بقلم : د. عبدالله النجار
ما زال بعض الناس ينظرون إلى المرأة نظرة دونية، ويعتبرونها كيانا قاصرا لا يقوى على التصرف بنفسه وإنما يحتاج - فى نظرهم - إلى وصاية من الرجل، وربما كان معنى القوامة المنصوص عليها فى قول الله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، أقول: ربما كان معنى القوامة عندهم مقصودا به الوصاية على النساء، فلا يستطعن التصرف أو التحرك دون أوامر مسبقة تصدر من الرجال، وهذا غير مقصود من اللفظ الكريم لأن أى ولاية تثبت لإنسان على آخر لا يقصد منها الإضرار به أو إلغاء شخصيته، بل احترام تلك الشخصية ورعاية مصالحها المادية والأدبية، ومنها احترام إرادته، وتنفيذ ما يشير به، ولأن للمرأة عقلا قادرا على التفكير والتدبير وتقديم النصح المفيد للرجال والنساء معاً، وهذا واقع مشاهد، ويدل عليه قول الله تعالى: "يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب"، ومن ثم كان إلغاء رأى المرأة أو إهداره حرمانا للبشرية من خير كثير يمكن أن يتحقق من استطلاع رأيها والعمل به، ويكون قهر الرجال لها وإهدار رأيها سبباً مباشراً لتلك المضار.
ومن الأمور المؤكدة فى هذا الإطار أن السيدة أم سلمة أم المؤمنين وزوج النبى - صلى الله عليه وسلم - تعد مثلا واضحا فى ذلك، كما أن فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - معها يدل على أن رأى المرأة معتبر، وأنه يمكن أن ينقذ الناس من شر كبير، وذلك عندما استشارها النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم صلح الحديبية الذى عقد على بعد أميال من مكة المكرمة، وكان المسلمون قد قدموا إليها قاصدين العمرة من المدينة المنورة، ولما أصبحوا قاب قوسين منها منعتهم قريش من دخولها، وعقد مع المسلمين بيعة العقبة التى كان من شروطها أن يعود المسلمون للمدينة ويعودوا فى العام القادم، ومع شروط أخرى تلقى أعباء متقابلة على الطرفين، وكان أثقل تلك الأعباء على المسلمين.
ولما هم النبى - صلى الله عليه وسلم - بتنفيذ الاتفاق، وطلب من المسلمين أن يتحللوا من إحرامهم وأن يحلقوا أو يقصروا شق عليهم ذلك، وأبدى بعضهم إصراره على المضى إلى مكة المكرمة ووقع بين المسلمين خلاف شديد، فبعضهم رأى تنفيذ الاتفاق والعودة، وبعضهم أصر على دخول مكة، وهنا شعر النبى - صلى الله عليه وسلم - بضيق شديد، ودخل على أمة سلمة فى خيمتها مكروبا يبدو عليه الضيق والضجر, ولما سألته أم سلمة عن شأنه وما الذى يهمه ويرسم ذلك الضيق على وجهه أخبرها بما حدث من أمر المسلمين بعد اتفاق العقبة، فما كان منها - رضى الله عنها - إلا أن قالت له: "هون على نفسك يا رسول الله، إن الأمر أهون من ذلك، وما عليك إلا أن تخرج عليهم وتبدأ تنفيذ الاتفاق فتخلع إحرامك وتحلق شعرك ايذانا بأنك لن تمضي إلى مكة وستعود إلى المدينة انتظارا لعام قادم، وهنا سوف يقتدى المسلمون بك، ويفعلون مثل ما تفعل"، وقد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أشارت به أم المؤمنين سلمة، ولما رآه المسلمون يفعل هذا بادروا إلى الاقتداء به، وانتهى الخلاف إلى حب ووئام.
إن هذا المثل يدل أبلغ دلالة على أن رأى المرأة مطلوب، وأنها قيمة إنسانية ذات تأثير بليغ فى الحياة، وأن رأيها يمكن أن يجلب مصلحة كبرى للأمة أو يدفع عنها مضرة, ولهذا كان إهمالها وإهدار رأيها عملا غير مرغوب ولا مستحسن فى الإسلام. إن المرأة تمثل أصلا كبيرا فى تحقيق مقصود الله من خلق الإنسان، ذلك أن الله - سبحانه - قد خلقه ليكون خليفة فى الأرض، فقال سبحانه: "وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة", وقال سبحانه: "هو الذى جعلكم خلائف الأرض", ومعنى الخلافة هنا أن يخلف الأجيال بعضها بعضها، وأن يجيء الخلف بعد السلف، فيحمل ما ورثه عنه من الدين والعلم والحضارة والقيم حتى تصل إلى الأجيال القادمة، ولولا المرأة ما تحقق الإنجاب ولما حصل التناسل والتعاقب، لأن الرجال لا يستطيعون الإنجاب دون النساء، ولابد أن يتكامل وجودهما معاً، ولهذا كان وجود المرأة هو الأساس فى تحقيق تلك الغاية المقصودة من خلق الإنسان. كما أنها هى الأم التى تعطى دون حساب، وتبذل من غير مقابل، ولا تجد متعتها إلا فى سعادة أولادها وعمار بيتها وستر أهلها، إن المرأة هى رمز الخصب والنماء وهى أساس بقاء الإنسان على الأرض، ولولاها لأصبحت الحياة يباباً خالية من الأحياء، ومخلوق على هذا النحو من الأهمية للدين والدنيا وللإنسان والوجود ألا تستحق من الرجل أن يكرمها, وأن يحسن إليها، لقد جعل النبى - صلى الله عليه وسلم - عنوانه خيرية الرجل، أن يكون خيرا لأهله ورفيقا زوجته، ولأن - صلى الله عليه وسلم - كان خير الناس بأهله يكون الاقتداء به فى ذلك هو ما يوافق صحيح الدين.