رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أطفال السرطان.. وجع القلوب

6-4-2017 | 13:05


تحقيق : إيمان النجار

 

فى غرف متقابلة ومتجاورة يرقد أطفال السرطان بصحبة إما أمهاتهم أو آبائهم تبدو على وجوههم سمات القلق والخوف على فلذات أكبادهم، هم فقط يحمدون الله على ابتلائه ويدعون لأولادهم بالشفاء، وبنهاية الطرقات مكتبة ومجموعة ألعاب للترفيه عن الأطفال

خمسة عشر يومًا فقط مضت على معرفة عزت محمد البالغ من العمر ١٦ سنة إصابته بـ«سرطان الدم»، وكشف شقيق والدته أنه عندما حضر من الفيوم توجه لقصر العينى الفرنساوي، ولكنه عرف أن العلاج مكلف جدا، والعائلة لا تمتلك المقدرة على تحملها، الأمر الذى دفعه لإحضار «محمد» إلى معهد الأورام ليبدأ رحلة العلاج.

يس محمود.. لم يدخل عامه الخامس بعد.. يتكئ على سريره ممسكا بتليفون محمول يتحدث مع والده تارة ويبتسم وتارة أخرى يتحدث معه، قالت والدته إنه كان يعانى منذ ثلاث سنوات من تورم فى أصبعه وترددت به على الأطباء وأجرى له عملية كحت لهذا التورم وفجأة تغير شكل الإصبع والتورم وحضرت من المنوفية إلى المعهد لتكتشف إصابة وليدها بسرطان فى العظم، ليبدأ رحلة علاجه منذ شهرين.

فى الغرفة المقابلة يرقد أحمد صدقى، البالغ من العمر ثمانى سنوات، جاء من الشرقية ليبدأ رحلة علاجه من سرطان الغدد الليمفاوية منذ أربعة أشهر، وحسب قول والده كان يشكو من مغص مستمر وأجرى له تحاليل وأشعة كثيرة إلى أن نصحه الأطباء بالتوجه لمعهد الأورام وعرف، ويأتى بصفة مستمرة لتلقى الجرعات ثم يخرج ويعاود حسب المواعيد المحددة له

بجانب هذه النماذج التقينا نموذجا مشرقا لطفل أنهى رحلة علاجه وتم شفاؤه، وسط العيادات الخارجية وقف محمود طه، البالغ من العمر ١٥ سنة، منتظرا دوره فى المتابعة بعد الشفاء، وقالت والدته: «محمود بدأ العلاج فى عام ٢٠١٢ من سرطان فى عظم الكتف وتلقى العلاج لمدة استمرت عامًا ونصف العام، وأنعم الله عليه بالشفاء، وخلال فترة العلاج كنا قلقين جدا، وكنت أخاف عليه من أى مجهود ومن شقاوة الأولاد معه لدرجة أننى لم أجعله يكمل تعليمه، فكان وقتها فى الصف الخامس الابتدائى، وكان يتغيب باستمرار لتلقى العلاج، وظللت أتردد على المعهد للحصول على العلاج إلى أنهى الفترة تلك، ثم بدأنا فى التردد للمتابعة كل شهر ثم كل ثلاثة أشهر، وهذه المرة سنحضر بعد ستة أشهر وكنا نتلقى العلاج وتجرى له الأشعة والتحاليل المطلوبة دون أن نتحمل أية مصاريف».

محمود تداخل فى حديث والدته، وأكمل عليه بقوله: «كنت قلق، ولم أخبر زملائى بمرضى حتى لا يبتعدوا عنى ويظلوا يتعاملون معي، و كبرت على أن أعود للمدرسة مرة أخرى!»، محمود رفض التصوير حتى لا يرى أصدقاؤه فى منطقته بالقاهرة صورته ويعرفوا بمرضه.

من جهته قال د. عماد عبيد، أستاذ طب أورام الأطفال وأمراض الدم بجامعة القاهرة، رئيس قسم الأطفال بالمعهد القومى للأورام: يستقبل المعهد من ٥ إلى ١٥ حالة جديدة يوميًا، وما بين ١٥٠ إلى ٢٠٠ حالة مترددين بإجمالى نحو ٢٥٠٠ حالة جديدة لسرطان الأطفال سنويا، وما بين ٤٠ ألفا إلى ٤٥ ألف متردد سنويا، وبالنسبة للأطفال فطاقة المعهد نحو ١١٠ أسرة منها ٧ أسرة رعاية مركزة للأطفال ودائما تكون «كامل العدد» أيضا يوجد نحو ٦ أسرة و١٨ كرسى فى الطوارئ فى حالات الأطفال من مرضى المعهد فكل مريض بالمعهد له ملف، وقد يتعرضون لمضاعفات فى أى وقت ويتم إجراء التحاليل المطلوبة وتقييم الحالة واتخاذ قرار إما حجز الطفل أو حصوله للعلاج وخروجه.

وعن أنواع الأورام التى تطارد الأطفال، قال: سرطانات الأطفال متنوعة لكن يأتى فى مقدمتها سرطان الدم ويليها سرطان المخ والغدد الليمفاوية، وبقية الأنواع تأتى بنسب متفاوتة، وزيادة الأعداد التى نراها له أسباب متعددة من زيادة الوعى لدى المواطنين جعل الأهالى يبحثون عن سبب شكوى متكررة للطفل، إلى جانب زيادة معدلات الاكتشاف ووسائل التشخيص التى تتطور باستمرار، كما أن الزيادة السكانية عامل آخر فى هذه الزيادة».

وحول الوقت الذى يبدأ يتحرك فيه الأهل فى اتجاه الشك فى الإصابة بالسرطان قال الدكتور عبيد: «أى شكوى مستمرة للطفل ومستمرة هنا نضع تحتها أكثر من خط فلابد من أن تحترم والبحث عن سببها، بمعنى استمرار عرض معين لفترة طويلة دون الاستجابة للأدوية المختلفة، فمثلا وجود ارتفاع فى درجة حرارة الطفل بدون مبرر ولا يستجيب للعلاجات، أو وجود ورم فى مكان ما فى الجسم لفترة، مثلا قيء مستمر بدون سبب واضح ألم فى الظهر مستمر وبدون مبرر أو غير معروف السبب، أنيميا متزايدة لدرجة أن وجه الطفل يبدو شاحبا، فلوكيميا الدم أو سرطان الدم غالبا ما يعانى الطفل من أنيميا وشحوب فى الوجه وحرارة مستمرة ووجع فى العظام، وقت يمر وقت لحين التشخيص بالإصابة بعد مرور الأهل على تخصصات مختلفة، مثلا أورام المخ قد يظهر عرض ترجيع مستمر، ويظل التشخيص على أنه التهاب فى المعدة أو أى سبب آخر، ثم صداع ويتم إجراء أشعة رنين على المخ، سرطانات الغدد الليمفاوية مثلا يكون هناك تضخم فى الغدد الليمفاوية، وقد يظهر على شكل تضخم فى البطن سرطان العظام يشعر الطفل بألم مستمر فى العظام فى أماكن مختلفة حسب مكان الورم ويزداد الألم ليلا بدون مبرر وهكذا، المهم ألا يهمل الأهالى استمرار شكوى معينة لفترة طويلة دون مبرر ودون استجابة للأدوية، ويتحدد العلاج حسب نوع الورم فمثلا لوكيميا الدم يكون العلاج الكيماوى، أورام المخ تشمل استئصال جراحى، وقد يتطلب الأمر علاج مكمل كيماوى أو إشعاعى أو الاثنين، أورام العظام يبدأ بعلاج كيماوى ثم استئصال جراحى ثم كيماوى مرة أخرى، وقد يكون للإشعاعى دور فى بعض الحالات.

وبالنسبة لتساقط الشعر – والحديث لا يزال لـ»د. عبيد»- فهذا أحد الأعراض الجانبية للعلاج الكيماوى والإشعاعى وممكن أيضا يعانى الطفل من قىء نتيجة العلاج نفسه، أيضا الطفل بعد حصوله العلاج الكيماوى فى حالات السرطانات عموما، وبالأخص فى لوكيميا الدم المناعة تقل ويتطلب الأمر حصوله على علاج تدعيمى مضادات حيوية ومضادات للفطريات أو نقل دم وهذه مهمة جدا، وقد يستدعى الأمر الحجز فى المستشفى لتلقى العلاج التدعيمي.

معدلات الشفاء فى سرطانات الأطفال- حسب قول د. عبيد- تصل لنحو ٧٥٪ فى المتوسط، ترتفع النسبة فى بعض أنواع الأورام مثل أورام الغدد الليمفاوية لتصل لنحو ٩٠٪ وتنخفض النسبة لنحو ٢٠٪ فى أورام المخ الشرسة أو العنيفة، وبالنسبة لسرطانات الدم وهى الأكثر شيوعا بين الأطفال فتتعدى النسبة الـ ٦٠٪، ومعدلات الشفاء هذه تربط بعدة عوامل منها نوع الورم ومرحلة الإصابة، وهل هو فى مراحل مبكرة فمثلا المعدلات فى مرحلة الأولى المبكرة بخلاف المرحلة الرابعة المتأخرة وهكذا، وتختلف مدة العلاج من حالة لأخرى فقد تستمر لمدة لشهور قليلة، وفى حالات تستمر لمدة ثلاث سنوات كما هو الحال فى سرطانات الدم، أورام العظام مثلا يستمر العلاج لمدة سنة تقريبًا، وقد تزيد نسبيا، ومعدلات الشفاء هذه تماثل المعدلات العالمية».

بالنسبة لحالات زرع النخاع قال: توجد حالات تحتاج لزراعة نخاع كطريقة علاجية، وغالبا تكون عندما يدخل المرض فى حالة سكون مثل بعض أنواع سرطانات الدم، وفى بعض المراحل المتقدمة من أورام الغدة فوق الكلوية أو عند ارتداد المرض، ويوجد بالمعهد ٤ غرف لحالات زرع النخاع للأطفال، وإما يكون الزرع ذاتيا من نفس الطفل أو من متبرع من أشقائه حال توافق الأنسجة».

وعن علاقة السرطان بالمستوى الاقتصادى والاجتماعى للمرضى قال، أوضح أنه «ليس لها علاقة بالإصابة فى حد ذاتها، فالسرطان مرض يصيب الأغنياء والفقراء كل الفئات، لكن فقط تظهر العلاقة فى الاكتشاف المبكر ففى المستويات الأكثر حظا من التعليم والمال يمكنهم الاكتشاف المبكر لكونهم أكثر دراية أو لملاحظة الأم بالعرض أو اعتياد التحاليل والفحص، لكن بشكل عام لابد أن يراعى الأهالى توفير الأكل الصحى من خضراوات وفواكه، والابتعاد عن المواد المصنعة غير الطبيعية والمواد الحافظة، وتشجيع الأبناء على الحركة وممارسة الرياضة وتقليل السكريات والحفاظ على الوزن الطبيعى».

د.دينا حسين بسيونى، استشارى أورام الأطفال بالمعهد القومى للأورام، بدأت حديثها بجانب يعكس التفاؤل وتحقق حلم الشفاء لأطفال السرطان، حيث قالت: «عندما يحضر طفل مصاب بالسرطان ويتم شفاؤه هذه قمة السعادة لنا ولأسرهم وكثير من الأطفال تم شفاؤهم ويترددون على العيادات للمتابعة، فهذه طفلة أصيبت بالسرطان وتلقت العلاج وشفيت وظلت تتابع حتى تزوجت وتتردد للمتابعة، وهى متزوجة، وحالة أخرى لاثنين طفل وطفلة كانا يحضران للعلاج وكان السرطان سببا فى معرفتهما ببعض وتزوجا فيما بعد ويترددان للمتابعة بعد الشفاء، وغيرهم من النماذج، التى تعكس الجانب المشرق والمتفائل».

وأكملت بقولها: «بمجرد حضور الطفل للعيادات الخارجية بالمعهد التى تم تجديدها فى السنوات الأخيرة وبها غرفة معدة خصيصا للترفيه للأطفال بها ألعاب ومزينة بشكل يتناسب مع الأطفال، يتم توجيه الطفل بحيث يتم تحديد البرتوكول العلاجى له ومن ثم إما يتم حجزه بالقسم الداخلى لتلقى العلاج، أو يتلقى العلاج ويخرج ويعاود بعد ذلك لتلقى الجرعات، وذلك حسب نوع الورم ومرحلة الإصابة، ويتم تعريف الأهل بالحالة قدر الإمكان وطوال فترة العلاج نقدم لهم بعد التعليمات الخاصة بالتعامل مع الطفل فمثلا الحفاظ على النظافة الشخصية، تناول الكل الطازج المطهو، النوم الكافى، تناول الأدوية فى الأوقات المحددة وبالجرعات المحددة، فى حالة تعرضه لأى مرض أو إصابة يتردد على المعهد فنحن فى الأساس أطباء أطفال، بمعنى أنه لو تعرض لدور برد أو ارتفاع فى درجة الحرارة مثلا ممكن يؤثر على المناعة، ممكن يحتاج مضادا حيويا يعطى بالوريد، وبالتالى لا يمكنه إعطاؤه له فى المنزل، بالنسبة للأطفال فى سن الدراسة فى بعض الحالات فى بداية العلاج يكون الطفل غير قادر ويشعر بالتعب والجرعات تكون على فترات متقاربة، وقد تتعارض مع مواعيد المدرسة أو أن المدرسة الازدحام فى المدرسة والاختلاط قد يعرضه لأى عدوى تؤثر على مناعته، وأحيانا يتغيب من المدرسة، ويتم إعطاؤه خطابا من مكتب الخدمة الاجتماعية ليقدمه للمدرسة وقبل الامتحان أيضا يعطى له جواب والمدارس تتفهم هذا وبعضها يراعى الحالة حتى دون توجيه خطاب إليها، لكن الأمر لا يستعدى الخروج من المدرسة فالعلاج يكون لفترة، وبعد انتهاء فترة العلاج والشفاء تكون هناك متابعة للطفل لفترة طويلة حسب كل حالة وتكون فى البداية كل شهر، ثم كل شهرين، ثم كل ثلاثة أشهر وهكذا، يتم خلالها إجراء فحوصات من أشعة وتحاليل حسب كل حالة، والمتابعة مهمة جدا للوقوف على أى شىء يحدث للطفل أو ارتداد للمرض، ويتم التأكيد على الأهالى لأهميتها وكثير منهم يتفهم الأمر لأنهم خلال فترة العلاج يكونون قد تفهموا الحالة ويخافون من ارتداد المرض، وارتداد الإصابة قد يحدث أثناء فترة تلقى العلاج، وهنا يتم التدخل وتغيير البرتوكول العلاجى حسب التغير ، الذى حدث، وقد يحدث الارتداد بعد فترة قصيرة عدة أشهر مثلا وقد يحدث بعد فترة أطول وكلما بعدت فترة الارتداد تزيد فرص الشفاء، وغالبا ما يكون الارتداد بنفس نوع السرطان، ونادرا ما يرتد بنوع آخر ».

مراعاة البعد النفسى للطفل مهم جدا، حسب قول الدكتورة دينا، التى أضافت: «تم تجهيز مكتبة للترفيه بالدور الخامس بها عدد من الألعاب والأزياء التنكرية وأجهزة الكمبيوتر، بحيث يتردد الطفل عليه فى مواعيد العمل من الصباح حتى الرابعة عصرا، وهذا لتقليل الضغط النفسى على الطفل فلا يكون طوال الوقت داخل غرف الحجز «.

«د.دينا» واصلت حديثها قالت: من أهم المشكلات التى تواجهنا فى التعامل مع سرطانات الأطفال ثقافة كثير من الفئات حول مرض السرطان، فللأسف لا تزال منتشرة أفكار ومفاهيم خاطئة عن مرض السرطان من أبرزها أنه مرض معد و الخوف من مريض السرطان بمجرد معرفة أنه مريض يبتعد عنه أصدقاؤه وزملاؤه، هذا يجعل كثيرا من الأسر لا يريدون إخبار أحد من معارفهم بالمرض، وكأنه وصمة لصاحبه، أيضا المستوى الاقتصادى لبعض الأسر فمنهم من ينقطع عن التردد على المعهد على المعهد لعدم مقدرتهم المالية على تحمل نفقات السفر والتنقل من محافظات بعيدة، وهذه مشكلة أخرى، وبالنسبة للازدحام الملاحظ فى المعهد فسياسية التوسع، التى بدأت بفرع المعهد فى التجمع، وفى مستشفى دار السلام العام مهمة جدا فى تخفيف الضغط على المعهد».