بقلم – محمود الحضرى
التاريخ فجر يوم الجمعة ٧ أبريل ٢٠١٧، قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبأمر من رئيسها المثير للجدل «دونالد ترامب» بعدوان بالصواريخ من بوارج بحرية فى البحر الأبيض المتوسط، بإطلاق ٥٩ صاروخًا «توما هوك» على قاعدة الشعيرات فى منطقة حمص السورية، وذلك دون الاستناد إلى أى قرارات دولية، أو مصوغات من المنظمات الدولية، وذلك تحت ذريعة اتهام النظام السورى بامتلاك أسلحة كيماوية واستخدامها ضد سكان «خان شيخون» فى إدلب، وقبل التأكد من حقيقة الاتهام.
التاريخ أيضا يوم الأربعاء ١٩ مارس ٢٠٠٣، قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبقرار من رئيسها وقتها جورج دبليو بوش بالعدوان على العراق بصواريخ، لتبدأ عمليته الحقيرة باحتلال العراق، تحت زعم امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، والزعم أيضًا باستخدام هذه الأسلحة من جانب نظام بغداد وقتها ضد شعبه، وجرى العدوان أيضًا دون الاستناد إلى أية قرارات دولية، أو سند، سوى عدد من المتحالفين مع الأمريكان، ولكن سرعان ما تكشف زيف كل الادعاءات.
ما بين التاريخين ١٤ عاما، و١٩ يومًا، والعدوان هو نفس المتهم «الولايات المتحدة الأمريكية»، ورئيسان مثيران للجدل، والاتهام المزعوم واحد، وهو امتلاك واستخدام أسلحة دمار شامل، والدليل غير موجود والتحقيق فى الاتهامات لم ينته بعد، ومجلس الأمن فى الحالتين لم يعط تفويضًا لأحد بالعدوان والحرب، وتوجيه أى ضربات، وفى الحالتين تصر أمريكا على فرض سياسة «شرطى العالم الأوحد»، وفى الحالتين حماية إسرائيل هدف أمريكى فى الخفاء، وسعى أمريكى لإثبات أنها الأقوى بل منازع.
وبين التاريخين وقعت أحداث عدوانية على دول عربية أخرى، وليبيا نموذج واضح، وفى كل الحالات كان الموقع العربى مخزيا، وغريبا، لدرجة أن التأييد كان النموذج العام والسياسة الكلية لجل الدول العربية، وخرجوا يصفقون لكل عدوان، بل الأكثر غرابة فى كل الحالات خرجت فصائل المعارضة مرحبة بتدمير وطنهم على أيدى العدو، وفى كل الحالات أيضا كان الكرسى هو صراع الإخوة الأعداء بين فصائل ما يسمى بالمعارضة، ليدخلوا فى حروب بينهم، وصلت لحرب أهلية، وهو ما جرى فى العراق وليبيا، ومخطط له أن يحدث فى سوريا ليس لإسقاط الأنظمة فقط، بل لإسقاط الدولة وتدميرها.
الأحداث والمخطط واحد والتجربة أثبتت ذلك، فهدف الأمريكيين، هو نفسه من ترغب فيه إدارة ترامب، بل يجب أن نقول السياسة الأمريكية، ورغم أن التاريخ يفصل بين العراق وسوريا ما يقارب عقدا ونصف العقد من عمر الزمن، إلا أن تدمير قوى المنطقة هدف استراتيجى أمريكى، وتبقى تصريحات ترامب عن رغبته فى محاربة الإرهاب شعارا عاما، إلا أن الإستراتيجية الحقيقية هى القضاء على دول هذه المنطقة كلها، وليس هناك فرق بين دولة حليف أو غير حليف للولايات المتحدة. ولاشك أن الحديث والحوار حول استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، كلام مهم جدًا، ولكن هل هناك عدم ازدواجية فى المواقف الدولية والأمريكية بشكل خاص؟!، فما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى الأعزل ليس أقل من أن يوصف بأنه حرب إبادة وتطهير عرقى، فيما تقف أمريكا مع هذا العدوان الإسرائيلى على مدى نحو سبعة عقود من الزمان بل مؤيدة له، وداعمة له بالمال والسلاح، بخلاف أن إسرائيل نفسها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تملك أسلحة دمار شامل من مختلف الأنواع، وسط صمت أمريكى، ودولى، ويتحول العالم إلى أسد فجأة وأمريكا إلى نمر إذا ما جاء حديث مجرد سماعى عن دولة أخرى تُفكر فقط فى تنويع مصادر طاقتها.
«ما أشبه الليلة بالبارحة»، هذه خلاصة ما يجرى على الساحة السورية الآن، المخطط يسير فى نفس الاتجاه الذى بدأ مع العراق وانتهى إلى شبه دولة، وصراع لا ينتهى وحروب أهلية تدعمها فصائل من كل بلدان الدنيا وتقف وراءها دول ومؤسسات ومنظمات ورجال أعمال، وإرهابيون ومرتزقة، يحاربون ويتقاتلون بالنيابة عن أطراف أخرى، وحدود مفتوحة لتهريب السلاح والمال والمتطوعيين، دون أية ضوابط، ومخططات لتفتيت الدولة العراقية إلى دوليات.
الخطة تبدو واضحة وضوح الشمس فى سوريا، والهدف حماية إسرائيل من دولة جزء من أراضيها «الجولان» تحت الاحتلال، والعمل على تحويلها إلى منطقة صراع أوسع لمصالح دولية، بشكل أوسع، حيث تلعب فيها أطراف دولية مثل روسيا وإيران، وقوى ومنظمات مثل حزب الله، بخلاف استغلال إسرائيل الفرصة من خلال عمليات وطلعات ومناورات جوية فوق التراب السورى، بل الهدف أوسع من ذلك بكثير، ومصالح الشعب السورى هى آخر الاهتمامات الأمريكية والأطراف الأخرى فى كل هذا «اللعبة» الكبيرة.
ويبدو أن أمريكا، ووفقا لتحليلات مراكز بحثية بينها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية، تريد استخدام سوريا ورقة لترهيب كوريا الشمالية فى الصراع المتوقع معها، ومن ثم روسيا، لتجبرها على تغيير تحالفاتها مع إيران ومع النظام السورى، وأن وضع واشنطن الحرب على الإرهاب أولوية لا يعنى إخلاء الساحة السورية للروس والإيرانيين، وهو ما جرى بنفس السيناريو فى العراق، بل يسعى ترامب وإدارته لممارسة ضغوط على روسيا لتطويع موقفها حول مستقبل الأوضاع فى سوريا وصولًا لتفاهمات ثنائية، كما تريد أمريكا أن تثبت للروس أن «الفيتو» لن يحول دون استخدام القوة ضد دمشق ونظام بشار.. وبالعودة لقراءة التاريخ سنجدها نفس الرسائل هى التى نفذتها الولايات المتحدة فى عهد «بوش الابن»، فى الحالة العراقية.
الرسالة واضحة.. والعرب مازالوا يصفقون للإجراءات والعدوان الأمريكى يوما بعد يوم، والبعض الآخر اتخذ موقف إمساك العصا من المنتصف، رغم أن الجميع يدرك أن سوريا- التى تعيش تحت نظام يحكمها لا يدرك مخاطر ما هو قادم- على شفا دمار أكبر مما هى فيه، ومخطط إسقاط الدولة السورية هو ما تسعى إليه قوى عديدة، بل كل القوى، فالتوقعات تشير إلى مزيد من الفوضى.. إدراك الخطر أصبح مهمًا للجميع، بدلًا من التصفيق.
إرهاب خونة الوطن:
بدلًا من أن يحتفل الوطن بعيد أحد الشعانين أو «أحد السعف» كما نسميه جميعا، استعدادًا للاحتفال بعيد القيامة المجيد الأحد المقبل، استقيظت مصر على حادثين مروعين الأحد الماضى بعدوان آثم ارتكبه الخونة من التكفيريين على كنيستى «مار جرجس» بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، ليذهب ضحيتهما أكثر من ٤٠ شهيدًا، وعشرات الجرحى، ليضيف إلى أحزان مصر حزنًا وألمًا جديدين. الحادثان يحملان بصمات الإرهاب الأسود والجماعات الضالة الداعمة له، والأمر أصبح فوق طاقة البشر، وهو ما يتطلب مواجهة قانونية بعدالة أكثر دقة، بل لا أبالغ لأقول أن الأمر يتطلب محاكمات خاصة لمرتكب مثل هذه الجرائم، ومن يقف وراءها، حتى من يؤيدها معنى ولفظًا.