رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


روسيا بين التشدد مع مصر والتسامح مع تركيا

5-4-2017 | 13:19


بقلم – د. نادر نور الدين

البيئة هى كل ما يحيط بالإنسان وسبل معيشته فيؤثر فيها الإنسان ويجور عليها فيرتد عليه هذا التأثير والجور بالسلب بما يؤثر على حياته وصحته وغذائه وشرابه حاليا ومستقبلا، وتلوث الموارد الطبيعية المصرية المتمثلة فى الهواء والمياه السطحية والجوفية والتربة والسواحل والمخلفات قد وصل إلى مرحلة من الخطورة تتطلب وقفة جادة وإعادة نظر فى كل ما يتعلق بالتلوث البيئى وتأثيره على حياة الإنسان المصرى.

 

في الأسبوع الماضي أعلنت بورصات القمح العالمية عن تراجع كبير لأسعار القمح الروسي فور إعلان مصر توقفها عن استيراد القمح الروسي لمدة شهر واحد فقط بسبب حصاد القمح المحلي؛ لأن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بصفة عامة وأكبر مستورد عالمي للقمح الروسي بصفة خاصة. فقد وصل حجم استيراد مصر حكومة وقطاعا خاصا للقمح العالمي خلال العامين المنقضيين ١٢ مليون طن سنويا نستطيع أن نؤكد أن ٩٠٪ منها على الأقل من القمح الروسي، وأن مصر خرجت تماما من قائمة أكبر الدول استيرادا للقمح الأمريكي خلال السنوات الخمس الماضية والتي كانت تتربع عليها حتى عام ٢٠١٠.

ومن المعروف أن تصنيف جودة القمح الروسي يختلف عن التقسيم العالمي حيث يصنف الأخير القمح إلى ثلاث درجات فقط الأولي بنسبة كسر وشوائب حتى ٣٪ وقمح الدرجة الثانية حتى ٦٪، ثم الثالثة حتى نسبة كسر ١٢٪ لذلك تستخدم هذه الدرجة الأخيرة كقمح علف فقط.

التقسيم الروسي يصنف القمح حتى خمس درجات وليس ثلاثة فقط وتحظر روسيا بيع أقماح الدرجة الأولى والثانية وتخصصها لشعبها فقط لأنه الأولى بإنتاج أراضيه ومياهه وعليه أن ينعم بنتاج جهد وكد أبنائه (بينما كان الوزير خالد حنفي يرى عكس ذلك وكان يريد تصدير القمح المصري الفاخر لأنه خسارة فينا ولا نستحقه ويستورد بدلا منه قمح الدرجة الثانية الذي يليق بشعبنا!!)، ولا تسمح روسيا إلا بتصدير قمح الدرجات الثالثة والرابعة بينما تعتبر الخامسة قمحا للأعلاف فقط وليس للخبز ولا المكرونة.

بدأت مصر الدخول فعليا وبجدية في استيراد القمح الروسي منذ عام ٢٠٠٥ بسبب قرار تنويع مصادر الاستيراد والتقليل من الاعتماد على القمح الأمريكي من دون مبرر في ذلك الوقت وكان ذلك أحد أسباب توالي تدهور العلاقات مع أمريكا وصولا إلى ثورة يناير ٢٠١١ والتي وقفت فيها أمريكا مع تغيير مبارك، وقاد هذا التغيير الوزير رشيد محمد رشيد فور ضم هيئة السلع التموينية إلى وزارة التجارة والصناعة. وقبل هذا التوقيت لم تكن هناك أي دولة عربية تستورد القمح الروسي بكميات ذات شأن، وكان بدء استيراد مصر للقمح الروسي بداية فعلية لدخول جميع الدول العربية إلى الأسواق الروسية ثقة منهم في المواقف المصرية فبدأت اليمن والجزائر والمغرب والذين ينضمون إلى قائمة العشرة الكبار في استيراد القمح في العالم وصولا إلى الإمارات والكويت والسعودية والعراق والمعروف عنها اتباعها للتوجهات الأمريكية تماما، إلا أن انخفاض أسعار القمح الروسي ودخول مصر في استيراده فتح مجالا للخير كانت روسيا لا تحلم به أبدا ، ثم بدأت الدول الإفريقية في الدخول إلى الأسواق الروسية للقمح أيضا لأن مصر بلد قائد ومثال يحتذى به لعلم خبرائه وبالتالي كان ينبغي لروسيا أن تعترف بجميل مصر في الترويج للقمح الروسي وفتح الأسواق العربية والإفريقية له ومن دونها كانت مصر وجميع الدول العربية ستستمر في استيراد القمح الأمريكي والكندي والأسترالي وجميعها أعلى جودة من القمح الروسي، استيراد مصر للقمح من روسيا بمعدل ١١ مليون طن سنويا فقط من إجمالي استيرادنا وبسعر ٢٠٠ دولار للطن يعني أن مصر تدفع لروسيا ٢.٢ مليار دولار سنويا في استيراد القمح فقط. مصر تستورد أيضا الذرة الصفراء وزيوت الطعام من روسيا وأوكرانيا بشكل أساسي ووصلت وارداتنا العام الماضي من الذرة الصفراء إلى ٨.٥ مليون طن بالإضافة إلى وارداتنا من زيوت الصويا والعباد، بما يعني أن مصر تدفع لروسيا نحو ٢ مليار دولار أخرى على الأقل في استيراد الذرة بالإضافة إلى الأسماك المجمدة بما يعني أن حجم تجارة مصر مع روسيا يصل إلى ٥ مليارات دولار سنويا كواردات مصرية، وتخسر روسيا كثيرا لو فعلت مصر معها ما فعلته مع أمريكا من قبل بتنويع مصادر استيرادها من القمح والذرة الصفراء وزيوت الطعام والأسماك، كما أن هذا الأمر من المفترض أن يجعل لمصر وضعا خاصة لدى روسيا وسياستها الخارجية بأن نكون الأولى بالرعاية وبالحرص على هذه التجارة التي تميل تماما في صالح روسيا.

ولكن الأمر يسير عكس ذلك تماما، فعندما أصدرت مصر قرارا باستيراد القمح الخالي من الإرجوت في الصيف الماضي انتفضت روسيا ضد هذا القرار وأصدرت قرارا بإيقاف استيراد الخضروات والموالح من مصر والتي لا تزيد في جملتها على ٢٥٠ مليون دولار فقط مقابل استيراد مصر لسلع زراعية تقترب من ٥ مليارات، وكان ينبغي أن يكون رد فعل مصر قويا ومتمكنا، إلا أنه للأسف وخضوعا لضغوط المستوردين والمنتفعين من الإغراءات الروسية ورغبتها في إدخال فطر الإرجوت إلى مصر ليدمر زراعات القمح فيزيد استيراد مصر من القمح سواء من روسيا وأوكرانيا وغيرها، جعل وزير التموين السابق والذي دخل الوزارة اتباعا لسياسة العصا الغليظة وليس سياسة العلم والدراية بالتجارة العالمية وبورصاتها وتجارة الغذاء والدول المصدرة له والتنافسية العالمية في هذا المجال، فرفع مذكرة عاجلة لرئيس الوزراء استجاب لها وسمح بإدخال قمح الإرجوت إلى مصر للأسف الشديد تحت مظلة وهم تهديد باقي الدول بعدم بيع القمح إلى مصر إلا بالإرجوت وكأننا لم نستورد قمحا خاليا من الإرجوت طوال ٦٠ عاما ماضية.

ولكي أوضح حجم التنافس والغيرة العالمية على مصر وعلى أسواقها سأضرب بعض الأمثلة لعلها تفيد مسئولينا وتمنع تخبط ركبهم في بعضها البعض وتطرد الرعشة وقلة الثقة عند تعاملنا مع الدول الأخرى، فعندما عملت مستشارا لوزير التموين بهيئة السلع التموينية عام ٢٠٠٥ وبدأنا نستورد القمح الروسي كان يحضر إلي هيئة السلع التموينية المستشار الزراعي للسفارة الأمريكية في القاهرة مع كل صفقة قمح نعقدها مع روسيا للاحتجاج على استيراد مصر للقمح الروسي بدلا من الأمريكي مذكرا بأن أمريكا تدفع معونةكبيرة إلى مصر في كل المجالات، بينما روسيا لا تقدم أي شيء لمصر، وبالتالي فردا للجميل ينبغي لمصر أن تستورد القمح الأمريكي وليس الروسي.

هذا المثال ليس وحيدا بل إن ممثلي القمح البريطاني كانوا يأتون إلى مصر دوريا ويعقدون ندوات التعريف بالقمح البريطاني في أفخم الفنادق والمنتجعات متحملين تكاليف الإقامة للمشاركين وعارضين إنشاء صوامع مجانية في الموانئ المصرية مقابل أن تشتري مصر القمح البريطاني والذي لا يزيد على ٤- ٥ ملايين طن فقط سنويا فائض للتصدير. وبالمثل الممثل الأسترالي والأرجنتيني والكندي وجميعهم كان يؤلمهم ابتعاد مصر عن أسواق شراء القمح منهم. ثم وبعد كل هذا للأسف تخضع مصر لضغوط روسيا وتجارها في مصر وتتنازل وتسمح بدخول قمح الإرجوت، وتصمت تجاه الإجراءات الروسية المتعسفة تجاه مصر منذ حادثة طائرة السياح الروس فوق سيناء وقرار توقيف روسيا لرحلاتها إلى مصر وإيقاف سفر السياح الروس إلى مصر وكأن الإرهاب جديد على العالم ولم يحدث في إنجلترا وأمريكا وألمانيا بل وروسيا نفسها. فهل تناست روسيا حادث اقتحام الإرهابيين لبرلمان الشيشان منذ عشرين عاما واحتجاز أعضائه وقتلهم بعد اقتحام القوات الروسية للبرلمان؟! هل قطعت مصر والعالم علاقتها مع روسيا بسبب حادث إرهابي؟! ثم هل أوقفت مصر علاقتها مع فرنسا بعد حادث الطائرة المصرية التي أقلعت من مطار باريس وأسقطت في البحر ولم نتهم فرنسا بالتقصير ولا بضعف الإجراءات الأمنية في مطارات فرنسا لأن مصر لا تتلكك لفرنسا مثلما تتلكك روسيا لمصر. هل حادث لندن الإرهابي الأسبوع الماضي كان تقصيرا من الأمن البريطاني الشهير ومباحث أسكتولانديارد الشهيرة؟! وهل سبق وأن منعت الإجراءات الأمريكية المشددة خطف عدة طائرات مدنية واستخدامها في ضرب أبراج التجارة العالمية والبنتاجون في نيويورك في عام ٢٠٠١؟! وهل ستنتهي الأعمال الإرهابية في العالم بإيقاف روسيا لرحلاتها مع مصر وحظر السياحة الروسية إلينا!؟ نحن لا نتحدث عن السياحة الروسية ونحن نعلم أنها الأقل إنفاقا والباحثة دوما عن الأرخص في العالم وليس الأجود وأنهم يأتون إلى مصر لأنها الأرخص من أي مكان آخر وتتناسب مع سياحة الفقراء ومحدودي الدخل ولكننا نتحدث عن علاقتنا مع دولة نعتبرها صديقة بينما هي تتشدد معنا في كل شيء وتسيء إلى سمعة مطاراتنا وأمننا ولا تبدي اهتماما بالحفاظ على العلاقات التجارية معنا رغم أن الميزان في صالحهم تماما وأن بدائل روسيا في أوكرانيا وكازاخستان وأستراليا وأمريكا وكندا والأرجنتين ورومانيا وأيرلندا في القمح والذرة الصفراء وزيوت الطعام والأسماك متوافرة وتحلم بدخول مصر لأسواقها ومن خلفها الدول العربية والإفريقية وتخلصنا من التعنت والتعالي الروسي غير المبرر في تكرار إيقاف الاستيراد من مصر سياسيا، واشتراط مواصفات مذلة بإرسال مندوبي روسيا إلى مواقع زراعة الخضراوات والفاكهة في مصر خاصة البطاطس وموافقتهم على التصدير واستبعاد العديد من المناطق من التصدير إليهم بينما يرفضون تطبيق نفس السياسات معهم!!، فعندما طالبنا الاستيراد من الولايات الروسية الخالية من الإرجوت رفضوا وطبقوا معنا سياسة ما نعطيه لكم تأخذوه من دون نقاش وكأننا دولة بلا سيادة ولا قرار ولا أننا دولة رائدة عربيا وإفريقيا ويبدو أن الرئيس السادات كان محقا في نظرته إلى السياسات الروسية غير القويمة والمتغطرسة.

لقد تسامحت روسيا تماما مع تركيا في مقتل السفير الروسي في أنقره ولم تعتبر ذلك إرهابا ولا إهمالا لتركيا في حماية السفير الروسي ولا تقصيرا مخابراتيا في العلم بنيات المتشددين دينيا من روسيا بسبب موقفها الموالي للرئيس السوري والحرب ضد الجماعات المتشددة في سوريا وقالت إن علاقتها مع تركيا أكبر من اغتيال السفير!! بينما مصر لم تتبع الحظر الأمريكي الغربي على روسيا بل وعرضت على روسيا تصدير كل ما تحتاجه من البطاطس والموالح والخضراوات والفاكهة كبديل عن الصادرات الأوربية، بينما انصاعت لها تركيا ولكن روسيا لا تتذكر ذلك أبدا رغم مواقف تركيا ضد روسيا في الحرب السورية، ورغم الموقف المصري المشرف في منع سفر المتشددين المصريين لدعم الجماعات المحاربة للنظام في سوريا ولو سمحت مصر بذلك لكان الأمر قد حسم لصالح الجماعات الدينية منذ عامين على الأقل، ولكن روسيا لا تتذكر ذلك وتظن أنها تعاقب مصر بينما مصر تستطيع الرد بالمعاملة بالمثل ووقتها ستكون روسيا واقتصادها هي الخاسر الأكبر من السياسات الروسية غير البصيرة الحالية.

في العلاقات التجارية للغذاء ينبغي لمصر أن تقود وينبغي لروسيا أن تستمع وأن تراعي مصالح الشعب المصري كما نراعي في مصر ونعمل على مصالح الشعب الروسي وأن العلاقات غير المتكافئة قد ولت إلى غير رجعة، وإن لم تكن روسيا حريصة على علاقتها مع مصر فلن تكون مصر حريصة أكثر على علاقتها التجارية مع روسيا ولنكتفي بالعلاقات الدبلوماسية فقط.