بقلم – مدحت بشاى
فى كلمة ألقاها الرئيس السيسي، قال: «سألت رئيس الجهاز المركزى للتعبئة عن عدد حالات الزواج قال لى ٩٠٠ ألف و٤٠٪ منهم ينفصلون بعد ٥ سنوات» وسأل السيسى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف قائلًا: «هل نحن يا فضيلة الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، لكى يكون أمام المأذون، حتى نعطى للناس فرصة كى تراجع نفسها. كما مازحه قائلًا: «ولا إيه يا فضيلة الإمام، تعبتنى يا فضيلة الإمام». فى غضون ذلك، قال عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان، إنه يتم تجهيز قانون لتنظيم الطلاق الشفوى خلال أيام تنفيذًا واستجابة لدعوة السيسي، مشددًا على أن القانون الجديد سيكون متوافقًا مع الشرع، لأن الشرع يدعو إلى وحدة الأسرة ولم شملها والاستقرار.
وحول سؤال عن هل الطلاق الشفهى يقع، أجاب فضيلة المفتى بأنه يقع وفق القانون المصري، والقانون يلزم أيضًا من يقع الطلاق منه أن يوثقه، والسائل عندما يأتى لدار الإفتاء ونرى أن الطلاق قد وقع منه ننصحه بالذهاب للمأذون وتوثيق الطلاق خلال ٣٠ يومًا.، أى أن الأمر توقف عند النصيحة رغم قول فضيلته فى نهاية تصريحه «كلمة الطلاق أصبحت كلمة سهلة فى المجتمع ومنتشرة، حتى أن غالبية الطلاق الذى يأتى إلى دار الإفتاء لا علاقة له بالعلاقة الزوجية، لأن بعض الأزواج يقحمون الطلاق فى أمور التجارة وغيرها”..
وأعتقد أن أمر التجديد فى قانون الأحوال الشخصية يواجه بالرفض من جانب الكنيسة المصرية لو طالب الرئيس بذلك من أجل شكاوى آلاف العائلات القبطية الواقفة على باب المجلس الإكليريكي، وحتى لو قال الرئيس «تعبتنا يا قداسة البابا”..
وأعود لأزمة توثيق الطلاق حتى يقع، وأتعجب أننا فى كل أزماتنا المتعلقة بمشاكل الناس بشكل عام، والتى تتعلق بعلاقتهم بمؤسساتنا الدينية بشكل خاص لا يتم التعامل معها بشكل يُمكن الناس من تجاوزها، فقضية الطلاق الشفوى التى أفردت لها مجلتنا «المصور» ملفًا رائعًا مكتمل الأبعاد منذ أسابيع قليلة، كان قد تم مناقشتها أيضًا بروعة على صفحات مجلة «الهلال» وبعددها بتاريخ يوليو ١٩٤٧ أى منذ حوالى ٧٠ سنة، وكان طرح السؤال التالى «العصمة فى يد من تكون.. الزوج أم الزوجة أم القاضى؟ «وتحدث للهلال السادة الأستاذ عبدالوهاب خلاف، السيدة نظلة الحكيم، السيدة أمينة السعيد، الشيخ محمود أبو العيون “.. وليسمح لى قارئ «المصور” العزيز التذكير بجوانب من الحوار..
الأستاذ خلاف: أرى أن نبدأ الحديث بإيراد خلاصة تشريعنا الذى يجرى عليه العمل الآن فى حق التطليق، ومن يملكه، وهل يجب أن تبقى الحال على وضعها أو تعدل؟
السيدة نظلة: الموضوع هو، هل تكون العصمة بيد المرأة أم بيد الرجل أم تُسند إلى القاضى؟ فالزواج شركة بين طرفين، والمراد بيانه هو لمن تكون الكلمة الفاصلة فى أمر إنهاء الحياة الزوجية؟
السيدة أمينة: يرى الأستاذ خلاف أن نلخص ـ أولًا ـ تشريعنا الذى يجرى عليه العمل الآن، لتكون المناقشة عن بينة، وهذا حسن..
الشيخ أبو العيون: علينا أن نتناقش فيما هو واقع الآن، حيث العصمة بيد الرجل أصلًا، وبيد القاضى فى بعض الحالات، وفيما إذا كان التشريع الحالى يلائم الحياة الزوجية أم لا؟
الأستاذ خلاف: لكى ننتهى من هذه المحادثة إلى نتيجة عملية، ينبغى أن نستعرض النظام التشريعى المتبع الآن فى حق الطلاق ومن يملكه، وهو نظام مأخوذ من المذاهب الأربعة، وخلاصته أن الزوج له الحق المطلق فى أن يستقل بتطليق زوجته فى أى وقت، بدون توقف على إذن القضاء أو رضا الزوجة، بل ولا على علمها به. وللزوجة التى فوض إليها زوجها تطليق نفسها وجعل عصمتها بيدها الحق فى أن تطلق نفسها بمقتضى هذا التفويض.. وأما الزوجة التى لم يجعل الزوج عصمتها بيدها، فليس لها الحق فى أن تطلق نفسها من زوجها. وقد نص القانون على خمس حالات جعل لها الحق فى كل حالة منها أن تطلب من القاضى أن يطلقها من زوجها ـ هذا هو النظام القائم، فهل يوجد ما يدعو إلى تعديله؟
السيدة نظلة: تعنى بالحالة الثانية أن هذا حقه وقد يتنازل عنه للزوجة؟
الأستاذ خلاف: نحن لا نعبر عنه بالتنازل، لأن التفويض لا يسلب الزوج حقه، وإنما هى تتولى هذا الحق نيابة عنه، فلها أن تطلق نفسها إذا ملكها زوجها هذا الحق أثناء عقد الزواج، أو بعده، أو فى أثناء الحياة الزوجية، وفقًا لما اتفقا عليه من شروط لا تتنافى مع الشرع ومقتضى العقد. وإذا لم يفوض الزوج زوجته فى ذلك امتنع عليها أن تطلق نفسها إلا فى حالات نص عليها القانون، وهى حالات عدم الاتفاق، أو العيب الذى تتعذر معه الحياة الزوجية، أو الضرر، أو غيبة الزوج سنة فأكثر بلا عذر، أو الحكم بسجنه ثلاث سنوات فأكثر، ففى هذه الحالات يجوز لها أن تطلب إلى القاضى تطليقها من زوجها.
السيدة نظلة: أرى أن هذا نوع من التيسير فيه إصلاح للناحية الخلقية.
السيدة أمينة: أحب أن أقول إن فساد الحياة الحاضرة أدى بالرجل إلى إساءة استعمال هذا الحق، فقد يلجأ إليه لأسباب غير عملية لا تبرره، كالغضب أو الرغبة فى زوجة أخرى أو نحو ذلك، وقد يتضاعف الضرر إذا أعطيت المرأة هذا الحق مطلقًا كالرجل، أما إسناده إلى القاضى ففيه إقرار للحياة الزوجية، ورقابة على حسن استعمال الحق ممن يملكه.
السيدة نظلة: أعترض، لأن شرعية الزواج بين شخصين تتنافى مع وجود العصمة فى يد ثالث.
الشيخ أبو العيون: وهل يسلب الزوج هذا الحق مطلقًا، وهو مستمد من القانون الشرعى؟ لقد أعطى الزوج حق تطليق زوجته فى أى زمان وعلى أى حال وهو نافذ بمجرد النطق به.
السيدة أمينة: أرى أن ما قلته يتفق مع روح القانون الشرعي، لأنى لا أسلب الزوج حقه، ولكن أجعل استعماله إياه تحت إشراف القضاء ورقابته.
وفى نهاية التحقيق الصحفى الرائع كانت الآراء كالتالى:
الأستاذ خلاف: إذا كان فى الحياة الزوجية الآن فساد من ناحية نظام الزواج ونظام الطلاق، فليس منشؤه النقص فى التشريع، وإنما منشؤه سوء التطبيق، والقانون العادل لا يقدح فيه أن يُساء تطبيقه، فليتعلم الأزواج حقوق الزوجية، وأن الله ما شرع الطلاق إلا للضرورة أو الحاجة وأنه أبغض الحلال إليه، وأنه جعل له نظامًا خاصًا، فإذا أوقع الزوج الطلاق كما شرعه الله، وعلى ما سن له، استقامت حال المجتمع، فالواقع أن فساد الحياة الاجتماعية ليس مرده إلى فساد النظام، ولكن إلى سوء التطبيق.
الشيخ أبو العيون: إذا أصلحت الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية قلت حوادث الطلاق، فالضرر الواقع ليس من التشريع، وإنما هو من شيء آخر، وإذن فلنتريث قليلًا ولا نلجأ إلى عمل غير مشروع.
السيدة أمينة: وإلى أن يتعلم الأزواج ذلك، ويصبحوا فى حالة يستطيعون معها تطبيق ما سنه الله تطبيقًا صالحًا، ماذا نصنع؟
الأستاذ خلاف: توجد آراء متعددة فى المذاهب الإسلامية تفيد إيقاع الطلاق وتقلل الحالات التى يقع فيها، فبعض المذاهب لا تعتبر طلاق الغضبان واقعًا، ولا طلاق المنفعل فى شدة انفعاله، وفى بعضها لا يقع طلاق الزوج إذا كانت الزوجة فى المحيض، فإذا أخذنا بمختلف المذاهب التى تقلل الحالات التى يقع فيها الطلاق، وأضفنا هذا إلى أن الطلاق المعلق لا يقع، وأن الطلاق بصيغة اليمين لا يقع، وأن طلاق السكران والمكره لا يقع ـ ضيقنا الدائرة، واعتبرنا أكثر الحالات التى يطلق فيها الزوج لغوًا، وحصرنا الحالات التى يقع فيها الطلاق، ومتى عرف الأزواج أن أكثر ما يصدر عنهم من صيغ الطلاق لغو، أعرضوا وكفوا ألسنتهم عنه، وهذا فى رأيى طريق غير مباشر لتقليل استعمال الزوج هذا الحق أو صرفه عن استعماله..
ويا الله، هل يمكن أن تمتد حواراتنا حول قضية ما أكثر من نصف قرن؟!