رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمريكا تعيد سوريا للسيناريو العراقى

12-4-2017 | 12:37


بقلم – السفير د. عزمى خليفة

حسابات خاطئة تصل إلى حد الخطيئة من أطراف عدة تعيد المنطقة العربية إلى المربع صفر وليس رقم ١ كما تعودنا أن نشير من قبل، فالضربة الصاروخية الأمريكية الخاطفة لسوريا لم تكن بحال من الأحوال من أجل الأطفال التى رأينا صورها جثثا هامدة تتسم بالبراءة نتيجة وفاتهم بسلاح كيماوي، وإن كان الحادث قد اتخذ ذريعة أمريكية لتوجيه هذه الضربة لتحقيق عدة أهداف فى وقت واحد ولنبدأ سلسلة الحسابات الخاطئة منذ البداية، فلعل إجمالى الصورة العربية يوضح إلى أين وصلنا، بقدر ما توضح الأهداف الأمريكية متعددة الأبعاد فى هذه المنطقة.

 

بداية القصة بدات بإصرار الرئيس السورى السابق حافظ الأسد على تولى نجله الحكم من بعده، وكان النجل المقصود هو باسل الأسد الذى توفاه الله، فوقع الاختيار على بشار، وهى قصة ألهمت رؤساء آخرين فى المنطقة، رغم نفى بعضهم رغم أن جميع المؤشرات كانت توحى بذلك فرأينا الرئيس اليمنى على عبدالله صالح يسعى لتولى نجله الحكم، والرئيس القذافى يسعى لتولى نجله الحكم رغم أن عمره المديد كان قد تجاوز الأربعين عاما فى السلطة، ونفس الحالة فى مصر حتى إن د. سعد الدين إبراهيم أستاذ الاجتماع المعروف أطلق على الظاهرة النظم الجمهوية ملكية فى مقال شهير له، واستكملت السلسلة حلقاتها ببعض الدول الملكية التى تقوم على توريث الحكم، وذلك بتولى المسئوليه فى حالات خاصة جيل الأبناء أيضا مع محاولة تغيير نظم الحكم العربية بنقل الحكم من جيل الأخوة إلى جيل الأبناء والسعى إلى تقنين هذه القاعدة، مخاطر توريث الحكم ظهرت فى نقص خبرة وكفاءة الجيل الشاب، وافتقادهم الإحساس بالمخاطر التى مرت بها نشأة الدولة الوطنية العربية بموجب اتفاقية سايكس – بيكو علما بأن هذه النشأة لم تكن إلا تجسيدا لحالة الاستثناء وليس القاعدة – كما أشارت باحثة جادة من جيل الوسط – والاستثناء فائدته أنه يؤكد القاعدة ولا ينفيها، فإذا كانت الدولة الوطنية العربية أنشئت بالاستثناء فى إطار تسويات حرب عالميه وسقوط الخلافة الإسلاميه التركية التى تمثل فى جوهرها استعمارا لا يختلف كثيرا عن الاستعمار الفرنسى، وتأكد هذا الاستثناء بقبول اتفاقية سايكس بيكو، واستمر الاستثناء حتى إن دولة بحجم مصر عرفت مفهوم الدولة الوطنية فى مطلع القرن التاسع عشر بتولى محمد على الحكم عام ١٨٠٥ عاشت فى ظل قوانين استثنائية منذ قيام ثورة ١٩٥٢ وحتى رحيل مبارك عن السلطة فى فبراير ٢٠١١ بموجب فعل استثنائى أيضا وهو ثورة ٢٥ يناير.

جيل الأبناء يختلف تماما عن جيل الآباء فى النشأة والثقافة وأسلوب التفكير والأهداف والنظرة للحياة والنظرة للشعوب التى يحكمونها وهذا هو بيت القصيد، فوريث حافظ الأسد يجسد ذلك تماما، فقد ورث حكما مذهبيا علويا وثق فيه واعتمد عليه، وصدق نفسه حينما تصدى لجماعات إرهابية منشقة عن القاعدة، خالطا بينها وبين طوائف المعارضة السياسية، وبينها وبين الإخوان المسلمين الذين ألهموا بتقدم الجماعة الأم فى مصر نحوالسلطة فى ظرف استثنائى أيضا، فصدق نفسه أنه قائدا سياسيا محنكا وأنه يحمى بلاده من مصير دول تعرضت للربيع العربى ولم يدرك أنه كان فاقدا للشرعية بحكم فقده حوالى ٨٠٪ من أراضى دولته تاكيدا لحالة الاستثناء العربي، وزاد سوء تقديره للأمور حينما نجحت مصر بالفعل فى وضع هدف أسمى أمام المجتمع الدولى، ممثلا فى الحفاظ على وحدة الأراضى السورية بدلا من مجرد التخلص من الأسد فى مرحلة صراع على السلطة كانت لا محالة ستؤدى إلى تفتيت هذا القطر العزيز على قلب كل مصري.

وإذا كان جيل الأبناء قد اختلف عن جيل الآباء، فقد شاب قمة السلطة الدولية تغييرا حادا ممثلا فى وصول الرئيس ترامب للسلطة وهو رجل أعمال ناجح، عبر هو عن نفسه بأنه تاجر شاطر، ليس لديه مانع فى أن يكسب منافسيه، ولكن مكسب المنافس يأتى بعد مكسبه هو أولا وبالشروط التى يحددها، وقد تدنت شعبيته إلى ٣٥٪ داخل بلاده، إضافة إلى معارضة شعوب العالم لسياساته التى عبر عنها خلال حملته الانتخابية وأكد فيها مبدأه بأنه تاجر، مؤكدا أن من يطلب الحماية عليه أن يتحمل تكاليفها وهنا سوء تقدير الموقف السورى لثانى مرة، فالرجل ليس رجل سياسية، جاء من خارج المؤسسة الأمريكية، وسيحكم وفقا لما يحقق مكاسب لهذه المؤسسة وطبق المبدأ على الأقربين بداية بألمانيا التى التزمت وقررت تسديد ما عليها لحلف الناتو، وهو ما دفع دولا أخرى بفتح خزائنها بالمليارات؛ أملا فى الحماية الأمريكية بالمعروف بدلا من لجوء ترامب للمنكر الأمريكي.

ورغم كل هذه الدلالات إلا أننا فشلنا فى قرائتها، فقام الأسد بإطلاق غازاته محتميا فى القوة الروسية، وفشل فى قراءة تجاور القوتين الأعظم على الأراضى السورية الشقيقة وتحولهما من قوى عظمى إلى قوى محلية فى مرحلة سيولة النظام الدولى لانتقاله من نظم القطبية إلى نظام شبكى عالمى، والتحالفات فى النظام الجديد مرنة للغاية، لا تقوم على وثائق ولكنها تقوم على تحقيق أهداف مرحلية أحيانا وجزئية أحيانا أخرى، ومع انتفاء الأهداف الاستراتيجية للتحالفات انتفت الحاجة إلى الحروب التقليدية التى عادة ما كانت تنتهى بالتفاوض السياسى، وعادت إلى الواجهة نوعية أخرى من الحروب فى ظل تغيير قيمى وثقافى حاد، وهى حروب بالوكالة فى بعض أبعادها، وهى حروب لتحقيق أهداف مرحلية متوافق عليها بين روسيا وأمريكا فى أبعادها الأخرى.

وبالرغم من كل ذلك، فجريمة بشار الأسد التى لا تغتفر لا يمكن إصلاحها بجريمة أخرى أشنع، لأن من قام بها قوة عظمى تدعى إقرار العدل والاستقرار فى العالم، حتى وإن كانت تقوم بهذه المهمة لمن يدفع، فالضربة الأمريكية جاءت خالية من أى غطاء للشرعية، فمناقشات مجلس الأمن شهدت استقطابا حادا، وشهدت توافقا أمريكيا صينيا بعدم استخدام الصين لحق الفيتو، بل إنها جاءت بتوافق مع روسيا أيضا التى علمت بالضربة من باب العلم بالشىء وليس للاستئذان، وبدون علم أى دولة عربية بدون أى استثناء واتساقا مع القاعدة الأمريكية بتحقيق أهدافها، بغض النظر عن الشرعية الدولية، وبغض النظر عن اعتبارات ما يسمى فى الأدب العربى باعتبارات الصداقة التى لا يعرفها العالم، وإن كان من المؤكد يعرف لغة المصالح والمصالح فقط، والمصلحة الأمريكية تستهدف التخلص من الأسد تمهيدا لكى تلقى سوريا مصير العراق من تقسيمها إلى أقاليم عدة: إقليم كردى وآخر علوى وثالث سنى، ولا مانع من أن يحكم الأسد الدويلة العلوية، أما سوريا الموحدة فلا مستقبل له فيها لسبب بسيط أن سوريا الموحدة دخلت بالضربة الصاروخية الأمريكية التاريخ يا سادة، والغريب أن أمريكا فى عهد أوباما أعلنت ذلك مرارا وتكرارا، أمريكا لها مصالح وستحققها بغض النظر عمن يجلس على كرسى الرئاسة فى المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض، فالدول تحكم بمؤسسات أجادت قراءة تاريخ وجغرافية بلادها، وليست برغبات شخصية من قيادات فقدت مشروعيتها كالأسد، مما يدفعها إلى الخطيئة وليس الخطأ.

وإذا كانت دول عربية خليجية قد سارعت بمباركة الضربة الصاروخية الأمريكية، فمن المؤكد أن هذه الضربة عمقت الخلافات الخليجية الخليجية، إذ إن ثلاث دول فقط أيدت الضربة، والإمارات وقفت على الحياد، وعمان لها سياستها الخاصة، وهنا أعود لتأكيد أن الموقف الخليجى فى مجمله يستند إلى الخطيئة أيضا وليس إلى خطأ الحسابات أو التقديرات، لأن التجربة العراقية تعود إلى صدارة المشهد العربى ودماء أشقائنا فى العراق لم تجف بعد نتيجة وضع قوة خارجية للدستور العراقى، وهو ما يحقق مصالح هذه القوة وليست مصالح الشعب العراقى الشقيق، وهو ما أغرى القوة الأخرى لصياغة الدستور السورى، وكأننا أمام خطط كربونية أعدت لدول المنطقة.

لقد خلطت الضربة الصاروخية الأمريكية أوراق المصالح فى الشرق الأوسط ككل وليس فى المنطقة العربية فقط، وستؤدى خطوط تماس هذه المصالح إلى تباين المصالح العربية من هذه الضربة، فإذا كانت المملكة السعودية ومن ورائها مجمل دول الخليج ترى فيها إضعافا لموقف الأسد الذى تطاول على قيادات خليجية، وحان وقت رحيله، أما مصر فأرى أنها مازالت تعول على مناقشات مجلس الأمن الخاضعة لاستقطاب حاد، ولذا مازالت تسعى إلى بناء موقف توافقى يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة مبدأ حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وهو أمر أرى صعوبة تحقيقه بعد التى فرضت واقعا جديدا جسدته هيلارى كلينتون التى عادت إلى مسرح الأحداث، مؤكدة أن الضربة الأمريكية قد فرضت واقعا جديدا يؤدى إلى إضعاف ضرب التحالف الأمريكى العربى لداعش ليصبح الهدف ضرب الأسد أولوية أولى وإزاحته من السلطة، وهو ما سيؤدى إلى طرح الأفكار السابقة الخاصة بتقسيم سوريا، وإقامة مناطق حرة لاصطياد قادة الإرهاب أى مناطق مفتوحة لضرب النار، ومناطق آمنة للشعب السورى وهذا باطل يراد به حق، فى ظل الارتباك العربى الحالي.

كذلك فقد أدت الضربة الصاروخية الأمريكية فى هذا التوقيت إلى التشكيك فى مسئولية الأسد عن ضربه الغاز الكيميائى لأنها جاءت فى توقيت شهد نظام الأسد فيه تحقيق أهداف هامة، وهى الحفاظ على وحدة أراضى سوريا واستمراره فى السلطة، ولكن من المؤكد أن الضربة تحقق لأمريكا أهدافا عدة منها إرضاء الدول العربية المؤيدة للمعارضة السورية، وتوجيه رسالة لروسيا وإيران مفادها أن واشنطون لن تتردد فى اتخاذ أى إجراء لتأكيد قوتها ومصالحها ومصالح حلفائها فى المنطقة، وتأكيد القوة الأمريكية الساحقة إزاء القوة الروسية خاصة ما شاب علاقة ترامب بروسيا من أنباء خلال الحملة الانتخابية، ومنها توجيه رسالة طمأنة لإسرائيل كالمعتاد، خاصة بعد ما قيل عن طرح خطة سلام عربية لحل القضية الفلسطينية، وإثبات مصداقية الرئيس ترامب وتنفيذه لما أعلن من أهداف.

وفى النهاية يتم التأكيد أن أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الموسع مازالت قيد التنفيذ الأمريكى، بالرغم من حربها ضد داعش، فالهدف الرئيسى لهذا المشروع الذى أعلن عنه ١٩٩٦ هو نزع العروبة كهوية عن المنطقة العربية من خلال اتباع استراتيجية ذات شقين، الشق الأول إذابة المنطقة العربية فى كيان أكبر جغرافيا، وأكثر تعددا لغويا ودينيا وإثنيا ومذهبيا هو الشرق الأوسط، والشق الثانى هو تقسيم الدول العربية على أسس مذهبية (السنة ضد الشيعة) وعرقية (عرب وفرس وأكراد) ودينية (مسلمين ومسيحيين ويهود) ولغويه (العرب ضد الترك والفرس).

مازلت أقول إن مصالح العرب واضحة وعلينا جميعا أن نفيق قبل فوات الأوان حينما تقسم أى دولة عربية عصية على التقسيم اليوم، وحينما تصبح إسرائيل هى الدولة الكبرى فى خاصرة الأمة التى كانت عربية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.