تنفس سكان ولايات جنوب شرقي الولايات المتحدة الأمريكية الصعداء بعدما خرجت إلى حد ما من دائرة المتاعب، بعدما أٌعلن أن إعصار (دوريان) أحد أعاصير الأطلنطي سيحيد عن الوصول إليها كما كان متوقعا، وسيمر بسلام ويتحرك بعيدا بسبب الرياح التي هبت من الغرب، ورغم ذلك قام المسئولون باتخاذ إجراءات احترازية لحماية المواطنين من أثاره، وما زالت حالة الطوارئ سارية في كل من ولايات فلوريدا بأكملها وولايتي كارولينا الشمالية والجنوبية إلى جانب 12 مقاطعة في جورجيا.
تلكأ إعصار (دوريان) وهو أحد أعاصير الأطلنطي الذي وجه ضرباته القاسية لجزر (الباهاما) الواقعة في الكاريبي، وتحرك ببطء نحو مغادرتها بعدما انخفضت فئته من الدرجة الخامسة للثالثة.. وبه تلاحقت الكوارث الطبيعية خلال فترة وجيزة على الشطر الغربي للكرة الأرضية، فمن حرائق غابات (الأمازون) الاستوائية المستعرة حتى الآن إلى إعصار (دوريان) الكارثي والأشد في تاريخ المنطقة علا صراخ كوكب الأرض مستغيثا، ومن غير الواضح ما إذا كان التغير المناخي هو السبب وراء ذلك أم لا، إلا إنه من المؤكد، وبحسب الخبراء والعلماء أنه يجعلها أكثر خطورة، ففي الوقت الذي تهدد فيه زيادة معدلات الحرائق في غابات الأمازون (أكبر الغابات المطيرة في العالم) بدت تلك العاصفة القياسية متجه نحو كندا برياح يصعب التنبؤ بسرعتها.
انخفضت درجة (دوريان) إلى الفئة الثالثة بعدما وصل قبل أيام إلى اليابسة شمالي جزر الباهاما، لتبلغ قوته الفئة الخامسة على مقياس من خمس فئات، وخلف وراءه أضرارا مادية جسيمة، نتيجة علو الأمواج لارتفاع ستة أمتار، وهبوب العواصف الاستوائية، وهطول أمطار غزيرة للغاية، أدت إلى قطع التيار الكهربي.
كما هدد (دوريان) أقوى إعصار يضرب المنطقة على الإطلاق منذ 27 عاما سكان الجزر البالغ عددهم 400 ألف نسمة، ودفعهم إلى البحث عن مأوى أو أرض مرتفعة، فيما أعرب خبراء الأرصاد الجوية عن قلقهم من بقاء مركز العاصفة بطيء الحركة فوق جزر الباهاما لمدة طويلة والتسبب في أضرار كبيرة، ويتجه دوريان نحو الغرب بسرعة 11 كم في الساعة.
وتصل السرعة القصوى المستمرة للرياح حاليا إلى 300 كم في الساعة مع وجود رياح أعاصير تبعد 75 كم عن عين الإعصار، ومن المحتمل حدوث بعض التقلبات في مستوى الشدة، ولكن من المتوقع أن يظل (دوريان) إعصارا كارثيا خلال الأيام القليلة المقبلة، بحسب المركز الوطني للأعاصير.
ويعرف الإعصار، بأنه منطقة ضغط جوي منخفض مصحوبا برياح حلزونية تدور عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وباتجاه عقارب الساعة في النصف الجنوبي، وتنقسم شدته إلى خمس درجات هي (الدرجة الأولى) ويعتبر خفيف، و(الدرجة الثانية) ويكون متوسطا، و(الدرجة الثالثة) ويوصف فيها بأنه قوي، فيما يكون في (الدرجة الرابعة) قوي جدا، وفي (الدرجة الخامسة) يكون عنيفا.
وفي ذات الوقت، تمثل الحرائق المستعرة حتى الآن في غابات (الأمازون) حالة طوارئ دولية، إذ اجتاحت الحرائق تلك الغابات البرازيلية الواقعة في قارة أمريكا الجنوبية مسجلة أرقاما قياسية بموجب اتساع رقعتها التي وصلت خلال العام الحالي إلى ما يزيد عن 72 ألفا من الحرائق.
وتهدد زيادة الحرائق المقدرة بـ 83 في المائة مقارنة بالعام الماضي كوكب الأرض، حيث تعرف غابات (الأمازون) بأنها رئته التي تنتج حوالي 20 في المائة من الأوكسيجين النظيف اللازم لحياة سكان الكوكب، وهي مخزن الكربون الحيوي الذي يبطئ من وتيرة الاحتباس الحراري، كما هددت موطن حوالي 3 ملايين نوع من النباتات والحيوانات، ومليون شخص من السكان الأصليين.
وأشارت تقارير حديثة عن وصول حرائق غابات (الأمازون البرازيلية) إلى محميات القبائل الأصلية.. والحرائق المتعمدة غالبا ما تستخدم لتطهير المراعي والمناطق المتصحرة في (الأمازون) - خلال أشهر الشتاء الجافة - ويقول النشطاء إن أراضي السكان الأصليين تشكل أهدافا سهلة للحطابين والمزارعين والمستوطنين الباحثين عن الأرض أو الأخشاب القيمة (أشجار الماهوجاني الطويلة).
كما أن حرائق (الأمازون) أحدثت أضرارا بالغة وأدت إلى اشتعال حرائق في حوض نهر الأمازون، وأصيب سكان المناطق المطلة على النهر بأمراض بسبب تلوث مياه الشرب، ونفق ملايين الأسماك.. وقد أعلن حاكم ولاية (أمازوناس) حالة الأزمة في 16 بلدية.. حيث أثر الجفاف المستمر منذ شهرين على سكان المناطق المطلة على النهر الذين لم يعد بمقدورهم العثور على الطعام أو حتى بيع المحاصيل.
ورغم الأسباب العديدة التي طرحت على الساحة، لتفسير ارتفاع معدلات اندلاع الحرائق، وأحدثت جدلا سياسيا وعلميا بشأن هذا المعدل الرهيب، إلا أنها لم تنفي حقيقة أن ما حدث هو تلف لا يمكن إصلاحه، وقد يبدأ في إصدار انبعاثات الكربون التي تعتبر المحرك الرئيسي لتغير المناخ، مما قد يسبب كوارث بيئية، وذلك وفق ما توقعه الصندوق العالمي للحياة البرية.