في ذكرى رحيل مصطفى أمين.. لمحات من كتابه الممنوع أسرار ثورة 1919
في مثل هذا اليوم من عام 1997 رحل
الكاتب الكبير مصطفى أمين بعد رحلة طويلة بدأها عندما اشتد عوده في الثانية عشرة
من عمره، وكان قد ولد وتربى في بيت زعيم الأمة سعد باشا زغلول، فهو الذي تبنى والدة
مصطفى أمين بعد رحيل أبويها، وبالتالي عاش مصطفى وعلى ووالدتهما في بيت الأمة،
الذي كان مركزاً لقيادة ثورة 1919 ، وقد نشرنا من قبل في ذكرى ميلاد مصطفى أمين
كيف أنقذ وهو صبي مذكرات سعد زغلول من الضياع بعدما ألقاها أحد العاملين ببيت
الأمة في سلة المهملات وتلقاها مصطفى على أنها كراسات يمكن الكتابة فيها، لكنه وجد
أنها المذكرات الأصلية لجده سعد باشا وأعادها لتصبح المذكرات مكتملة بخط سعد
زغلول.
الكتاب الممنوع
في ذكرى رحيل مصطفى أمين نلقي الضوء
على لمحات من كتابه الممنوع أسرار ثورة 1919 من خلال الطبعة الأولى التي صدرت بعد
خروجه من السجن عام 1974 والكتاب أصدرته دار المعارف من جزأين عام 1974، وفي
مقدمته وضح أمين سبب المنع، وأكد أنه في عام 1963 قام ببحث عن ثورة 1919 وأسرار
جهازها السري، واستأذن الرئيس جمال عبد الناصر في نشر تحقيق عن أسرار ثورة 1919
وأذن له الرئيس بالنشر في الأخبار، ثم أخبره الرئيس بعد نشر الحلقات الأولى أنه
تلقى تقارير من أجهزة مختلفة مفادها أن التحقيق الذي ينشره غرضه التقليل من شأن
ثورة يوليو 1952، ومع ذلك طلب منه الرئيس أن يستمر، وفي اتصال تليفوني آخر أكد
الرئيس جمال لمصطفى أمين أن أجهزة أخرى أكدت له أن تحقيقه الذي ينشر يقوم بالتلميح
بأن الشعب الأعزل يمكنه أن يثور على الجيش المسلح، ولكنه طلب منه أيضاً أن يستمر
في النشر، وفجأة صورت مراكز القوى للرئيس جمال بأن الغرض من هذا التحقيق هو تحريض
الشعب على الإنقضاض على ثورة يوليو، لذا صدر الأمر بوقف النشر في الأخبار، ولجأ
أمين في شهر يوليو 1963 إلى د. سيد أبو النجا المشرف العام على دار المعارف لنشر
التحقيق في كتاب، ولكن صدر الأمر أيضاً بعدم طبع الكتاب، وبعد عامين دخل الكاتب
السجن بتهمة الجاسوسية.
الرافعي عضو المجلس الأعلى للإغتيالات
بعد أن أنهى مصطفى أمين مقدمته
البسيطة للكتاب الممنوع، ربطها بكلمة لابد منها، أكد فيها مسلمات، منها أن رسالته
لنيل الماجستير في جامعة جورج تاون بأمريكا كان موضوعها "سعد زغلول وثورة
1919" وأن اهتمامه بالثورة جاء نتيجة معاصرته لأحداثها يوماً بيوم ، فقد حضر
مواكبها وجنازاتها وانتصاراتها وهزائمها، وأنه اطلع على مذكرات سعد زغلول التي وجد
بها مفاجأة أذهلته .. وهي أن المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي كان عضواً في
المجلس الأعلى للإغتيالات أثناء ثورة 1919، وقد اطلع أمين على كل مؤلفات الرافعي
ولم يجد بها إشارة واحدة لهذا الموضوع.
حسب رواية مصطفى أمين، كان الرافعي
شريكاً لوالده في مكتب المحاماة في المنصورة ودمياط، وكانت تربطهما صداقة عائلية،
وقد ذهب أمين ليسأله عن حقيقة عضويته في المجلس الأعلى للإغتيالات، فأجاب الرافعي
بـ "نعم"، وسأله أمين: لماذا لم تذكر ذلك في كتبك ومذكراتك؟ فقال :
لأنني أقسمت اليمين ألا أفتح فمي ما دمت حيا.
رصاصة تحت قلب سعد زغلول
ومن اللمحات الهامة في كتاب مصطفى
أمين الممنوع هو محاولة اغتيال سعد زغلول، والتي بدأ في سردها بداية من الصفحة 420
حيث يقول: في صباح السبت 12 يوليو 1924 دخل سعد زغلول محطة القاهرة ليركب القطار
إلى الأسكندرية، الجماهير مزدحمة، الهتافات تدوي بحياة سعد زغلول، جدران وأسقف
المحطة تهتز من صراخ الشعب الذي يدوي كالرعد، وفجأة انطلقت عدة رصاصات، وإذا بسعد
زغلول يضع يده على صدره والدم يسيل منه، فقد كان مطلق الرصاص شابا يرتدي بدلة
رمادية برز من إحدى عربات الدرجة الثالثة، فأصابه الرصاص في ساعده الأيمن ودخلت
رصاصة تحت القلب ، وتم القبض على المعتدي الذي كادت تفتك به الجماهيرووقع في أيدي
البوليس، ونقل سعد زغلول إلى استراحة المحطة والدم ينزف منه ورأى الناس يبكون فقال
لهم " لا تحزنوا، إذا مات سعد فإن مبدأه لا يموت .." ونقل سعد إلى
المستشفى واستطاع الأطباء استخراج رصاصة من ذراعه الأيمن ولكن الثانية بقيت في
جسده لأنها تحت القلب مباشرة وبقيت في موضعها حتى رحل سعد زغلول بعد الحادث يثلاثة
أعوام.