تمر اليوم الذكرى الثالثة لرحيل المخرج المصري الكبير صاحب العلامات السينمائية المميزة محمد خان، الذي ولد في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1942، لأب باكستاني وأم مصرية، وقد حصل على الجنسية المصرية بقرار من رئيس الجمهورية السابق عدلي منصور عام 2014.
عاش "خان" حياته في حي السكاكيني وتربى ونشأ وتعلم فيه، ومنه أيضًا بدأت علاقته بالسينما، فكان يطل من شرفة منزله ليشاهد أفلاما سينمائية في دار السينما (صيفي) المجاورة، ولم تكن تلك الإطلالة هي كل ما يربطه بالسينما بل بدأت رحلته معها عندما بلغ 14 عاما، وتوجه إلى بريطانيا "التي كان يحمل جنسيتها" حينها، لدراسة الهندسة لكنه خلال رحلته التقى بشخص سويسري الجنسية يدرس السينما فكان نقطة تحول في مسار خان إذ رافقه إلى معهد السينما في لندن وجذبته الدراسة به واستهوته السينما فترك الهندسة وأبحر في عالم السينما ليكون نقطة انطلاقه نحو الشهرة.
بعد مضي 7 سنوات من الكفاح والدراسة أي في 1963 وبلوغ "خان" 21 عاما، عاد إلى مصر مرة أخرى ليطبق كل ما تعلمه ودرسه من فن السينما في الحقل السينمائي المصري، حيث كان دائما يرى أنه مصري الجنسية والنشأة، وبدأ عمله في شركة للإنتاج السينمائي تحت إشراف المخرج الكبير صلاح أبوسيف صاحب العديد من الأفلام التي تعد من أبرز علامات السينما المصرية، واشتغل خان في ورشة السيناريو والقراءة وزامله فيها رأفت الميهي الذي أصبح مخرجا أيضا واتسمت أفلامه بالفنتازيا، ومصطفى محرم الذي أصبح من أشهر كتاب السيناريو وله أعمال مميزة، لم يستمر كثيرا في تلك الشركة وتركها عام 1964 وتوجه إلى لبنان ليعمل مساعد مخرج لعدد من المخرجين اللبنانيين منهم يوسف معلوف ولم يستمر كثيرا فرحل بعد عامين إلى لندن مرة أخرى في عام 1966.
وفي 5 يونيو 1967 أثرت النكسة في نفسيته كثيرا، ونتيجة لذلك التأثر أنشأ خان دارا للنشر، وكان باكورة إنتاجه ألف كتابا عن السينما المصرية وآخر عن السينما التشيكية، وكما أثر عليه وقع الهزيمة أثرت فيه فرحة النصر عام 1973، وبعدها عاد إلى مصر مرة أخرى في عام 1977 حينها كان يبلغ من العمر 35 عاما وبدأ العمل في مجال الإخراج السينمائي بعد أن تعمق ودرس وعمل في مجال الإخراج والسينما خلال الأعوام الـ13 التي ترك فيها مصر.
"ضربة شمس" كان ضربة البداية لخان في السينما المصرية عام 1978، وهو الفيلم الذي قام ببطولته الفنان الكبير الراحل نور الشريف الذي تحمس لفكرة العمل وأنتجه، وروى الشريف في أحد حواراته الصحفية أنه أعجب بقصة الفيلم التي كتبها خان، وقرر إنتاجه بعدما قرر خان أن يبيع ممتلكاته لينتجه لتمسكه الشديد بالعمل.
ولم تكن نظرة خان والشريف خاطئة فحقق الفيلم نجاحا وحصل على الجائزة التقديرية الذهبية للإخراج الأول في أول دورة لمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في عام 1979، كما حصل على جائزة العمل الأول من جمعية الفيلم وجائزة الدولة التقديرية، وقال خان عن الفيلم إنه تم تصويره كاملا في أماكن طبيعية بعيدا عن قيود الأستديو ، فكان أمرا جديدا على السينما المصرية، فمما لا شك فيه أنها كانت بداية قوية له والتي أهلته ليكون مخرج الواقعية.
بعد ضربة البداية انطلق خان فأخرج فيلمه الثاني "الرغبة" الذي كتب قصته أيضا مع نفس بطل فيلمه الأول نور الشريف عام 1979، ثم تبعه في العام الذي يليه فيلم "الثأر" لمحمود ياسين ويسرا والذي كتب خان قصته.
وفي عام 1981 ألف وأخرج فيلم "طائر على الطريق " بطولة فريد شوقي وأحمد زكي، وقال خان عن الفيلم "إنه بدايتي أنا"، وحصل فيه على جائزة مهرجان القارات الثلاث بفرنسا، وجائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من جمعية الفيلم عام 1982.
وكتب قصة فيلم "موعد على العشاء" وأخرجه عام 1981 من بطولة سعاد حسني وأحمد زكي وحسين فهمي وتحدث خان عن الفيلم قائلا "إنه مأخوذ عن خبر قرأته في الصحف في باب الحوادث وبنيت عليه قصتي، وأتناول في هذا الفيلم موضوع الحرية الشخصية للمرأة، وأصل إلى الخلاصة التالية إن المرأة عندنا لن تتحرر أبداً للأسف، لأنها لكي تصبح حرة فعليها أن تحطم المجتمع وأن تحطم نفسها".
وفي عام 1983 أخرج وكتب القصة لفيلمه "نص أرنب" بطولة يحيى الفخراني والراحل محمود عبد العزيز والذي حصل فيه على الجائزة الأولى مناصفة مع فيلم "العار" للمخرج على عبد الخالق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، رغم اعتراف صناعه بأن به ثغرات نظرا لكتابة السيناريو في وقت قصير لأسباب خاصة إلا أن براعه خان في تصوير مشاهد الفيلم بمناطق جديدة على السينما وإسقاطاته أنجحت العمل على المستوى النقدي.
وفي نفس العام كان لقاء خان الوحيد مع الزعيم عادل إمام كمخرج في فيلم "الحريف" الذي استطاع فيه أن ينتزع شهادة تقدير من مهرجان برلين والجائزة الثانية من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي وذلك عام 1983، كما حصل على جائزة أفضل إخراج من جمعية الفيلم عام 1985.. ولم يتوقف طموح خان عن النجاحات التي حققها خلال 6 سنوات بل استمر بفيلمه "خرج ولم يعد" عام 1984 ليحيى الفخراني وفريد شوقي وليلى علوي في حصد الجوائز منها التانيت الفضي وأفضل ممثل للفخراني في مهرجان قرطاج السينمائي، والجائزة الخامسة من مهرجان الإسكندرية السينمائي من نفس العام.
وفي عام 1985 أخرج وألف فيلم "مشوار عمر" بطولة الراحلين فاروق الفيشاوي ومديحة كامل وممدوح عبد العليم، وفي نفس العام أخرج فيلم "يوسف وزينب"، لفاروق الفيشاوي وليلى علوي، وفي عام 1986 أخرج فيلم "عودة مواطن" ليحيى الفخراني وميرفت أمين.
وفي عام 1987 أخرج فيلمه " زوجة رجل مهم " للراحل أحمد زكي وميرفت أمين الذي أحدث ضجة كبيرة لما يتناوله من مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد ولم يتحدث عن السلطة بشكل مباشر بل بأثرها النفسي والاجتماعي وحصل الفيلم على جائزة السيف الفضي وأفضل ممثل والنادي السينمائي بمهرجان دمشق الدولي من ذات العام بالإضافة إلى عرضه في عدة مهرجانات دولية، وفي العام الذي يليه كتب القصة والسيناريو وأخرج فيلم "أحلام هند وكاميليا" لنجلاء فتحي وأحمد زكي والذي حصل على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان طقشند الدولي بالاتحاد السوفيتي عام 1988.
مع بداية حقبة التسعينيات وبلوغ محمد خان الخمسينيات من العمر أخرج خلال تلك الفترة وكتب فيلم "سوبر ماركت" لممدوح عبدالعليم ونجلاء فتحي عام 1990، و"فارس المدينة" عام 1991 بطولة محمود حميدة ولوسي لكنه لم يكتف بإخراجه وتأليفه بل خاض فيه تجربة الإنتاج أيضا.
ثم قدم فيلم "مستر كاراتيه" لأحمد زكي عام 1992، وفي العام الذي يليه فيلم "الغرقانة" لنبيلة عبيد ومحمود حميدة، وفي عام 1995 ألف وأخرج فيلم "يوم حار جدا" لمحمود حميدة وشيريهان والمطرب محمد فؤاد ، ليكون آخر أعماله في التسعينيات ليتوقف بعدها لست سنوات عن العمل لمرور السينما المصرية بحالة من ضعف الإنتاج وبداية موجة أفلام الشباب الكوميدية كما أطلق عليها.
مع بداية الألفية الجديدة، عاد خان من جديد ليقدم لنا عملا تاريخيا عملاقا عام 2001 فيلم "أيام السادات" لأحمد زكي ومجموعة كبيرة من الفنانين والذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا، يتناول قصة رئيس مصر الأسبق محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام والحائز على جائزة نوبل للسلام.
وفي عام 2003 قدم خان تجربة جديدة له في عالم الإخراج حيث أخرج فوازير "فرح فرح" لغادة عبد الرازق ومدحت صالح ، وفي عام 2004 أخرج وألف وأنتج فيلم "كليفتي" لباسم سمرة والذي ينتمي إلى سينما الديجيتال، فمع بداية الألفية قدم خان ثلاثة أعمال مختلفة من حيث الشكل والمضمون فقدم عمل لسيرة ذاتية وفوازير وفيلما سينمائيا بأسلوب الديجيتال قليل التكلفة.
في عام 2005، قدم خان فيلم "بنات وسط البلد" لمنة شلبي وهند صبري وخالد أبو النجا والذي كان يساعده في إخراجه ابنته نادين خان ، وفي عام 2007 أخرج فيلم "في شقة مصر الجديدة" لغادة عادل وخالد أبو النجا، وكانت هذا الفترة هي بداية تعامله مع جيل السينما الجديد من الفنانين وحصل على جائزة أفضل فيلم عربي بمهرجان دمشق في نفس العام وجائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة لجنة النقاد والصحفيين بمهرجان مسقط عام 2008، وجائزة أحسن مخرج وممثلة في مهرجان المركز الكاثوليكي عام 2008.
حمل عام 2014 أخبار سارة لمحمد خان بالإضافة إلى نجاحات فنية أيضا ففي 19 مارس من العام ذاته عرض له فيلم "فتاة المصنع" في دور العرض السينمائي المصري، وهو تجربة إخراجية جديدة اعتمد فيه على وجوه شابة كإيمان رئيس وهاني عادل عضو فريق وسط البلد الغنائي وحقق نجاحا وأثبتت صحة وجهة نظره الإخراجية في اختيار أبطاله وحصد جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي السينمائي وفي ذلك اليوم حصل خان على الجنسية المصرية.
وفي عام 2015 لم يكن خان يعلم أن فيلم "قبل زحمة الصيف" لهنا شيحة وماجد الكدواني والذي كان فكرته ويعد أول أعماله كمخرج مصري بعد حصوله على الجنسية سيكون العمل الأخير، وفي 26 يوليو من العام الذي يليه 2016 تعرض لأزمة صحية، كانت المشهد النهائي في قصة أحد فرسان السينما الواقعية وتلته كلمة النهاية لحياة فنان عشق الفن السابع وحول كاميرا السينما لقلم يكتب قصائد بالظل والنور والصوت والحركة.
لم يكن خان عاديا منذ ولادته أو في حياته.. وتعددت عوامل تكوين وجدانه وفكره، كان طفلا وحيدا لا أشقاء له وربما دفعته الوحدة لاكتشاف طرق غير اعتيادية للتعبير عما بداخله وكانت السينما ملجأ له استغرقته جمالياتها فأضاف إليها، ولم يكتف أن يكون مخرجا فقط بل ساهم في كتابة أعماله.
لم يكتف خان بالمشاركة من وراء الكاميرا فقد شارك كممثل في أعمال أخرى لم يكن هو مخرجها منها "العوامة رقم 70" عام 1982 و"واحدة بواحدة" مع عادل إمام عام 1984، و"ملك وكتابة" عام 2006 مع محمود حميدة وهند صبري، وفيلم "بيبو وبشير" لمنة شلبي وآسر ياسين عام 2011، وفيلم "عشم" عام 2012 مع مجموعة من الوجوه الشابة، وآخر عمل شارك فيه كممثل مسلسل "إمبراطورية ميم" مع هند صبري عام 2014.
كان خان يدرك جيدا أهمية مساندة الأجيال الجديدة والأساليب الجديدة في الفن السابع حتى تتواصل المسيرة دون انقطاعات يدفع ثمنها جيل أو أجيال من السينمائيين كل ذنبهم أن سينمائيي "الصف الأول" لم يمدوا لهم يد العون، لذا ساند أبطال أعماله سواء في الثمانينيات أو مع الجيل الجديد بمشاركتهم التمثيل في أعمالهم كضيف شرف أو أدوار صغيرة، إلى جانب مشاركته الفاعلة في التنظير السينمائي لنقل الخبرات والتجارب وحتى لا تنقطع السينما المصرية عن العالم فتفقد رافدا مهما للأفكار يثريها ويحتفل بإنجازاتها.