رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ترامب يواجه مزيدا من انتقادات الحزب الديمقراطي على خلفية «أوكرانيا جيت»

8-10-2019 | 11:54


تسارعت بشدة في الأونة الأخيرة وتيرة إجراءات الحزب الديمقراطى عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمعروفة إعلامياً بـ"قضية أوكرانيا" أو " أوكرانيا جيت " ، وارتفاع حدة المواجهة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس.

وفي استطلاع أجرته شبكة"سى بى اس ، ارتفع عدد الأمريكيين الذي يؤيدون إدانة ترامب، ليصل إلى 55 %، مقابل 45%، وحتى استطلاع شبكة "فوكس" المفضلة لدى ترامب، أظهر أن 52 % من الأمريكيين "مرهقون" بسبب ترامب، ويتطلعون إلى رحيله، مقابل 37 % ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى عهده.

ورغم أن حظوظ إقالة ترامب لا تزال ضعيفة، نظراً إلى أن قرار العزل في يد مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، لكن نجاح الديمقراطيين في إثبات خرقه للدستور والتصويت على عزله، قد يكون كافياً، ليس فقط لخسارته انتخابات 2020، بل وإمكانية خسارة الجمهوريين مجلسي الشيوخ والنواب معاً للانتخابات العامة أيضاً.

لم يكشف تاريخ التداول السياسي للسلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، صراعاً محتدماً بين الحزبين الرئيسيين مثلما كشفت عنه الفترة الأولى للرئيس الجمهوري ترامب.

واشتعلت المواجهة بين الحزبين الخصمين منذ انطلقت عجلة حكم الإدارة الجمهورية الحالية، فلم ينتظر الديمقراطيون تنصيب ترامب في 20 يناير عام 2017 ، حتى فتحوا ملف ما عُرِف بـ"التدخل الروسي" في الانتخابات الأمريكية، مع تصاعد الحديث عن تدخل روسيا لمساعدة ترامب على الفوز على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وطلب ترامب علناً من موسكو أن تنشر ما لدى كلينتون في ملف بريدها الإلكتروني، الذي عاد أخيراً ليكون إحدى أبرز القضايا التي ناقشها ترامب في مكالمته مع الرئيس الأوكراني.

ليس هذا فحسب ، ولكن ترامب الذي خاض واحدة من أغرب المعارك الانتخابية في تاريخ الرئاسة الأمريكية، أثار منذ بدء تهجمه، الذي اتخذ طابعاً شخصياً حتى ضد منافسيه الجمهوريين، حفيظة الطبقة السياسية الأمريكية بمجملها، مما أدى إلى توقيع عدد من كبار الساسة والدبلوماسيين والعسكريين والمسؤولين الأمريكيين، وبينهم من الجمهوريين، على عرائض تحذر من انتخابه رئيساً.

وجاءت الممارسات السياسية للرئيس ترامب كاشفة لدى مباشرته سياساته الخارجية التصادمية مع العديد من دول العالم في كثير من الأحيان عبر إعلان مواقفه العدائية من دخول المهاجرين، وتشكيكه بجدوى الأحلاف والاتفاقات الدولية.

ولعل السلوك السياسي لترامب قد يكون خدم معارضيه، عندما أُجبر على إقالة مستشاره الأول للأمن القومي مايكل فلين، بعد 20 يوماً على تعيينه إثر انكشاف كذبه أمام المحققين الفيدراليين في ملف روسيا، وتعيين رئيس "إف بي آي" السابق، روبرت مولر، محققاً خاصاً في هذا الملف، لكن ترامب أفلت من المحاسبة بعدما عجز مولر عن تقديم أدلة راسخة عن تواطؤ مباشر مع روسيا.

وجاء يوم 25 يوليو الماضي ليلبي طموحات الديمقراطيين من خلال تسريب مكالمة هاتفية لترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، طلب منه مساعدته في فتح تحقيق بحق نجل منافسه الديمقراطى جوزيف بايدن، الذى كان يعمل لدي شركة اوكرانية، وهو ما يعد مخالفة دستورية فى الولايات المتحدة،حيث أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عن فتح تحقيق رسمي بحق ترامب المشتبه بانتهاكه الدستور عبر السعي للحصول على مساعدة دولة أجنبية لإيذاء خصمه الديمقراطي.

وفى مواجهة ذلك حشدت الإدارة الأمريكية كل أسلحتها للدفاع عن ترامب والمواجهة مع الديمقراطيين، فقد صعد ترامب وإدارته الهجوم على النائب الديمقراطي آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الذي يقود التحقيق لعزله، وطالب بتوقيفه ، وحذر من أن ما يجري هو "انقلاب يهدف إلى الاستيلاء على ما وصفه بسلطة الشعب الأمريكي".

ورغم الدفاع المستميت من قبل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وانتقاداته الحادة ضد لجان التحقيق الثلاث، التي طلبت منه تسليمها وثائق تتعلق بالتحقيق الذي أطلقه مجلس النواب رسمياً، ومع اعتراف بومبيو بأنه كان حاضراً خلال المكالمة الهاتفية، فإنه ضُمّ إلى قائمة المتهمين بمحاولة التستر على الرئيس، التي تشمل أيضاً وزير العدل بار، ومحامي ترامب الشخصي جولياني.

وتكشف حالة الصراع بين الديمقراطيين ممثلين بأغلبية السيطرة على مجلس النواب، والجمهوريين ممثلين في إدراة ترامب الحاكمة، عن ارتدادات سلبية لهذا الصراع على ملفات السياسة الخارجية الأمريكية وعلى الاستراتيجية الأمريكية في الأمد القليل المنظور.

ويعتقد كثير من المراقبين أن إخضاع ترامب للمحاكمة سيزيد من وتيرة استراتيجية الانسحاب الأمريكي من العالم، ولا سيما من ملفات ساخنة فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ورغم أن ترامب جاهر بهذه الاستراتيجية حتى قبل "فضيحة أوكرانيا"، والتي قد تؤدي إلى انحسار نفوذ واشنطن المنشغلة بقضاياها الداخلية.

كما يعتقد بعض المراقبين أن فشل وساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعقد لقاء بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك، يعود في جانب منه إلى إدراك الأخير المأزق الذي دخله الرئيس الأمريكي بعد إطلاق التحقيقات لعزله، وتأجيل طهران تقديم التنازلات مقابل رفع العقوبات عنها.

ويبقى القول أن الكشف عن "قضية أوكرانيا" يشكل سابقة خطيرة تجعل قادة العالم يتخوفون من تكرارها، وهو ما يطرح تساؤلات عن مدى قدرة الولايات المتحدة على التصدي للأزمات الطارئة في عالم يمر بظروف ومغيرات لا تتوقف حدتها، الأمر الذي يؤدي مستقبلاً إلى إضعاف صورة أمريكا القوية واهتزاز صورتها السياسية أمام مجتمع القوى العالمي والذي يموج بالكثير من الصراعات جرياً وراء المصالح الاستراتيجية العليا.