في ذكرى مولد النبي.. كيف رصدت السينما سيرته العطرة؟
تحل اليوم ذكرى الرسول الكريم، محمد
بن عبد الله، الرحمة المهداة وخاتم الأنبياء والمرسلين، ولاشك أن سيرته العطرة
وحياة الرجل الذي أصبح أمة كانت فكرة تراود كل المهتمين بالفنون وخصوصا السينما،
وخلال بحثنا وجدنا أن هناك 16 فيلما دينيا أنتجتها السينما منها فقط عشرة أفلام
تتحدث عن السيرة النبوية.
فيلم "النبي" وميلاد
السينما
كشفت مجلة الكواكب في عددها الصادر في
أول مارس 1960 عن مفاجأة من خلال كتيب وزع مع نفس العدد بعنوان "قصة السينما
العربية"، وهي أن فكرة إنتاج فيلم عن النبي، كانت هي المحرك الأول لظهور
السينما المصرية.
فقد أوفدت شركة ماركوس الألمانية رجل
تركي يدعى "وداد عرفي" من أجل إنتاج فيلم عربي بإسم "حب
الأمير"، ولكن لم يكن ذلك الفيلم هو المهمة الأساسية الموفد من وداد عرفي،
بل كانت مهمته التي أحاطها بالكتمان هي فكرة إنتاج فيلم باسم "النبي"
يتم فيه تناول سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وفي القاهرة اندمج عرفي
بالوسط الفني والتقى الفنان يوسف وهبي، فهو أبرع الممثلين في ذلك الوقت وسماته
الجسمانية ووجهه العربي جعل وداد عرفي يطرح عليه فكرة بطولة الفيلم وتجسيد شخصية
الرسول الكريم.
وافق يوسف وهبي على الفور واعتقد أن
الأمر هين، لذا اطلع على كل ما كتب عن رسول الله، وأعد الملابس ووضع
المكياج، والتقط له عرفي عدة صور لتطلع عليها جهة الإنتاج الألمانية، التي وافقت
على الفور وأوفدت مندوبا تعاقد مع وهبي على القيام بالدور مقابل 10 آلاف جنيه، ومن
فرحته بهذا الدور أعلن وهبي للصجف ماحدث، وهنا انقلبت الدنيا على رأسه، فكيف يفكر
ممثل أو أي شخص بتجسيد شخصية سيد المرسلين؟
انهالت رسائل التهديد على يوسف وهبي
بعد أن أعلنت الدوائر الأزهرية أن فكرة ظهور النبي على الشاشة أمر مرفوض ولن
يسمحوا به، وأخبره صديق له بأن هناك فتوى ستصدر من مفتي الديار المصرية بخروجه عن
الدين لو قام بهذا الدور، كما اتصل به مسئول كبير ينذره بطرده خارج البلاد وتجريده
من الجنسية المصرية لو أقدم على ذلك العمل، ولم يجد وهبي مفرا من أن يلغي العقد
ويعتذر للمملكة المصرية وللأزهر عما حدث.
ونادت الصحف المصرية بطرد وداد عرفي
الذي تجرأ على التفكير في ذلك المشروع، وخشي على نفسه وعاد إلى فرنسا، ومن خلال
بعض الأصدقاء في مصر عاد مرة أخرى إليها ليبدأ في فكرة إنتاج سينمائي، وفشل أيضا
وسمعت به عزيزة أمير فاستعانت به لإنتاج أول فيلم روائي وهو "ليلى"،
وخرج الفيلم هزيلا بمشاهده غير المترابطة، ما جعلها تستعين باستيفان روستي
ليساعدها في الإخراج ويعرض الفيلم الأول في تاريخ السينما عام 1927.
ظهور الإسلام أول فيلم ديني
لا نستطيع التحديد بأن إنتاج الأفلام
الدينية في السينما جاء من أجل اكتمال التوليفة السينمائية، أم أن هناك جنودا أوفدتهم السماء ليقدموا للسينما أروع الأفلام التي ترصد السيرة النبوية، وتقترب من
حياة الرسول الكريم، ففي عام 1951 كان فيلم ظهور الإسلام أول إنتاج للمحامي
إبراهيم عز الدين، ذلك الرجل الذي سافر إلى فرنسا لتعلم فنون السينما، ثم اختار
قصة الوعد الحق للدكتور طه حسين لينتجها كفيلم سينمائي يرصد فيه بداية ظهور
الإسلام، ومع إعلان فكرته وضح الأزهر المحازير الواجب اتباعها وهي ألا يظهر في
الفيلم من يجسد شخصية الرسول لا صوتا ولا صورة ولا يظهر به أي من العشرة المبشرين
بالجنة أو الصحابة أو آل بيت النبي.
بدأ الدكتور طه حسين في دعم ظهور
الفيلم المأخوذ عن قصته، ومادامت القصة قد أجيزت فالفيلم لن يخرج عن نطاقها، ودعم
الفكرة أيضا مصطفى باشا النحاس، ولجأ المنتج إبراهيم عز الدين إلى سلاح الفرسان
لاستعارة الخيول اللازمة ومجاميع من الجنود لتمثيل كتل المسلمين الجدد في الفيلم،
ووقع اختياره على الضابط أحمد مظهر ليشارك بدور في الفيلم نظرا لمهارته في
الفروسية، وحضر طه حسين والنحاس العرض الأول للفيلم الذي لاقى نجاحا كبيرا واندمج
الجمهور مع العمل، فسالت دموعهم مع مشاهد تعذيب المسلمين وكبروا مع انتصاراتهم في
الفيلم.
آل الطوخي والإنتاج الديني
لم ير أحدا أي عمل سينمائي لإبراهيم
عز الدين بعد ذلك، فقد أنفق سبعة آلاف جنيه على إنتاج فيلم ظهور الإسلام، وقد فتح
الباب لإنتاج مثل هذه الأفلام سينمائيا أمام المخرج أحمد الطوخي الذي تخصص في
الأفلام التي تناولت السيرة النبوية، فقد أنتج وأخرج فيلم "انتصار
الإسلام" عام 1952 عن قصة لشقيقه فؤاد الطوخي، ثم أخرج فيلم "بلال مؤذن
الرسول" عام 1953 ثم فيلم "بيت الله الحرام" عام 1957، وأنتج وأخرج
أيضا فيلما بعنوان "مولد الرسول" شارك في بطولته يوسف وهبي مع فريق عمل
لبناني سواء في التمثيل أو التصوير، وتم التصوير في بيروت عام 1960.
هجرة الرسول وفتح مكة
إن كان الإنتاج الديني قد توقف في عام 1960 والذي بدأه بكفاح مخرجين مغمورين مثل إبراهيم عز الدين وأحمد الطوخي،
فقد عاد الإنتاج مرة أخرى عام 1964 على يد المخرج الشهير إبراهيم عمارة، ففي
الفيلم الذي قدمه للسينما تناول فيه هجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة
واستقبال أهلها للمسلمين بالترحاب والغناء، وفي عام 1970 أخرج صلاح أبو سيف فيلم
"فجر الإسلام" الذي عرض في فبراير عام 1971، أما فيلم
"الشيماء" لحسام الدين مصطفى فكان آخر الأفلام المصرية التي رصدت السيرة
النبوية وعرض الفيلم في 28 أغسطس 1972، وهو نفس العام الذي ظهر فيه الفيلم العالمي
"الرسالة" الذي أخرجه مصطفى العقاد، والفيلم تم تصويره مرتين، ببطولة
لأنتوني كوين وأخرى لعبد الله غيث في نفس أماكن التصوير وبنفس الديكور، والفيلم
كان أشمل الأفلام العربية التي رصدت السيرة النبوية من مهدها حتى فتح مكة، لكن
الفيلم قوبل بالاعتراض من الأزهر الشريف لأن به تجسيدا لحمزة عم الرسول صلى الله
عليه وسلم.