عفرين على صفيح ساخن.. بانتظار المعركة الكبرى: الجيش التركي يحتل مواقع يحمي فيها جنوده فقط.. وعمليات الكرامة لـ"وحدات حماية الشعب" ضد الأتراك دفاعا عن الأرض
شنّت القوات التركية وفصائل المعارضة السورية المدعومة منها، عمليةً عسكرية واسعة في 20 يناير 2018 على منطقة عفرين، أقصى شمال غربي سوريا، وتواصلت المعارك بينها وبين "وحدات حماية الشعب" و "وحدات حماية المرأة" الكردية، التي استمرت سيطرتها على المنطقة حتى 18 مارس الماضي، حين انسحبت من عفرين "درءاً لوقوع مجازر في صفوف المدنيين المحاصرين" وفق بيان صدر عن تلك الوحدات آنذاك.
لم ينتهِ القتال بين الطرفين منذ ذلك الوقت ولم تُوقَّع أي اتفاقية، كما لم تُجرِ مفاوضات رسمية بين الأطراف المتحاربة. وأطلقت الوحدات الكردية فور إعلان انسحابها، المرحلة الثانية من المعركة التي تمثلت بتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة على مجموعات صغيرة ونقاط عسكرية تابعة لفصائل المعارضة وأخرى تابعة للجيش التركي في مختلف مناطق عفرين.
عفرين لم تسقط!
يرفض الناطق باسم "وحدات حماية الشعب" نوري محمود مقولة إن "عفرين سقطت"، ويصرّ في المقابل على أن "عفرين الآن محتلة من قبل الجيش التركي الذي يُفترض أن يكون ضمن حدود دولته". وصرح محمود لـ"اندبندنت عربية" بأن "الجيش التركي يعمل خارج المواثيق والقوانين الدولية، ويتحرك بحسب الإسلام السياسي البعيد عن الإسلام الحقيقي، فبدل أن يحمي التراب التركي، يحتل منطقة داخل سوريا، وأصبح سبباً في إحداث تغيير ديموغرافي. وعلى الرغم من استفادة تركيا من الوضع الدولي لم تستطع السيطرة لا سياسياً ولا عسكرياً على عفرين، إذ تُشنّ يومياً عمليات عسكرية ضدها، وينمو حالياً هناك فكر متشدد يستمد قوته من الإرهاب العالمي الذي كان متمثلاً بداعش في الباغوز، وهؤلاء ليسوا أصحاب أملاك وأراضٍ في عفرين، إنما غرباء عنها وإرهابيون، في وقت أن 90 في المئة من أهلها الأصليين خرجوا منها والـ 10 في المئة المتبقين فيها يقاسون ظلماً كبيراً.
سيطرة العصابات
أضاف المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب" أن "الجيش التركي في عفرين يحتل فقط مواقع يحمي فيها جنوده ولا يسيطر على الشارع، بينما قسّمت الفصائل والمجموعات التابعة له المدينة في ما بينها، فسيطر على كل حي فصيلٌ مختلف عن الآخر، وهذا ما يجعل عفرين خاضعة لسيطرة العصابات تحت إشراف الجيش التركي، الذي يسير وفق ذهنية حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) وهي ذهنية الإخوان المسلمين وداعش وأبو محمد الجولاني ذاتها السارية في إدلب الآن".
مجالس بالاسم فقط
في معرض حديثه عن واقع عفرين، قال نوري محمود "المجالس التي شكلها الجيش التركي لإدارة شؤون عفرين هي مجالس بالاسم فقط، ولا تخدم الناس، بل على العكس من ذلك، تغتصب حقوق الناس وتفرض مبالغ مالية ضخمة على أصحاب المواسم. ويعيش أهالي عفرين عامةً فقراً مدقعاً، ما عدا أولئك الذين أسسوا عصابات ويمارسون الإرهاب بحق الأهالي واغتصاب الممتلكات الخاصة". وعبّر محمود عن أسفه لصمت المجتمع الدولي حيال ما يجري في عفرين.
"مناطق الشهباء"
وقال نوري محمود "مناطق الشهباء شُكلت فيها إدارة خاصة. ويعيش الذين نزحوا من عفرين مع أهالي الشهباء ويعملون على حماية أنفسهم ومؤسساتهم، ساعين في الوقت ذاته إلى العودة إلى أماكن سكنهم الأصلية في عفرين".
عمليات الكرامة
يصف المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب" العمليات التي تشنّها قواتهم داخل عفرين ضد الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له، بـ "عمليات الكرامة" التي تُشنّ "دفاعاً عن الكرامة والأرض والثورة ووحدة التراب السوري. وستستمر هذه العمليات لأن من حق أهالي عفرين حماية أنفسهم لأنهم وحيدون بوجه هذا الاحتلال. لذلك يجب على الأطراف السورية التحرك في إطار حماية الوطن السوري، فعفرين أرض محتلة وعلى المجتمع الدولي أن يعير اهتماماً لقوانينه ومواثيقه بوجه الجيش التركي الذي يخدم الفكر المتشدد والإرهابي ومحاسبته وفقها".
تحرير عفرين؟
ورداً على سؤال عن معركة استعادة المنطقة، قال المتحدث باسم الوحدات الكردية إن "مسألة تحرير عفرين يجب أن تتم وفق الدستور السوري والمواثيق الدولية"، مضيفاً أن قواتهم وقوات النظام السوري متوافِقتان على التحرك وفق هذا الأساس، إلا أن "صمت كل من النظام والمجتمع الدولي دفع بالوحدات إلى التحرك منفردةً في إطار المرحلة الثانية من مقاومة عفرين لكسر الاحتلال".
ونزح حوالي 250 ألف شخص من عفرين، إثر وقوعها تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية والقوات التركية، إلى مناطق الشهباء التي تُعدّ مدينة تل رفعت مركزها، إضافة إلى بلدات وقرى عدة تتبعها في الريف الشمالي لمحافظة حلب، وتخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب، ضمن توازنات عسكرية معقدة جداً. وتحيط بها من الشمال والغرب، المناطقُ الخاضعة لسيطرة الفصائل السورية المعارضة المدعومة من تركيا، في حين تجاور مناطق سيطرة الحكومة السورية والنقاط الروسية والإيرانية المنتشرة في الريف الشمالي لمدينة حلب".
واستقرت الإدارة الذاتية التي كانت تدير كل من عفرين ومناطق الشهباء، وباتت تُعدّ جزءاً من الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها. وتمكن حوالي 120 ألف شخص من العودة من هذه المناطق إلى قراهم ومنازلهم، وبقي 132 ألفاً في حالة نزوح. ويقول سليمان جعفر، مسؤول العلاقات الخارجية في إدارة عفرين، إن "الإدارة الذاتية تؤمّن حاجات هؤلاء المهجرين، إضافة الى بعض المساعدات الغذائية من قبل الهلال الأحمر السوري وبرنامج الغذاء العالمي". كما قال جعفر إن "13 ألف شخص يعيشون في 4 مخيمات"، مشيراً إلى أن "هذا العدد قابل للزيادة بسبب المحاولات المستمرة للمحتل التركي بغية الضغط على أهالي عفرين للهروب من مناطقهم".
تغيير ديمغرافي
يعتبر مسؤول العلاقات الخارجية الذي يعيش في منطقة نائية قليلة الخدمات، أن "حياة المهجرين في مناطق الشهباء تشبه العيش في سجن كبير حيث لا يسمح النظام لأحد بالسفر إلى حلب كما لا يسمح للآخرين بزيارتها". ويضيف جعفر أن "المحتل التركي يقوم منذ اليوم الأول لاحتلال عفرين بخطوات سريعة لتغيير ديموغرافيتها باستقدام مستوطنين من كل حدب وصوب وطرد السكان الأصليين وإسكانهم بدلاً من أصحابها الحقيقيين".
وتتشكَّل منطقة عفرين من مركز المدينة و6 بلدات و 360 قرية تتبعها، وغالبية سكانها أكراد مسلمون، كما تتوزع في المنطقة مجموعات من الايزيديين. وشهدت عفرين قبل أن تهاجمها القوات التركية، توافد مئات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية وأصبحت مركزاً صناعياً وتجارياً بسبب الدمار الذي لحق بالمناطق المحيطة بها، لا سيما مدينة حلب. ويشير سليمان جعفر إلى أن نسبة سكان عفرين من العرب لم تكن تتجاوز 4 في المئة ولم يكن للتركمان وجود فيها. وأضاف أن "البعض يفتري حين يقول إن نسبة العرب كانت تراوح بين 30 أو 40 بالمئة".
العمليات مستمرة
مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية أكد أن "العمليات القتالية لوحدات حماية الشعب ضد المحتل التركي لم تتوقف". وأضاف أنها "مستمرة من خلال المقاومة في مرحلتها الثانية، وهي مشروعة 100 في المئة، فالخنوع والاستسلام للمحتلين ليسا من طبع شبابنا، الذين يضحون بالغالي والنفيس في سبيل كرامتهم وحريتهم اللتين ذاقوا لذتهما على مدى سبع سنين، ولن يهدأ لهم بال إلا برؤية عفرين محررة من رجس الاحتلال التركي وعودة أهلها إليها".
وتُبث على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بيانات وفيديوهات تابعة لمجموعات تحمل اسم "قوات تحرير عفرين" أثناء تنفيذها عمليات ضد فصائل المعارضة السورية والقوات التركية في مناطق عدة من عفرين.
عملية التحرير المرتقبة
بعد إنهاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمادها الأساسي، وجود تنظيم "داعش" في الباغوز، برزت مسألة العملية العسكرية في عفرين التي تناولها أكثر من مسؤول في تصريحاته. وقال سليمان جعفر أثناء تنقله بين مناطق قريبة من عفرين أن "قرار البدء بالحملة الكبرى لتحرير عفرين، بيد القوات العسكرية، فهي التي تحدد زمان تلك المعركة أو شكلها". وأضاف من وجهة نظر خاصة أن الظروف الدولية والسياسية ستحدد زمن بدء معركة تحرير عفرين، لا سيما أن "قوات سورية الديمقراطية وعدت أهالي عفرين بعد القضاء على داعش عسكرياً وجغرافياً وعلى لسان القائد العام مظلوم كوباني، بأن هدفها الأساسي الجديد هو تحرير منطقتهم".
شرطان للتفاوض
وفي احتفال نظمته "قسد" في مدينة كوباني ذات الرمزية في محاربة "داعش"، ربط القائد العام لـ"قسد" قبول التفاوض مع تركيا بتحقق شرطين، الأول هو انسحاب القوات التركية من عفرين، والثاني تخلي تركيا عن تهديد مناطق شمال سوريا وشرقها.
عالقون في الشهباء
في غضون ذلك، يسعى القاطنون في القرى والمخيمات للخروج من هذه المنطقة بسبب خشيتهم من البقاء في منطقة ذات مستقبل غير واضح. ورأت الصحافية نوروز رشو أن تعدد القوى المتخاصمة في مناطق الشهباء زاد مخاوف الناس من ضبابية المستقبل. مثلاً ترددت قبل أيام شائعات عن انسحاب روسي من محيط بلدة تل رفعت، وهذا ما يجعل النازحين قرب مناطق شيراوا المتاخمة للشهباء عرضةً لصواريخ فصائل المعارضة، إذّاك يضطرون للنزوح مجدداً. وأضافت رشو أن حاجات أخرى كالتعليم والصحة والعمل تدفع بالناس للتفكير في الخروج من مناطق الشهباء والتوجه نحو حلب، "فالمنطقة عبارة عن أطلال وبنيتها التحتية مدمرة، وفوق ذلك كله تنتشر الألغام التي يقع ضحيتها أطفال النازحين". وتشير الصحافية إلى أن "الوضع الصحي متدهور جداً وتنتشر الأمراض لا سيما حبة اللاشمانيا (حبة حلب)".