي تفردت مصر بها حتى انتصرت في هذه المعركة القانونية والسياسية وانتزعت هذا الجزء العزيز من ترابها الوطني في 19 مارس عام 1989 ، مؤكدا على أهمية الدروس المستفادة من هذا النصر وهذا الانجاز.


وقال اللواء محمد ابراهيم ، الذي كان عضو باللجنة المصرية القومية العليا التي اضطلعت بمهمة ومسؤولية استرداد طابا ، " تحتفل مصر فى التاسع عشر من مارس الحالى بالذكرى الثلاثين لاسترداد طابا بعد معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية شديدة الشراسة، وهو إنجاز لا يقف عند مجرد تحرير أو استعادة قطعة أرض، مهما كانت قيمتها الإستراتيجية، ولكنه كان بالتأكيد ملحمة وطنية متكاملة ستظل شاهدة على نجاح الدولة المصرية فى كيفية استثمار إمكانياتها من أجل أن تكتب لنفسها إنجازاً تتحدث عنه كل الأجيال بكل فخر واعتزاز أسوة بما أنجزته مصر فى حرب أكتوبر 1973 العظيمة والخالدة".


واستعرض عضو المجلس المصري للشئون الخارجية أهم ملامح وتطورات قضية طابا والتي تمثلت في : ـ
ـ قررت إسرائيل إتمام انسحابها النهائى من سيناء فى 25 أبريل 1982 طبقاً لما كان متفقا عليه، لكنها أعلنت أنها سوف تستثنى منطقة طابا الواقعة على رأس خليج العقبة من الإنسحاب بدعوى أن علامة الحدود التى توضح موقع طابا (المعروفة بإسم العلامة 91) غير واضحة المعالم وغير موجودة داخل الأراضى المصرية.


ـ حرصت مصر على ألا تؤدى هذه المشكلة إلى عدم إتمام الإنسحاب النهائى الإسرائيلى من سيناء، فوافقت على إنسحاب إسرائيل عدا طابا ما دامت هناك آلية حل مستقبلى منصوص عليها فى المعاهدة.


ـ شكلت القيادة السياسية المصرية فى مايو1985 لجنة على أعلى مستوى عُرفت بإسم اللجنة القومية العليا لطابا، وأُوكل إليها مهمة رئيسية واحدة وهى إعادة طابا للسيادة المصرية.

 
ـ وقعت مصر وإسرائيل مشارطة التحكيم ، بعد عدم نجاح وسيلتى المفاوضة والتوفيق ، فى سبتمبر 1986 ، واستطاعت مصر بجدارة حصر مهمة هيئة التحكيم الدولية فى نقطة واحدة ، وهى تقرير موضع علامات الحدود الدولية المختلف عليها ، وليس البحث فى إعادة ترسيم خط الحدود كله كما كانت ترغب إسرائيل.

 
ـ قررت هيئة التحكيم فى أعقاب المرافعات والوثائق التى قدمها الجانبان المصرى والإسرائيلى أحقية مصر فى طابا ، وذلك فى سبتمبر 1988، وبالتالى انسحبت إسرائيل منها وتم رفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس 1989.
وأضاف " لا يمكن لنا أن نتحدث عن هذه الملحمة ونحصرها فى الإطار التاريخى أو القانونى فقط ، لكن الأهم أن نظهر كيف مثلت هذه الملحمة نموذجاً لنجاح وتميز الدولة المصرية في أن تحقق بقدرات أبنائها وتفانيهم ما ترغب فيه من معجزات وإنجازات".


وانتقل اللواء محمد ابراهيم ، في مقاله ، الى الدروس المستفادة من هذا الانتصار ، فقال " ليس من الإنصاف أن نمر مروراً سريعاً على ذكرى هذه الملحمة دون أن نقف عند الدروس المستفادة، وعوامل النجاح لنتعلم منها ونتدارسها لتكون لنا نبراساً وطريقاً لتخطى أصعب العقبات التى يمكن أن تواجهها الدولة المصرية فى أى وقت ، خاصة أن كاتب هذا المقال نال شرف أن يكون أحد أعضاء اللجنة القومية العليا لطابا ، وعاصر لمدة خمس سنوات من المفاوضات شديدة الصعوبة والتعقيد مع الجانب الإسرائيلى حتى تم استرداد طابا".


وأضاف " أستطيع فى رأيى أن أوجز عوامل النجاح التى تحققت ، بل وما زالت تصلح أن تكون نموذجاً للنجاح فى القضايا الكبرى التى يمكن أن نتعرض لها ، فى أربعة عشر عاملاً رئيسياً على النحو التالي :


العامل الأول : تأكيد مصر التزامها بكافة الإتفاقات التى وقعتها مع دول العالم ومن بينها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، وهو مبدأ ثابت فى سياستنا الخارجية يؤكد حرص مصر على أن تكون عنصراً فعالاً وملتزماً فى المجتمع الدولى.


العامل الثاني : التحرك لحل مشكلة طابا بالشكل القانونى من خلال ما نصت عليه المادة السابعة من المعاهدة بأن أية خلافات بين الدولتين ناشئة عن المعاهدة يتم حلها من خلال المفاوضة أولاً ، وإذا فشلت يتم التوجه إلى التوفيق ، وإذا فشلت يحال الخلاف إلى التحكيم .


العامل الثالث : النجاح الكبير فى بلورة هذه المشكلة لتكون بمثابة مشروع قومى أو قضية قومية يلتف حولها كل الشعب المصرى وليست مجرد قضية فرعية أو ثانوية.


العامل الرابع : تحديد الهدف من المفاوضات بشكل واضح منذ البداية، وهو عدم التفريط فى أى سنتيمتر من الأرض المصرية مهما كان الثمن ، وقد كان هذا هو المبدأ المقدس الذى تحرك على أساسه طاقم التفاوض المصرى فى مئات الجلسات التى عُقدت مع الطرف الآخر على مدار خمس سنوات.


العامل الخامس : تحرر الدولة من كافة الضغوط التى يمكن أن تعوق تحقيق الهدف المحدد، سواء عامل الوقت الذى لم يكن سيفاً مسلطاً على المفاوض المصرى ، أو عدم ترك الفرصة لإسرائيل لتعطيل المفاوضات أو نسفها مهما كانت الأسباب ، بل نجحت مصر فى الضغط على إسرائيل من خلال رفض عودة السفير المصرى إلى تل أبيب (بعد سحبه عام 1982) إلا إذا وافقت الأخيرة على تحويل المشكلة إلى التحكيم ، وهو ما تحقق بالفعل.


العامل السادس : اختيار طاقم التفاوض المصرى بصورة متأنية، حيث ضم الوفد كل الخبرات المهنية المحترفة فى كافة التخصصات ومن جميع المؤسسات المصرية المعنية ، السياسية والقانونية والدبلوماسية والمهنية والعسكرية والأمنية دون استثناء ، بالإضافة إلى وجود قيادة قانونية متميزة للوفد تحظى باحترام دولى كبير ، وهو الدكتور نبيل العربى.


العامل السابع : التنسيق الكامل بين كافة المؤسسات والهيئات المعنية بمتابعة هذه القضية المهمة وإزالة كافة القيود الإدارية أمامها وأية قيود أخرى حتى أصبح هذا التنسيق فعالاً ومؤثراً وغير مسبوق ، وأصبح الوفد المفاوض منظومة عمل واحدة متناسقة وكأنه ينتمى لمؤسسة واحدة.

 
العامل الثامن : التأييد الكبير والثقة المطلقة التى أولاها الشعب المصرى لقيادته السياسية تجاه هذه القضية ، وقناعته بقدرتها على حلها ، وهو ما عكس بالتالى ثقة كل من القيادة والرأى العام فى طاقم التفاوض الذى اكتسب قوته من هذه الثقة.


العامل التاسع : تفاني طاقم التفاوض المصرى فى العمل وبذل الجهد المضنى المتواصل ، وحرص الدولة على أن تكون المعالجة الإعلامية للقضية هادئة ومختصرة ومرشدة ودون تفاصيل ، وألا يترك الأمر للإعلام دون ضوابط حتى لا يؤثر على سير المفاوضات.


العامل العاشر : التنسيق المتواصل والمراجعة المستمرة بين القيادة السياسية وقيادة طاقم التفاوض من أجل الوقوف على أية مستجدات ، وتلقى التوجيهات الضرورية ، مع الاتجاه لتغيير تكتيك العمل وأسلوب التفاوض كلما كان الأمر ضرورياً.


العامل الحادى عشر : قدرة المفاوض المصرى على تفهم تحركات وأهداف وتكتيكات وطبيعة شخصيات طاقم التفاوض الإسرائيلى الذى انتهج أساليب عديدة مزعجة ، من بينها ما يمكن أن أسميه الضغط النفسى والذى هدف إلى إرهاق الجانب المصرى بتفصيلات لا حصر لها بعيداً عن جوهر المشكلة ، أملاً فى دفعه للتسليم مبكراً ، ومن ثم الموافقة على الحجج الإسرائيلية ، وهو ما لم يحدث ، بل انتهج الجانب المصرى بنجاح ما يمكن أن أسميه سياسة النفس الطويل الهادئ والثقة المطلقة فى قدرته على إنجاز مهمته بنجاح فى النهاية.


العامل الثانى عشر : وطنية ومسئولية الأحزاب السياسية التى يمكن تسميتها بالأحزاب المعارضة واندماجها فى المنظومة الوطنية للدولة من أجل تحقيق أهدافها القومية ، ولعل وجود الدكتور وحيد رأفت ، القيادى الوفدى الكبير ، كأحد أهم الخبراء القانونيين فى وفد التفاوض المصرى آنذاك خير دليل على هذا الأمر.


العامل الثالث عشر : تحرك الدولة المكثف على المستوى الخارجى، ممثلاً فى القيادة السياسية والمؤسسات المعنية بالقضية وتحديداً مع بعض دول العالم المعنية بالأمر ، وكذا التواصل مع بعض الشخصيات الأجنبية من أجل الحصول على كافة الأدلة والوثائق والبراهين الموجودة لدى هذه الدول والشخصيات التى تؤكد تاريخياً أحقية مصر فى طابا.


العامل الرابع عشر : نجاح الجانب المصرى ووفده التفاوضى فى احتواء الطرف الأمريكى الوسيط الذى كان متواجداً خلال المفاوضات وإبعاده بجدارة عن التحيز للجانب الإسرائيلى من خلال ما أبداه الوفد المصرى خلال كافة المباحثات من قناعة، وجدية، وموضوعية، وتمسك بالأدلة القانونية، وتصميم على التمسك بالهدف.


واختتم اللواء محمد ابراهيم المقال بقوله " وفى ضوء ما سبق ، لابد لى أن أشير فى النهاية إلى أن العوامل والدروس السابقة تؤكد أن مصر تمتلك من الإمكانيات الكثير الذى يمكنها من التصدى بنجاح لكافة القضايا المهمة التى يمكن أن تتعرض لها، وذلك فى إطار معادلة بسيطة وهى الإرادة القوية مع الإدارة الواعية، وهى معادلة ليست صعبة أو مستحيلة ما دام الهدف الوطنى محدداً والتحرك يتم بشفافية ومصداقية وبرؤية وخطة واضحة".