رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وزارة علي ماهر باشا الأخيرة قبل إعلان الجمهورية.. شهدت في ساعاتها الأولى مولد ثورة 23 يوليو.. وباشرت سلطات الملك الدستورية

17-7-2019 | 22:34


بدأت الأحداث تتصاعد، غير أن المسألة هذه المرة كانت أكبر من مجرد صراعات بين أجنحة القصر، وأكبر من تنازع الأحزاب التقليدية وغير التقليدية على الحكم، كما أنها أكبر من أن تتدخل فيها سلطات الاحتلال.


وكانت هذه الجبهات تمثل القوى الثلاث التى كان لها تأثيرا مباشرا فى اختيار الوزارات المصرية على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، فلم تكد تمضى 18 ساعة على تشكيل وزارة الهلالى باشا حتى كانت الثورة قد قامت بالفعل فى القاهرة، واستولت على محطة الإذاعة، وبدأت فى الساعة السابعة من صباح يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 تذيع بيانها الأول.


استيقظت مصر كلها صباح ذلك اليوم على صوت ينطلق من إذاعة القاهرة بعبارات وكلمات لم يتعود المواطنون سماعها من قبل، مما جعل ملايين المواطنيين غير مصدقين أن لحظة الخلاص قد بدأت، ومازالت أصداء كلمات البيان الأول للثورة لها وقع مؤثر على كل من قدر له أن يسمعها وقتها، يقول البيان، والذى أذيع وقتها بلسان اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصري:

"اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثيرا كبيرا على الجيش، وقد تسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين، وأما فترة مابعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم، ولابد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب، أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين، فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم فى الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصرى أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن فى ظل الدستور، مجردا من أي غاية، كما أنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ إلى أعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس فى صالح مصر، وأن أى عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقى فاعله جزاء الخائن فى الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس.


وإنى أطمئن أخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم، والله ولى التوفيق".


وتطورت الأحداث بعد ذلك بسرعة تفوق تلاحق الأنفاس، وكان الملك وقتها كعادته فى أشهر الصيف يقضى وقته بقصر المنتزه بالإسكندرية، وظهرا توجه الهلالى باشا إلى الملك حيث شرح له ماحدث منذ الساعة العاشرة والنصف من مساء اليوم السابق 23 يوليو، وأنه اتصل باللواء محمد نجيب فى مركز القيادة العامة للقوات المسلحة وفهم منه أن الثورة تفضل وزارة يرضى عنها الجميع، وأن الاختيار متجه إلى على ماهر باشا ليشكل الوزارة الجديدة.


وفى نفس اليوم، أصدر فاروق مرسوما بتشكيل وزارة جديدة برئاسة على ماهر باشا، وكانت آخر وزارة صدر مرسوم بتشكيلها فى عهد الملك فاروق، وتعتبر وزارة على ماهر الوزارة رقم 70 منذ أن تم إنشاء أول مجلس للنظار برئاسة نوبار باشا فى عهد الخديوى إسماعيل، وقد شهدت الساعات الأولى لتشكيل هذه الوزارة مولد ثورة 23 يوليو.


وباشر مجلس الوزراء خلال حكم على ماهر باشا سلطات الملك الدستورية بعد أن نادى بالأمير أحمد فؤاد ملكا على مصر بعد تنازل الملك فاروق عن العرش، ولم يقدر لأحمد فؤاد أن يحكم مصر يوما واحدا.


لقد بادر فاروق بتكليف على ماهر بتشكيل الوزارة تلبية لرغبة مجلس قيادة الثورة، ظنا منه فى بادىء الأمر أن الثورة ما قامت إلا لتغيير وزارة بأخرى وترشيح رئيس لمجلس الوزراء ليحل محل آخر، ولم يكن يدرى وقتها أن الشعب ممثلا فى رجال الثورة ومتلاحما مع الجيش قد عقد العزم على تحرير نفسه من أغلال الطغيان والاستبداد، وهو ماستؤكده الأحداث التى تلاحقت بعد ذلك لتعلن نهاية عهد وبداية عهد جديد.