قال المستشار حسام عبدالرحيم وزير العدل إن مصرُ هي قبلةُ العلمِ والعلماءِ وموطنُ الحضارةِ والثقافةِ، فقد كانت على مرِّ العصورِ والأزمانِ ولا زالت مركزَ إشعاعٍ ثقافيٍّ وحضاريٍّ أفادَ البشريةَ في كافةِ العلومِ والفنونِ والثقافات، خاصةً في مجالِ الشريعةِ الإسلاميةِ وعلومِها بما يمثلُهُ الأزهرُ الشريفُ ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف من ثقلٍ علميٍّ وما يحملُه من سماتِ وسطيةٍ وتسامحٍ حافظتْ على رونقِ الإسلامِ وازدهارِهِ عبرَ خمسةَ عشرَ قرنًا من الزمان.
جاء ذلك في كلمته في افتتاح المؤتمرِ العالمي للإفتاء تحت مظلة الأمانةِ العامةِ لدورِ وهيئاتِ الإفتاءِ في العالمِ في نسخته الخامسة، برعايةِ الرئيس عبد الفتاح السيسي حفظه الله.
وأثنى وزير العدل على الموضوعاتُ والقضايا ذاتِ الأهميةِ الكُبرى التي يطرحُها المؤتمرُ العالميُّ للإفتاء في كل عام لما تحملُهُ من أمورٍ تمسُّ أمتَنا الإسلاميةَ وتتواكبُ مع ما تمرُّ به من ظروفٍ ومستجداتٍ وتحديات، وهذا الذي تقومُ به دار الإفتاء المصرية وكافةِ مؤسساتِنا الدينيةِ التي تحملُ منهجَ الوسطيةِ والتسامحِ والتعايشِ السِّلميِّ بين الشعوبِ والحضاراتِ.
ولفت وزير العدل النظر إلى الموضوع الهام الذي يناقشه المؤتمر، وهو (الإدارةُ الحضاريةُ للخلافِ الفقهي) موضوعٌ نتشوقُ جميعًا إلى تناوله وبحثِهِ بواسطةِ السادةِ العلماءِ الأجلاءِ أهلِ الاختصاص، فقدْ كانَ الخلافُ الفقهيُّ في وعي جماهيرِ الأمةِ الإسلاميةِ يعكسُ مدى ما اتسمتْ به الشريعةُ من تنوعٍ ومرونةٍ واتساعٍ وتسامح، حيثُ لم يكن الخلافُ الفقهيُّ إلا مظهرًا إيجابيًّا من مظاهرِ نشاطِ العقلِ المسلم، ولم يكنْ يومًا ما سببًا للصدامِ أو للكراهيةِ فضلًا عن العُنفِ أو الإرهاب.
وأردف قائلًا: "وفي السنواتِ الأخيرةِ برزتْ إلى السطحِ جماعاتٌ لا تَستقي علومَها ومعارفَها الدينيةَ من مؤسساتِنا الدينيةِ العريقةِ بما تحملُهُ من وسطيةٍ ورحمةٍ، فلم يفرقُوا بين الخلافِ في أصولِ الدينِ وثوابتِهِ وبين الخلافِ في فروعِ الفقهِ التي تتغيرُ بتغيرِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ والأشخاص".
وعن المفاسد الناتجة عن الفكر المتطرف أشار وزير العدل إلى أن ممارسةِ هذه الجماعاتِ المتطرفةِ ترتب عليها كثير من المفاسدِ التي وصلتْ إلى حدِّ تكفيرِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ ثم تطورَ الأمرُ إلى ممارسةِ العنفِ الفرديِّ والجماعيِّ ثم إلى الحروبِ الأهلية وحروب الجيل الرابع والخامس إلى أن أصبحت هذه الجماعاتُ المتشددةُ عقبةً كبيرةً في سبيلِ تقدمِ الأوطانِ وسلامةِ البلاد، وأصبحت أفكارُهم تمثلُ خطرًا حقيقيا على السِّلم والأمنِ العالمي.
وثمّن معالي الوزير اجتماعَ السادةِ العلماءِ الأجلاءِ من شتَّى بلادِ العالمِ الإسلاميِّ، وتحت مظلةِ الأمانةِ العامةِ لدورِ وهيئاتِ الإفتاءِ في العالم، من أجل التباحثِ حول استعادةِ تلك المنهجيةِ العلميةِ التي سارَ عليها علماؤنا الأجلاءُ، والتي كانت تمثلُ روحَ الممارسةِ الدينيةِ الصحيحة بين جماهيرِ الأمة الإسلامية، فلم يكنْ بينهم على كثرةِ ما كان بينهم من تنوعٍ واختلافٍ فقهي، إلا كلُّ الحبِّ والخيرِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى من أجلِ بناءِ الحضارةِ وإفادةِ البشريةِ.
واختتم وزير العدل كلمته قائلًا: "لعلنا لا نكونُ مبالغين إذا نقولُ إنَّ جماهيرَ الأمةِ الإسلاميةِ تعقدُ آمالها عليكم، في استعادةِ رُوحِ الوسطيةِ والتسامحِ والمحبةِ مع وجودِ التنوعِ والاختلافِ والاجتهادِ الذي لم ولن ينغلقُ بابُهُ ما دامت حركةُ الحياةِ مستمرةً، والأمةُ الإسلاميةِ تنتظرُ ما سوفَ يسفرُ عن مؤتمرِكم الموقرِ من نتائجَ وتوصيات نرجُو أن تتحولَ إلى برامجَ عملٍ تستفيدُ منه كلُّ مؤسساتِ المجتمعِ التي تعملُ على تقدمِهِ وازدهارِهِ".