بقلم – محمود الحضرى
الدبلوماسية المصرية فى هذه الأيام تلعب دوراً مهما فيما يمكن تسميته بترميم العلاقات مع حلفاء استراتيجيين، خصوصا مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، فالأمريكان حليف استراتيجى لمصر منذ سنوات، والذى ترسخ مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى عهد الرئيس السابق محمد أنو السادات، وظلت تراوح نفسها طيلة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ثم شهدت حركة مد وجزر عقب ثورة ٢٥ يناير، مع دخول الإخوان على الخط، ثم خروجهم عقب ٣٠ يونيه، وما تلاها من تحوّلات دراماتيكية.
أما مع السعودية فقد ظلت العلاقات لسنوات عادية بالرغم من حالة الجمود التى شهدها الدور المصرى العربى طيلة سنوات حكم مبارك، إلا أن التطورات المتلاحقة بعد ٢٥ يناير، وما تلاها من متغييرات، اتسمت بحالة عدم وضوح فى بعض الرؤى المشتركة، بما فيها الموقف من الإرهاب والأولويات، حتى جاءت زيارة الملك سلمان إلى مصر، لتفتح صفحة جديدة، إلا أن المتغيرات السريعة، خصوصا مع بروز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والجدل حول قضية تيران وصنافير وضع العلاقت على المحك.
فى ظل هذه الأجواء جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للولايات المتحدة، ولقاء القمة مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب فى أول زيارة لرئيس مصرى منذ العام ٢٠٠٤، أى منذ الرئيس الأمريكى «بوش» الابن، فخلال أكثر من ١٢ عاماً، شهدت المنطقة العديد من التطورات المتلاحقة، وغاب العديد من القادة الإقليميين، إما بتغييب ثورى، أو بالرحيل الجثمانى، كما مرت سنوات حكم الرئيس الأمريكى أوباما دون أى تفعيل لخطاباته المتكررة، فيما سادت الضبابية العلاقات المشتركة منذ ثورة يناير.
ورغم ذلك بقيت مصر هى حجر الزاوية فى مختلف قضايا المنطقة، وأنها رمانة الميزان لحل أزمات وقضايا المنطقة، واستقرارها هو استقرار لأمن وسلام الشرق الأوسط، كما لا يمكن النفاذ إلى المنطقة إلا عبر مصر، وبرؤيتها.
وفى ضوء ما جرى، ومع بقاء القضية الفلسطينية على أولويات الملفات المصرية المفتوحة مع الجانب الأمريكي، جاءت الزيارة والقمة لترمم علاقات شابها الكثير من اللغط الإعلامى والرسمى، ولتفتح مجالات أوسع لنقاش مفتوح ولشهور حول العديد من القضايا الشائكة، على رأسها آلية عودة مناورات «النجم الساطع» التى توقفت على مدى سنوات حكم الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»، وفى إطار تطمينات مشتركة على العلاقات الإستراتيجية المصرية الأمريكية، وأن المناورات مع دول أخرى، ليست بديلا للعلاقات بين البلدين، فيما سيصبح الدعم الأمريكى لمصر فى حربها ضد الإرهاب أمرا تفرضه الضرورة للبلدين.
وسيظل ملف العلاقات بشأن التعاون فى المجال العسكرى مهما للغاية، بما فى ذلك ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والذى يتطلب نوعاً من تعزيز مفاهيم المعونة الأمريكية لمصر، والتى ترى مصر فيها حالياَ أمراً ضرورياً لتلبية متطلبات وسائل مكافحة الإرهاب ودرء مخاطره، خصوصا فى سيناء وما تمثله من مكانة استراتيجية ليس لمصر فقط بل لدول أخرى، تقع فى نطاق الاهتمامات الأمريكية.
ولاشك أن فتح ملف منطقة التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة، سيظل من أهم الملفات التى بحاجة إلى تفاهمات أوسع، من خلال تفعيل توقيع اتفاقية التجارة والاستثمار «تيفا» ووضع حد لملف طال انتظاره لسنوات، وصل لنحو عقد من الزمان، بعدما توقفت لسنوات، فى وقت تم إنجاز هذا الملف من جانب واشنطن مع دول أخرى، وهو ما لم يطل مصر، فى وقت يمثل باباً لحركة تعاون اقتصادية وتجارية للقاهرة فى ظل خطط الحكومة الرامية إلى تعزيز استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات من خلال الشركات الأمريكية الكبرى، وتنمية الصادرات.
وسيظل السؤال المطروح دائماً، هل ستظل العلاقات المشتركة بين مصر وأمريكا بحاجة إلى ترميم مستمر بين الفترات الرئاسية للقائم على أمور البيت الأبيض فى واشنطن، أم أن هناك ثوابت تجرى على أساسها بناء العلاقات المشتركة يتم الاتفاق عليها فى الغرف المغلقة، دون ضجيج إعلامى؟!
وبالعودة للملف السعودى، فلاشك أن القمة المرتقبة خلال أبريل الجارى بين الرئيس السيسى والعاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تمثل مرحلة ترميم أخرى للعلاقات بين القاهرة والرياض، والتى شابها الكثير من الجدل على مدى عدة أشهر، ليأتى لقاء «السيسي- سلمان» فى البحر الميت بالأردن ليؤشر على مرحلة تحجيم للهوة التى شهدتها العلاقات بين البلدين.
وقبيل لقاء البحر الميت، بدت فى الأفق بادرة مهمة فى العلاقات المشتركة، من خلال عودة شركة أرامكو السعودية لضخ السولار والاحتياجات البترولية الخاصة لمصر، وهو ما اعتبره متابعون تطورا فى استعادة دفء العلاقات فى نهاية شهور الشتاء، فى بادرة ومحاولة لتخطى أزمات متراكمة فى أعقاب الخلاف القانونى الدائر بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وما يخص جزيرتى تيران وصنافير.
اللقاء الذى جرى فى البحر الميت بين السيسى وسلمان، لم يأت عفويا، فوفقاً لمصادر مطلعة فقد سبقه اتصالات على مستويات دبلوماسية مختلفة، ولقاءات على شكل شبه وساطة من أطراف خليجية، لاستعادة الوئام الذى تجلى فى زيارة الملك سلمان لمصر فى أبريل ٢٠١٦، أى قبل نحو عام من الآن، والتى شهدت التوقيع على ١٧ اتفاقية ومن بينها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، بخلاف ٢١ اتفاقية ومذكرة تفاهم استثمارية فى عدد من المجالات، وبدى هناك اتفاق على أن يكون الفصل فى قضية تيران وصنافير متروكاً للتكييف القانونى والتشريعى فى نهاية المطاف.
ورغم حالة الجمود فى العلاقات التى شهدتها الرياض والقاهرة فى الشهور الماضية، إلا أن لغة الحوار بدت أكثر مرونة، خصوصا أنه وعلى مدى عام كامل لم يصدر أى تصريح رسمى من كلا البلدين يسئ للعلاقات بينهما، وظل الجدل عبر وسائل الإعلام، أو من خبراء ومحللين، وربما فى بعضه من مسئولين سابقين، وهو ما يؤكد الحرص على توثيق أواصر الإخوة والتكاتف بين البلدين.
ولاشك أن تصريحات كل من وزيرى خارجية البلدين، على هامش قمة البحر الميت، تؤشر وبقوة على أن العلاقة بين مصر والسعودية لها جذور عميقة، وهناك روابط أسرية وتجارية وسياسية، إلى جانب العمل المشترك فى الدفاع عن القضايا العربية، - وفقا لما قاله عادل الجبير وزير الخارجية السعودى -، مع تأكيد الخارجية المصرية على أن الوزيرين المصرى والسعودى اتفقا على عقد جولة مشاورات سياسية فى القاهرة قريباً لتناول مسار العلاقات الثنائية وكافة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والإعداد للزيارتين القادمتين للرئيس السيسى إلى المملكة وللملك سلمان إلى مصر، والتى تم الاتفاق عليهما خلال لقاء قيادتى البلدين على هامش قمة البحر الميت.
مؤشرات ترميم العلاقات ظهرت بقوة من خلال تأكيد الجبير على عمق ومتانة العلاقات التاريخية بين البلدين فى جميع المجالات، وتطابق الرؤى فى جميع المجالات، بما فيها الأزمات التى تواجهها المنطقة ومخاوف الخطر الإيرانى، ودعم الشرعية فى اليمن، مع التعاون على إيجاد حل سياسى للأزمة فى سوريا.
الترجمة الحقيقية ستبقى رهن ما سيتم من تسريع الحراك السعودى المصرى لتنفيذ الاتفاقيات التى وقعها البلدان خلال زيارة الملك سلمان لمصر، مع العمل القائم على تطبيقها، لتخرج إلى حيز التنفيذ.