رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رجال قهروا الأسطورة مهمة فى جبل الحلال قصة زلزال «الأبطال» الذى طهر الجبل من الإرهاب فى ١٦ يوم

5-4-2017 | 13:32


زيارة قام بها ويكتبها : أحمـــد أيــــوب

اسمع ما شئت عن جبل الحلال، اقرأ عنه ما تريد، لكنك أبدا لن تستطيع أن ترسم له صورة حقيقية، لن تستطيع أن تجسد بطولات صنعها رجال القوات المسلحة بطول هذا الجبل وعرضه ليطهروه من الإرهاب.

القصة ليست جبلا تصعد إليه، وإنما ساحة حرب صعبة التضاريس، لكن منذ متى كان هناك صعب على رجال الجيش المصرى، ومنذ متى عرفوا كلمة مستحيل، إنهم رجال قهروا المستحيل وحطموا الأساطير.

فى رحلة يوم واحد صعدت إلى الجبل الذى وصفوه لنا من أرادوا إرهابنا بأنه «أسطورة» ومرة أخرى بأنه «الأخطر» أو «القاتل».

كلمات وأوصاف لا أنكر أنها خلقت بداخلى رهبة من جبل لم أره، وترددت كثيرا في قبول دعوة إدارة الشئون المعنوية لصعود الجبل مع عدد من  الزملاء الصحفيين والإعلاميين..  تثاقلت الأقدام وهى تتحرك نحوه، اهتز القلب خوفا من غموض جبل كل ما سمعته أو قرأته عنه أن من صعده غير المجرمين والإرهابيين فمصيره محتوم.

كان ما يطمئننى ويثبت قلبى أننى أصعد الى الجبل الأصعب بصحبة رجال القوات المسلحة، رحلة امتدت لخمس ساعات تضاعف إرهاقها بسبب الخوف من الجبل الواقع فى وسط سيناء ورغبة الصعود اليه، وسط خوفى كان صوت بداخلى يسأل وكأنه يعنفنى، وما الفارق بينك وبين أبطال صعدوا إليه حاملين أكفانهم على أيديهم من أجل أمنك، كيف تخاف وأنت تصعد إلى جبل تم تطهيره من الإرهاب، ولم يخَف من صعدوا إليه وهم على يقين من الشهادة.

لكن كل هذه الأصوات وإن ثبتت قلبى إلا أنها لم تخفف وطأة الجبل ولم تقلل من حزنى على أرض سيناء الطاهرة ومساحاتها المترامية والتى سرنا فيها لأكثر من أربع ساعات وحال رمالها وكأنها تبكى من أهملوها لعقود، وتلعن من فرطوا فى تعميرها واستثمارها حتى أصبحت مطمعا لمن يريدون الخراب لمصر.

كانت المشاهد السيناوية على جانبى الطريق تحرك الدموع الساكنة حزنا، لكن وسط الحزن تفاجئنى شبكة الطرق الضخمة التى شقتها أيدى رجال القوات المسلحة فى قلب سيناء تخترقها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا كى تنبت العمران وتخلق الحياة على أراضيها فترتسم البسمة على وجهى وأنا أردد بصوت عالٍ» الله عليكى يا مصر وعلى أولادك وجنودك» .

أربع ساعات من السير على جسور التنمية التى شيدتها القوات المسلحة التى لم تكتفِ بدورها الوطنى فى محاربة الإرهاب وتأمين أرض سيناء وإنما حملت على عاتقها أيضا مهمة إنقاذها وتعميرها .

كانت بداية الرحلة بنفق الشهيد أحمد حمدى، بوابة سيناء من الغرب والذى أصبح على أعلى مستوى من القدرات التأمينية، لا تمر منه شاردة ولا واردة، فالنفق مزود بأحدث الأجهزة التفتيشية عن كل أنواع المحظورات والممنوعات، بل حتى من يمرون بالنفق يتم فحص تاريخهم وسجلهم الجنائى دون أى معوقات.

على الطريق داخل سيناء وبعد الخروج من النفق تعددت نقاط التفتيش الأمنية حيث تظهر فيها وجوه المحاربين، سمرة الشمس بادية عليهم لكنها تلمع ببريق الذهب الذى يختلط عليك أمره، إن كان هو معدن هؤلاء الرجال الأشداء، أم رمال أرض سيناء الطاهرة العامرة بالخيرات،

طوال الرحلة كانت نقاط التفتيش تتوالى على مسافات ليست بالطويلة، لكن الأهم هى روح من يتولون مهمة هذه النقاط، فالابتسامة لا تغادرهم والتواضع ظاهر على ملامحهم، لا يشعرونك بما يحملونه من هم ومشقة، أو ما يقع على كاهلهم من ثقل المهمة، لأن الأهم عندهم كما قال لى أحدهم ، هو سلامة كل مواطن مصرى، فالقضية عنده ليست غدر الإرهاب ولا ندالته ولا قنابله أو عبواته الناسفة، وانما كيف يحمى مصر وشعبها، لا يطلبون جزاء من أحد  ولا شكورا، ويكفيهم فخرا أنهم « خير أجناد الأرض».

حالة نقاط التفتيش والشاحنات والسيارات التى تزايد عددها على طرق سيناء جعلتنى أشعر بأن سيناء ستعود وستنفض عن أرضها خبث الإرهاب وسريعا جدا.

اقترب الجبل

بعد نحو ثلاث ساعات من السير على الطرق الممهدة وبين القرى والمدن السيناوية ظهر جبل الحلال يطل علينا من بعيد بارتفاعه الذى يتجاوز فى بعض مناطقه الألف متر.

دقيقة بعد الأخرى نقترب من الجبل ويرتفع سفحه وتدخل الرهبة القلوب وأنا أسمع من يقول من الزملاء إنه مملوء بالمغارات، وآخر يشرح بعض تضاريسه كما علمها ويقول إنه «وعر».

ووسط كل هذا أتذكر ما قرأته عن هذا الجبل وأنه كتلة ضخمة من الصخور الصماء والحجارة المتقاطعة والسفوح المنحدرة التى لا تصلح للحياة، فضلا عن طرقه العمودية شديدة الانحدار والتى أحيانا تؤدى الى انقلاب أى سيارة تحاول الصعود إليه.

انتهت الحيرة والقلق عندما وصلنا إلى مدخل الجبل، فانتقلنا إلى عربات مدرعة لنبدأ رحلة الصعود،

سألت أحد رجال الشئون المعنوية الذين بذلوا جهدا غير عادي خلال الرحلة.. ما هو السبب فى استخدام المدرعة لصعود الجبل، فأكد لى إنه ليس تأمينا، فالجبل أصبح تحت السيطرة الكاملة، وانما استخدمت المدرعات بسبب وعورة الطريق إلى الجبل والذى لا تصلح معه فعلا سيارات عادية، بل يتطلب سيارات مجهزة لديها إمكانيات خاصة وإطارات عريضة.

بعد نحو ثلث الساعة من الصعود عبر مسارب الجبل ووديانه  الضيقة وصلنا إلى « قلب جبل الحلال»

فى عمق يزيد على خمسة كيلومترات داخل الجبل الذى يمتد عمقه لنحو ٢٠ كيلو مترا، كان المشهد مخيفا بحق، فالجبل كما سمعنا عنه فعلا لا يصلح للحياة، ولا يسكنه إلا المطاريد والمجرمون، أرضه صعبة حتى على السير بالأقدام، صخورة قاسية جارحة، طرقه مخنوقة بين تباب وكثبان وحجارة، لكن رجال القوات المسلحة اقتحموا الجبل ووصلوا إلى كل نقطة فيه ونفذوا عملية « تمشيط» كاملة له، لم تمنعهم وعورته من أن يجوبوا الجبل على الأقدام بحثا عن الجرذان الهاربة،

رأيت أبطال ومقاتلى الجيش واقفين فى شموخ أعلى النقاط المرتفعة يعلنون أنهم لن يتركوا شبرا من أرض مصر لمن يريدون لها الشر، على « مدد الشوف» كان رجال الجيش موجودين ومسيطرين فى مشهد غيّر مشاعرى من الرهبة إلى القوة، ومن الخوف الى الاطمئنان، ومن الشك إلى الفخر بأننى أقف بين من اختصهم رب العالمين بأنهم فعلا «خير أجناد الأرض».

طهرنا الجبل، هكذا قال لى أحد أبطال عملية اقتحام جبل الحلال من قوات إنفاذ القانون بالجيش الثالث الميدانى، قالها وكأنه يفى بالوعد، فهو مثل كل من قابلته غيره من أبطال القوات المسلحة يؤكدون أن تطهير جبل الحلال كان وعدا أوفوا به، مثلما أوفوا بكل ما عاهدوا به الشعب، والبقية ستأتى فلن يكون هناك شبر فى أرض سيناء أو جبالها إلا وخاضع لرجال الجيش، ومثلما أصبح ٩٠ بالمائة على الأقل من جبال سيناء طاهرة من الإرهاب فلن يهدأ لهم بال إلا بعد أن يكملوا المهمة ويعلنوا سيناء وجبالها خالية من الإرهاب.

وكما أكد لى العقيد  قائد إحدى مجموعات الاقتحام فليس  جبل الحلال وحده الذى تم تطهيره، فهناك جبال سبقته فى هذا الإنجاز العسكرى مثل جبال « الخرم، والشريف، والتيه، والعليقات» وما زالت البقية تأتى حتى لا يجد إرهابى واحد مأوى له.

خطة الاقتحام

قصة الاقتحام والتطهير كاملة يرويها منذ البداية  اللواء أركان حرب محمد رأفت قائد الجيش الثالث الميدانى الذى يؤكد أن رجال الجيش فى سيناء معنوياتهم فى السماء لأنهم يشعرون أن الشعب المصرى كله يقف خلفهم، وأن كل بيت فى مصر يعرف ما يقدمونه من تضحيات وأعمال بطولية من أجل مصر.

اللواء رأفت يعتبر قصة اقتحام جبل الحلال والسيطرة عليه نموذجا للعمل العسكرى المحترف، لا يقدر عليها سوى جيش رجاله لديهم عقيدة وإيمان بالمهمة التى ينفذونها وصمود ضد كل الظروف الصعبة التى يعملون فيها.

البداية فى اقتحام الجبل كما شرحها اللواء رأفت كانت بتكليف من القيادة العامة للقوات المسلحة بتطهير جبل الحلال، وكعادة القوات المسلحة لم يستغرق التكليف وقتا حتى تحول إلى خطة وأعدت القوات عدتها للتنفيذ على ثلاث مراحل، لكل واحدة منها هدف وخطوات، تنتهى كلها إلى السيطرة الكاملة على الجبل.

المرحلة الأولى من الخطة  كانت الإعداد الذى اعتمد على جمع أكبر قدر من المعلومات عن الجبل ووعورته ودروبه ومسالكه، ضربت كل الأجهزة الأمنية والمعلوماتية المثل فى التعاون من أجل توفير المعلومات اللازمة لوضع الخطة الحاسمة، وأبلى أهل سيناء الوطنيون الشرفاء بلاء حسنا وساهموا بجهد كبير فى دعم القوات بالمعلومات التى كانت كاشفة للجبل ومن فيه والبؤر الأخطر بداخله وأماكن الوديان.

ولأنه جيش مصر؛ فلا يقبل العشوائية ولا يترك الأمر للمفاجآت، فقد وضعت للمرحلة الثانية من  تطهير الجبل سيناريوهات مختلفة للتعامل، حتى تمتلك القوات زمام المفاجأة قبل العناصر الإرهابية.

.. وبدون مبالغة يمكن التأكيد على أن هذا الأسلوب يكشف إلى أى مدى وصلت كفاءة رجال جيش مصر  وكيف يستطيعون إتمام المهمة وبأقل تكلفة أو خسائر .. فقد بدأت المهمة الصعبة بخطوات محسوبة، يسودها الهدوء كانت البداية بالحصار، الذى وصفه اللواء رأفت بأنه كان حديديا على الجبل من مسافة ثمانية كيلو مترات، انتشرت القوات حوله وجعلته تحت أعينها، لا يدخله أحد ولا يخرج منه إلا وكان فى قبضتهم، رويدا رويدا كانت القوات تقترب من الجبل، اقتراب خفى مفاجئ حتى تحول الحصار إلى كماشة أمنية من كل الاتجاهات، فكان كالصدمة التى أربكت حسابات العناصر التكفيرية الذين فقدوا أعصابهم أو السيطرة على قراراتهم.

الاستنزاف الذكى

ستة أيام من الحصار المحكم سقط خلاله فى يد القوات نحو ٢٠ إرهابيا أرادوا الهروب أثناء الليل توهموا أن رجال الجيش يعملون نهارا فقط وينامون ليلا لكنهم  فوجئوا بالواقع، وصدموا بأن رجال جيش مصر لا ينامون ولا يعرفون الراحة .. سقط الإرهابيون في قبضة الأبطال وأصبح الجبل تحت أقدام رجال الجيش، وكما كشف قائد مجموعات الاقتحام فقد كانت كمائن الحصار تفسح الطريق عمدا لأحد العناصر الإرهابية للإفلات منها، ليضع يده على بؤر أخرى خارج الجبل وبعد ذلك يتم القبض عليه هو ومن دل عليهم دون أن يدرى

فى اليوم السابع للحصار بدأت مرحلة جديدة، الاستنزاف الذكى لقدرات الإرهابيين، مناوشات متقطعة بالذخيرة نفذها أبطال الجيش الثالث باحترافية أجبرت العناصر الإرهابية على الرد حتى اكتشفوا أن أغلب ما لديهم من ذخيرة خزنوها فى الجبل توشك على النفاد، بل ولم تعد لديهم وسائل معيشة من طعام أو شراب، ففقدوا صوابهم وانفلتت أعصابهم فأقدموا على تصرفات متهورة عجلت بسقوطهم.

يقول أحد أبطال العملية، سمعنا بعض القيادات الإرهابية وهم يصرخون فى عناصرهم غضبا من المفاجأة التى حققها رجال الجيش، بل ورصدنا حالة الهلع التى سيطرت عليهم لدرجة أن قائد المجموعة الإرهابية يطالبهم بأن يتركوا مصاب «للى خالقه» وكل من يعرف طريقا للهرب يسارع بالهرب».

فى هذه اللحظة وكما يقول أحد المقاتلين،  تأكدنا أن الروح المعنوية للعناصر الإرهابية انهارت، فكان قرار الاقتحام والمداهمة، وكانت التعليمات أن التعامل على قدر الحاجة، والالتزام بعقيدة الجيش المصرى أن من لا يرفع السلاح يتم القبض عليه ولا يتم التعامل إلا مع من يقرر العناد والتعامل بالذخيرة فى مواجهة القوات.

تسع مجموعات قتالية اقتحمت الجبل من كل الاتجاهات، لتقوم بمسح شامل له، كل مجموعة فى القطاع الذى خصص لها فى الخطة.

فى يوم الاقتحام كان الطقس سيئا إلى درجة لا يتحملها أحد، ودرجة الحرارة فوق الجبل تحت الصفر، لكن رجال القوات المسلحة أشعلوها بحماسهم وهزموا  الطقس السيئ بأداء راقٍ وقدرة على التحكم وكفاءة فى تحقيق الهدف.

أثناء الاقتحام أدركت العناصر التكفيرية المتبقية أنه لا مفر من الموت أو السقوط فى قبضة القوات، فحاولوا تفخيخ الدراجات البخارية ووضع العبوات الناسفة فى الطريق، لكن الجيش كان مدركا للأمر ومستعدا له ومارس رجال المهندسين العسكريين دورهم البطولى ونجحوا فى تفكيك كل العبوات والدراجات المفخخة ليؤمنوا طريق القوات.

كهوف ومخابئ

ساعة بعد الأخرى وأسرار الجبل تتكشف واحدة تلو الأخرى وخباياه ترفع عنها ستائر الغدر لتعترف أمام قواتنا بما فى بطنها من ثعابين وخفافيش الظلام، فيظهر نحو ٢٤ كهفا وثمانى مغارات أمام القوات كانت العناصر الإرهابية تستخدمها كمخابئ وملاذات آمنة من الهجوم عليها وتخزين الأسلحة.

وبعدها تكتشف القوات ما لم يكن يخطر لأحد ببال، «هرابات» سرية حفرها الإرهابيون فى قلب الجبل يفرون إليها تحت الحصار، لكن إذا كانت الهرابات يصنعها الجرذان، فالأسود كانوا لها بالمرصاد.

سقط من الإرهابيين ١٨ عنصرا أرادوا مهاجمة القوات فتمت تصفيتهم وبلغ عدد من تم القبض عليهم ٣٢ آخرين،

وما إن سيطرت القوات على الجبل واستسلمت لهم حتى صخوره العنيدة بعد ستة عشر يوما من الحصار والمداهمة بدأت مهمة التمشيط النهائية والتى فرضت خلالها القوات سيطرتها كاملة وأحصت كل ما تركه الإرهابيون من أسلحة ومعدات، فكانت النتيجة ٢٩ دراجة بخارية فخخوها؛ لكن أبطال المهندسين العسكريين أبطلوا مفعولها، ومعها أعداد كبيرة من السيارات اللاندكروزر والجيب التى كانوا يدخرونها فى قلب الجبل كرصيد احتفظوا به مع قطع غيارها حتى يضمنوا الاستمرار فى تنفيذ عملياتهم بشكل مستمر.

الأخطر كما يقول «مساعد أول» أحد أبطال اقتحام الجبل.. هو ما ضبطته القوات من كميات ضخمة من المواد المستخدمة فى صناعة المتفجرات، والذخائر والرشاشات والبنادق الآلية التى كان الإرهابيون يستخدمونها فى مهاجمة القوات، وميدان رماية متكامل لتدريب العناصر التكفيرية على القنص والاستهداف للقوات، بل وأشكال ونماذج للأكمنة ونقاط التفتيش ليتدربوا على اقتحامها، 

وكذلك الوثائق التى تكشف تواصل الإرهابيين مع بعضهم وتفضح كثيرا من أسرارهم.

لكن العجيب الذى ضبطته القوات أن من يدعون الدفاع عن الدين ويتحدثون باسمه زورا وبهتانا حولوا جبل الحلال إلى تجارة الحرام من أجل أهدافهم الحقيرة، كانوا يحتفظون بأطنان من المواد المخدرة بل ويزرعون مساحات أعلى سفح الجبل بالمخدرات للاتجار فيها،

بعزيمة الرجال وقدراتهم القتالية سقط الجبل بمن فيه تحت بيادة رجال القوات المسلحة، انهار مستسلما مقرا بذنبه أنه أوى. وما كان يحب ، خوارج هذا العصر، معترفا بخطئه عندما فتح مغاراته لمن يدنسون الأرض المقدسة بجرائمهم التى تخالف الدين وتتنافى مع الإنسانية.

سقط الجبل، وارتقى رجال القوات المسلحة سفحه معلنين أن مصر لن تسقط وشعبها لن يروع وجيشها لن يستسلم لأنه منحة الله وخير أجناده.

أحد قيادات قوات إنفاذ القانون المشاركين فى الاقتحام، يرفض لقب القائد ويطالبنى بأن أناديه بالمقاتل، وعندما أسأله لماذا فيرد مبتسما، لأن حلم الشهادة عندنا فى القوات المسلحة أولى وأهم من حلم القيادة.

قائد أحد المجموعات المكلفة بالاقتحام  يصف الإرهابيين بأنهم جبناء ويقسم أن هذا ليس تجنيا عليهم وإنما شهادة من الميدان، فالمقاتل الحق كما نعرفه لا يهرب ولا يتخفى فى النساء والأطفال، وهذا ما يفعله جبنا الإرهاب الذين لا يجيدون إلا زرع العبوات الناسفة واستهداف الكمائن،

يكشف القائد أن العملية نجحت وانهار الجبل لأن جنود مصر ومقاتليها لا يعرفون غير النجاح أو الشهادة، لم يخِفنا أن الجبل كان ملغما بالعبوات الناسفة، لم يقلقنا أن الإرهابيين يعرفون دروب الجبل ومسالكه ويسيطرون عليها، لم يرهبنا ما لديهم من دعم وأسلحة، فلسنا طامعين فى شيء، ولا نعشق الحياة بقدر ما نعشق تراب بلدنا، لا فارق بيننا كضباط وجنود، فكلنا مقاتلون فى سبيل الوطن، طالبين الشهادة فداء اسمه، ولهذا فمن نالوا الشهادة بينهم قادة كتائب وليس فقط جنودا، وكل شهيد أو بطل وراءه  قصة لا ينساها زملاؤهم من  الأبطال.

الرابصون على الجبل بعيون لا تغفل .. يؤكدون أن  قصصهم فى الاقتحام نموذج فى التضحية سوف تتوارثها الأجيال وترويها كتب التاريخ.

يروى المقاتلون بفخر قصة زميلهم الذى بترت أصابعه الأربعة ولكنه رفض إخلاء موقعه حتى يتم مهمته، كما يتباهون بمجند آخر ظل يتعامل مع الإرهابيين بجسارة وقوة لأكثر من ثلث الساعة وفجأة سقط السلاح من يده ليكتشف أنه مصاب منذ فترة بطلقتين فى يده، لكن إصراره على القتال وتفانيه فى الدفاع عن الأرض أنساه الألم.

أبويا مات

يروى عميد مقاتل أحد قيادات قوات إنفاذ القانون بالجيش الثالث الميدانى قصة أخرى لمجند أصيب ونقل إلى المستشفى وفى أول كلمة بعد أن استعاد وعيه يسأل المحيطين به، هو أبويا مات؟، ظن الجميع أنه يقصد والده لكنه كان يقصد قائده فى الكتيبة الذى يراه كوالده.

كلها قصص احتضنها جبل الحلال لتروى فوق رماله وبين صخوره كيف هى روح القتال بين أبناء مصر، كيف أن جيش مصر وطنى لا يباع ولا يشترى ولا يخون،

فوق الجبل سألت أحد ضباط الجيش الثالث، منذ متى لم ترى أسرتك، فكان رده.. أى أسرة تريد، أسرتى فى الكتيبة معى كل لحظة، أما عائلتى فهم أكثر من يعلم أن بلدى فى حاجة لى.

سألته .. ومتى تطلب أن تحصل على إجازتك، فأجاب بحسم، عيب أطلب إجازة واحنا فى سيناء، الأهم أن أطمئن على أبنائى الجنود وأن يكونوا جاهزين تدريبيا ومعنويا، فالجندى المصرى الوحيد فى العالم الذى يستطيع أن يستخدم كل الأسلحة من الآلى وحتى القناصة والـ» أر بى جى» هكذا أكد لى أحد قادة المجموعات القتالية ليشرح كيف يحطم المقاتل المصرى كل العقبات فخبراتهم المتراكمة جعلتهم أسوداً على الأرض، يهابهم الجميع ويعملون لهم ألف حساب.

ربما يكون التفسير الأوضح لهذه الروح التى يتحدث عنها المقاتل هو ما قاله اللواء محسن عبد النبى مدير إدارة الشئون المعنوية الذى أصر أن يرافقنا مع  رجال  الإدارة فيؤكد أن ما يفرق الجيش المصرى عن كل الجيوش أننا لنا عقيدة واحدة وهدف واحد هو الدفاع عن شعب مصر وأرضها، ولهذا فأعداد ليست بقليلة من الضباط الذين تنتهى فترة عملهم بسيناء يرفضون المغادرة ويصرون على البقاء واستكمال المهمة. وبنفس المنطق يكشف اللواء محمد رأفت  قائد الجيش الثالث سر الروح المعنوية لمقاتلى القوات المسلحة، فعندما يجد الجندى والضابط قادته معه فى الميدان يسبقونه فى أداء المهمة والقائد العام ورئيس الأركان يتابعونه لحظة بلحظة ويطمئنون عليه صباحا ومساء ومنتصف الليل ويشدون من أزرهم، ويسمعون صوتهم عبر الأجهزة وهم يتحدثون للجنود مثل الضباط، ثم يسمعون رسالة القائد الأعلى رئيس الجمهورية لهم وإشادته بتضحياتهم، فهذا كله يجعلهم يشعرون بأن الجميع معهم يرفع معنوياتهم ويزيدهم إصرارا على إتمام المهمة،

هذا كما يقول اللواء رأفت حدث مع مقاتلى القوات المسلحة أثناء مهمة اقتحام الجبل وتطهيره، فالجندى المصرى بمائة مقاتل آخر، لكن كلمة السر فى تفوقه هى روحه المعنوية التى تحافظ عليها القيادة العامة،

يقول أحد قادة مجموعات الاقتحام الروح المعنوية نأخذها من الشعب ومساندته، ومن القيادة ورعايتها لنا، ومن شهدائنا ومصابينا، فقد نبكى الشهيد لكن مع بكاء الفراق نزيد إصرارا على الثأر له، ونحن نقتحم الجبل لم نكن نفكر من سيتقدم ومن سينال الشهادة، لكن همنا الأول كان كيف سنحقق المهمة ونعطى التمام بأن الجبل تحت السيطرة، ومن أجل هذا الهدف كان كل مقاتل مستعدا لأن يضحى بعمره، فنحن جيش جاهز أن يقدم روحه كل يوم كى تستمر مصر، ولهذا لم يكن غريبا ونحن نختار المقاتلين الذين سينفذون المهمة أن نجد الجميع يتبارون فى الفوز بالاختيار، ونجد أيضا حالة من الحزن الشديد تنتاب من لم يتم اختيارهم، لأننا لا نحارب من أجل مكسب أو مقابل نحصل عليه، وانما نقاتل بعقيدة لندافع عن عرض وشرف هو مصر وأرضها.