أكد السفير الدكتور محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن سد النهضة يعد من أهم التحديات التي تواجه الوطن في هذه المرحلة بوصفه أمراً مرتبطاً بالأمن القومي لمصر وبحياة شعبها.
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق -في كلمته أمام المؤتمر الموسع الذي عقده اليوم الثلاثاء المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان "سد النهضة: بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومي المصري"- إن الآونة الأخيرة شهدت توتراً غير مسبوق في العلاقات المصرية الإثيوبية بسبب التعنت الإثيوبي الذي أدى إلى فشل جولة المفاوضات الفنية التي عقدها وزراء الموارد المائية فى البلدان الثلاث (مصر- السودان- إثيوبيا) في الخرطوم في 4 أكتوبر الجاري.
وأضاف أنه بات واضحا منذ خطاب السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين أننا متجهون إلى تدويل الخلاف مع إثيوبيا حول أسلوب تعاطيها مع سد النهضة وما اتسم به من مماطلة وتسويف عبر سنوات من التفاوض رفضت خلاله إثيوبيا المسارات التوفقية والأطروحات والحلول المصرية.
وتابع أنه من الضروري العمل من أجل إعداد ملف مصري متكامل يتضمن في قسمه الأول رؤية مصر الفنية العادلة لقواعد وسنوات الملء وأسلوب إدارة وتشغيل سد النهضة بالتنسيق مع السودان ومصر، بما يسمح بتحقيق شركاء النهر الثلاثة المنافع والمصالح المرتجاة فتولد إثيوبيا كهرباءها وتنظم السودان النهر الوارد إليها وتحافظ مصر على حصتها المائية ، في إطار من الاحترام المتبادل للحق في التنمية والحق في الحياة.
واقترح مساعد وزير الخارجية الأسبق أن يشمل القسم الثاني من الملف تعاونا إقليميا شاملا نحو إقامة إطار شامل للتعاون بين دول حوض النيل الأزرق أي تبني النظرة الأمثل لإدارة النهر الدولي المشترك ومراعاة وحدته الجغرافية والبيئية بما يحفظ النهر ويعظم قدراته ويتيح موارده للاستفادة المشتركة للدول المتشاركة فيه.
وأشار إلى أهمية إدارة الموارد المائية بشكل مشترك بوصف ذلك هو المدخل الطبيعي للحفاظ على بيئة النهر وصون السلم والأمن وضمان التنمية المستدامة بين دول النهر، والأهم أن تتحول المياه لجزء من منظومة أشمل تتحقق فيها المنافع لدول المنابع والمصب على حد سواء ، فيتم الربط المائي والادارة المشتركة بشكل متناسق بين السدود فى الدول الثلاث وبما يسمح بالتصريف العادل الذي لا يضر بدول المصب ويحافظ على حقوقها المائية القائمة، ويتم في نفس الوقت ربطها كهربائياً يسمح بتصريف كهرباء سد النهضة بين البلدان الثلاث او تصديرهاً عبر الشبكة المصرية للإقليم او لأوروبا ويتم بالتوازي ربط بالسكك الحديدية وبطريق بري يقود لخروج إثيوبيا كدولة حبيسة من عزلتها الجغرافية وصولا إلى البحر المتوسط والاستفادة من الموانئ المصرية.
وقال إنه سيتم في الجزء الأخير من الملف المصري صياغة القسمين الفني بما اتفق عليه مائياً والإقليمي بمشروعاته التعاونية في مشروع اتفاقية قانونية ملزمة على غرار اتفاقية 1959 بين مصر والسودان بحيث تُشكل اساساً للتعامل المستقبلي مع هذا الملف والاهم انها ستضع حداً للقلق بشأن 86% من موارد النهر والتي ترد من إثيوبيا.
وشدد حجازي على أهمية التأكيد على أن هذا التوجه ضروري لمجابهة عدم الوضوح والغموض المائي الذي لم تكاشف فيه إثيوبيا أحدا عن سقف طموحاتها المائية، ما يستلزم محاصرة موقفها الراهن من خلال مشروع التعاون المقترح المتضمن ما فيه مصلحة اكيدة للنهر بيئياً ولشعوبه اقتصادياً ولدوله سياسياً وامنياً وللمنطقة و دولها افق استراتيجي مؤسس على التعاون.
ونبه إلى أننا أمام مفترق تاريخي يمكن لو أحسنا إدارة الموقف التفاوضي خلاله أن نخرج جميعاً رابحين، وقال "قد يقتضي الأمر إعمال ما أسميه (الانضباط والوعي الاستراتيجي) على النحو الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي فى دعوته خلال الندوة التثقيفية فى 13 أكتوبر الجاري بمناسبة نصر أكتوبر، والتي دعا خلالها إلى إعمال الهدوء والاتزان والحكمة في التعامل مع هذا الملف، وسبق الجميع بكل وعي في تهنئة رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد بمناسبة حصولة على جائزة نوبل للسلام".
وأوضح أنه أشار إلى الملف المصري -المقترح إعداده- ويشمل الجزء الفني المائي العادل والجزء التعاوني الإقليمي الشامل والمصاغة معاً بشكل اتفاقية قانونية ملزمة، يتم بعد ذلك تسليمه للشركاء الدوليين والمؤسسات السياسية الدولية والإقليمية، بالشكل الذي يوضح سلامة الموقف المصري، وما يمكن أن يتيحه التعاون من أفق إقليمي واعد قائم على الفهم المتبادل للمصالح والاحتياجات ولا يفرض الإرادات ولا تستغرقه المصالح الوطنية الضيقة وما قد يقود إليه التعنت وعدم فهم مطالب الآخر من توتر وعدم استقرار إقليمي له تبعاته وعواقبه التي لا تخفي على أحد وتتعارض مع تاريخ العلاقات الإفريقية الوطيدة والتي جمعت مصر على الدوام بأشقائها في إثيوبيا وحوض النيل.
ولفت إلى أن المستهدف هنا بالملف المصري هو التعبير عن موقف مسئول لا يقصد منه إقناع الجانب الإثيوبي فقط على أهميته ولكن لجعل المجتمع الدولي حاكماً بين الأطراف وضاغطاً على الجانب الإثيوبي وتوضيح أن مصر سعت لاحتواء الموقف وتبنت رؤية خيرة وشاملة احترمت فيها النهر ودوله المتشاطئة ومصالح وخير الجميع.
واقترح السفير حجازي أن يتم تسليم الملف للجهات الدولية من دول ومؤسسات ومنظمات إقليمية ودولية ومن جولات دبلوماسية في إطار من التحرك الدولي الممنهج الذي قد يمتد لو استمر الخلاف لمؤسسات الأمم المتحدة بدءا بالجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ومنه لمحكمة العدل الدولية بوصف هذا الخلاف يعد تهديدا للأمن والسلم الدولي، وبوصف الموقف الإثيوبي المتشدد إعمالا للحق في غير موضعه وبما يخالف ميثاق الامم المتحدة والاعراف والمواثيق الحاكمة لقضايا المياه، وقد يكون مناسباً في هذه المرحلة إذا لم تسفر لقاءات القمة عن انفراجة نتمناها جميعا اللجوء إلى طرف ثالث إعمالا للمادة العاشرة من إعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة في مارس 2015.
وتابع أن الاستعانة بطرف ثالث من الممارسات المعروفة في خلافات المياه، فلعب البنك الدولي ورئيسه ايوجين بلاك منتصف الخمسينات دوراً رائداً في توصل الهند وباكستان لاتفاقية نهر الاندوس Indus water's treaty عام 1960.
وقال "ولعل من المناسب أن نبدأ بتسليم هذا الملف المصري العادل والأخوي خلال المقابلة الهامة للسيد الرئيس مع السيد ابي احمد رئيس الوزراء الاثيوبي فى سوتشي بروسيا الاتحادية خلال انعقاد قمة روسيا- إفريقيا. والتي نأمل ان تسهم خلالها دبلوماسية القمة في اتاحة افق جديد, فلاتزال القارة قارة الحكماء والرؤساء (ELDERS) الذين يملكون تصويب المسار واعادة الاستقرار والهدوء لأي من المسارات التي تهدد أمن واستقرار بلادهم, ولا أظن أن الموقف بمخاطره وتداعياته وتأثيره على أمن واستقرار القارة بعيد عن فهم القادة فى البلدان الثلاث الاقرب لإطلاق المشروع التنموي الاهم فى افريقيا".