الإحساس نعمة .. واللى يعدمها يعمى
الإحساس نعمة ، نصيحة قروية سمعتها من زمان وتذكرتها مع حالة البلادة التى أصابت مسئولينا خلال الفترة الماضية ، تناحة لم يسبق لها مثيل ، مرض مصرى فريد من نوعه ننافس به أخطر الأوبئة العالمية ، الفارق الوحيد أن المرض المصرى حتى الآن لم ننجح فى تصديره لدول أخرى، فهو وباء محلى خالص غير قابل للانتقال أو عبور الحدود ، فالكراسى فى العالم كله زائلة لا تعمى البصر ولا تميت البصيرة ، لكن فى مصر الكرسى مزود بلاصق من النوع النادر الذى يجعل من يجلس عليه يشعر بلذة البقاء وحلاوة المقاتلة من أجل الاستمرار عليه ، وللأسف البعض يتخيل أن هذا المرض سياسى بالدرجة الأولى ، أى قاصر على الوزراء والمسئولين السياسيين فقط ، لكن للأسف عندما تراجع المواقف تجد أنه مرض عام وباء متفش فى كل بر مصر .
فإذا كان وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر يرفض التضحية بكرسى الوزارة من أجل شوية ضلمة عكننوا على المصريين ، ويعتبرها قلة ذوق من الناس أن يطالبوه بحسن الإدارة للمرفق المسئول عنه ، ويرى أن الدعوات التى تتزايد يوما بعد الآخر بإقالته خارجة عن حدود اللياقة الشعبية ، بل وقرر أن يواصل الاستهبال السياسى وكأنه لا يسمع ولا يرى وينسى أن فيه شعب من حقه محاسبة المسئول ومحاكمته كمان ، وكل هذا بفعل داء البلادة المصرية، فلا يختلف عنه الكابتن شوقى غريب وجهازه الفنى الذى أبدع فى تحقيق هزيمتين غير مسبوقتين للمنتخب المصرى، «بره وجوه»، وتقريبا " قفل " الباب المؤدى إلى المغرب فى وجه المصريين بالضبة والمفتاح ورغم ذلك عمل فيها عبيط ويصر على تكملة المشوار، وبكل بجاحة بيتكلم عن أنه لسه فيه أمل، لا أعرف تحديدا هل الأمل الذى يقصده غريب هو أمل التأكيد على الخروج من تصفيات كأس الأمم.. أم أن أمله أبعد من ذلك ويقصد به أنه كما بذل مجهودا وخرج المنتخب "موكوسا " من التصفيات الإفريقية ، فإنه لن يقصر أبدا هو وجهازه " الأنيق " فى أن يكملوا المسيرة ويخرج المنتخب أيضا من تصفيات كأس العالم !؟ والأدهى أن شوقى لم يكتف بهذا وإنما أراد أن يزيدنا غيظاً وبدلاً من أن يعتذر عن جريمته، خرج ليتحدث عن مؤامرة يتعرض لها، ولا أعرف أى مؤامرة هذه التى جعلته مديراً فنياً لمنتخب مصر .
بالطبع غريب وشاكر ليسا النموذج الوحيد للمصابين بمرض الكرسى العضال، بالمناسبة تدريب المنتخب كرسى كروى وسياسى مهم جداً فى البلد، لكن عموماً هناك عشرات من المسئولين متبلدى المشاعر الذين كان من الممكن أن يكون الإنجاز الوحيد الذى سيحسب لهم فى التاريخ أنهم امتلكوا الشجاعة وتقدموا باستقالاتهم من مناصبهم التى لو كان لها لسان لنطق وقال " خلصونى" من هؤلاء ، هناك وزراء ومحافظون مبدأهم " قاعدين عليها لطالون "، هم بالطبع لا يعرفون طالون، لكن المهم أن يبقوا فى المنصب وأبهته، واللى عايز يشيلهم منه يتفضل، لكن استقالة، دا على جثتهم.
ويمتد المرض إلى مناطق أخرى المفترض أن من يتولى فيها أشخاص على علم وقناعة، مثل الجامعات، لكن عند المنصب تتساوى الثقافات والأهواء ، فعدد من رؤساء الجامعات لم يستطع أن يقدم حالة نجاح واحدة ومع ذلك لم يفكر واحد منهم مرة فى شجاعة الاعتذار عن منصبه والعودة للمدرج الذى يفهم أبجدياته ويعرف قواعده ويمتلك المهارات المطلوبة له .
الأخطر أن مرض البلادة انتقل بكل فيروساته إلى مجال الأدب فبعض المدعين للأدب والمرتزقة باسم الثقافة يصرون على أنهم أفضل من يبدع وأهم من يتحدث عن مصر وهم كما " البلاطة " عقولهم خاوية وأفكارهم بالية لا قيمة لها، وكان الأولى لهؤلاء أن يبدعوا فى الخروج من حياتنا ونحن سنشكرهم على ذلك.
أما البلادة والتناحة على أصولها فهى متوافرة بكثرة فى الجيل العواجيزى الذى يصر على أنه الأولى بحكم مصر، هؤلاء الذين يقاتلون من أجل البقاء فى كراسى الصف الأول، ورغم أن لهم مع الفشل جولات وصولات على مدار تاريخهم ، لكنهم رغم ذلك يظهرون علينا الآن بصورة أصحاب الخبرة والعقول المتميزة والأفكار النيرة، أين كانت تلك العقول عندما كان هؤلاء يجرون البلاد إلى الخلف جرا بسبب فشلهم غير المسبوق، أين كانت تلك الأفكار وهم يهدرون المليارات من أموال الشعب على مشروعات وهمية لمجرد التخديم على السلطة التى عينتهم .
حتى فى الصحافة هناك من احتلوا مواقع للكتابة وهم على خصام مع القلم، الحبر يكره أن يسيل فى أيديهم لأنه يعلم كم هم مدعون وكم يكرههم القراء ويمقتهم المصريون، بعض هؤلاء يرتدى ثوبا سياسيا ليعيش على حسابنا جميعا، وبعضهم يتاجر بقلمه، الطلعة بباكو، وعند الباكو أطلب منه ما تريد، مستعد من أجل الفلوس أن يلون أفكاره ويحول مبادئه ويغيير آراءه، يهاجم أو يدافع، على كل لون ياباتيستا، وكله بمنطق " صلاح الأمور" وأحيانا بعضهم يتحدث عن قضايا وهو " مش عارف " عنها شيئ لمجرد الحصول على المعلوم... كل هؤلاء أفضل ما يقال لهم الاحساس نعمة واللى يعدمها يعمى
كتب : أحمد أيوب