رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


اختبار الرجولة على الطريقة الأمريكية

12-4-2017 | 12:39


بقلم – لواء.د. نصر سالم
 

فى أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط النظام الكوبى فيما عرف (بغزو خليج الخنازير، وعملية النمس) شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتى فى أغسطس عام ١٩٦٢ فى بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى فى كوبا. التى يمكنها ضرب معظم أراضى الولايات المتحدة الأمريكية.

فى ١٤ أكتوبر ١٩٦٢ اكتشفت طائرات الاستطلاع الأمريكية هذه القواعد.. وقتها لم يكن الرئيس الأمريكى الأسبق ابن الخمسة والأربعين عامًا «جون كيندى» قد أتم عامه الثانى فى حكم الولايات المتحدة الأمريكية.

قــــامت وكالة المخـابرات الأمريكية (CIA) بتقديم هذه المعلومات للرئيس الأمريكى ومعها مقترح الرد من وزارة الدفاع الذى تضمن ثلاثة سيناريوهات: أولها مهاجمة كوبا جوا وبحرا.. وثانيها فرض حصار بحرى على كوبا، وثالثها مطالبة الاتحاد السوفيتى بتفكيك قواعد الصواريخ التى تحت الإنشاء وإزالة جميع الأسلحة الهجومية.

ويصف الرئيس الأمريكى الأسبق «جون كيندى» هذا الموقف بقوله:

عندما وضع هذا التقرير أمامى أحسست أن «وكالة المخابرات المركزية» (تختبر رجولتى) فأطلق إنذاره الشهير فى ٢٢ أكتوبر ١٩٦٢، «بأن أى صواريخ تنطلق من كوبا ضد أى دولة فى النصف الغربى سيعتبر هجوما على الولايات المتحدة وستكون ردة الفعل الانتقامية كاملة على الاتحاد السوفيتى».

ما يهمنا بعد ذلك ليس رفض السوفييت علنا لجميع المطالب الأمريكية، وحل الأزمة من خلال الاتصال عبر القنوات السرية.. ولكن الذى يهمنا هو ذلك النمط الأمريكى فى إدارة الأزمة والإدارة بالأزمات.

لقد جاء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تتقدمه استراتيجيته المعلنة للقضاء على الإرهاب وصورته المجسدة فى تنظيم داعش مع الحفاظ على الأنظمة الحاكمة مستقرة دون محاولة إسقاطها.. وتحديدا تقبله للرئيس السورى بشار الأسد للحفاظ على وحدة الأراضى السورية.. فماذا حدث.. وما الذى تغير؟

إن القضاء على داعش والإبقاء على الأسد، سوف يقنع المعارضة (مسلحة كانت أم غير مسلحة) بالاتفاق مع الأسد بأى قدر من الوفاق، الأمر الذى سيمهد الطريق للملمة الشمل السورى وإعادة اللحمة إليها والتحرك على الطريق لاستعادة سوريا الموحدة واستعادة عافيتها ولو بعد حين.

فهل هذا يرضى إسرائيل ويحقق أهدافها، أو يرضى تركيا، أو حتى من لا يزالون يشعرون بالغصة فى أفواهم من تطاول الرئيس الأسد عليهم فى يوم من الأيام الغابرة؟ وكلهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية ويهمها أمرهم وقربهم.

وعلى الجانب الآخر سوف تسعد استعادة سوريا لعافيتها ولم شملها، أطرافا أخرى مثل إيران وحزب الله ويقوى موقفهما وهما من يعاديان الولايات المتحدة وإسرائيل.. ثم هناك روسيا التى عززت موقفها وقدراتها على المستوى الدولى والإقليمى فى تحد سافر لكل العقوبات الغربية ضدها.. ولقنتهم درسا فى الرد على بالونة الاختبار التركية التى حاولوا بها اختبار قوة وكيفية الرد الروسى حين دفعوا تركيا لإسقاط المقاتلة الروسية على الأراضى السورية.

وهناك البعض من الشعب الأمريكى الذى يتشكك فى وجود دور لروسيا فى التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الرئيس دونالد ترامب، نتيجة لحرب الشائعات التى أطلقتها الأبواق المنافسة له فى تلك الانتخابات.

وأخيرًا الموقف الأوربى الذى يرقب فى حيرة الموقف الأمريكى الجديد ومدى جدية رئيسه فى حسم القضايا القائمة وعلى رأسها الموقف تجاه روسيا.

وجاء الرد الأمريكى فى يوم ٧ أبريل ٢٠١٧ كاشفا للنهج الأمريكى.. بإطلاق عدد ٥٩ صاروخ توماهوك كروز من مدمرتين أمريكيتين فى شرق البحر المتوسط، على مطار الشعيرات السورى، لتدمر عدد ٩ طائرات حربية سورية وتستهدف حظائر الطائرات المحصنة ومناطق تخزين الوقود ومخازن الذخائر وأنظمة الدفاع الجوى.

ويعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب: «أنه أمر بالضربة العسكرية على المطار الذى شنت منه الطائرات السورية القصف الكيماوى على بلدة «خان شيخون» فى حمص، مضيفا أن الولايات المتحدة انتصرت للعدالة، ويضيف ترامب فى خطاب مقتضب عبر التليفزيون أن الولايات المتحدة هى «مرادف العدالة» وأن مصلحة الأمن القومى الحيوية للولايات المتحدة تقتضى منع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية، وليس هناك شك أن سوريا استخدمت أسلحة كيماوية محظورة وانتهكت التزامها وتجاهلت دعوات مجلس الأمن الدولى».

فماذا حدث للرئيس الأمريكى؟ وما الذى تغير؟

- هل تعرض لاختبار الرجولة على الطريقة الأمريكية من أجهزة صنع القرار؟

- لقد قدموا له معلومات عن قيام الجيش السورى بضرب المدنيين العزل فى بلدة خان شيخون بغاز الثارين القاتل، فى تحد سافر للقانون الدولى.

- ومع هذه المعلومات وضعوا أمام الرئيس البدائل الثلاثة الآتية:

١ـ ضربة قطع الرأس، بضرب القصر الرئاسى الموجود فيه الرئيس الأسد.

٢ـ قصف عدة مطارات وأهداف سورية.

٣ـ جذب المطار الذى خرجت منه الطائرات (مطار الشعيرات) مع تجهيز ضربات تصعيدية فى حالة رد الأسد.

- فاختار الرئيس السيناريو الثالث وهو أخفها وأسهلها وأقلها تعرضًا.

ولم ينس متخذ القرار الأمريكى إبلاغ روسيا بتوقيت وأهداف الضربة.. لترك الباب مواربا معها.. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الوصول إلى حافة الهاوية.. حيث إن المطلوب هو إبلاغ رسالة وليس إشعال فتيل حرب عالمية لا تبقى ولا تذر.

١ـ فهل وصلت الرسالة؟

٢ـ وهل حقا أن سوريا هى من قامت بضرب شعبها بالغاز القاتل؟ وإذا لم تكن سوريا؟ فمن؟

٣ـ هل حقا أن الولايات المتحدة انتصرت للعدالة؟ وأى عدالة؟

٤ـ ما هذا الموقف الذى اتخذه المؤيدون للضربة؟

٥ـ قد يتفهم البعض الموقف البريطانى أو الفرنسى أو الألمانى والإسرائيلى والتركى.

٦ـ ولكن كيف نتفهم موقف الدول العربية المرحبة، أو حتى موقف المعارضة السورية؟

٧ـ وهل آمن المرحبون على أنفسهم غدرة الزمان؟

وللإجابة فى كلمات موجزة عن الأسئلة السبعة العجاف:

١ـ وصلت الرسالة التى أرادها الرئيس الأمريكى، أنه غير محمل بأى فواتير لروسيا.

أما الرسالة إلى روسيا وباقى دول المنطقة أن الولايات المتحدة لا يمكن أن يتم تجاهل دورها الأساسى والفاعل فى المنطقة وفى أى تسوية.

والرسالة الخاصة إلى إسرائيل «أنساك إزاى، إزاى أنساك إزاى».

٢ـ هل سوريا هى من قامت بضرب شعبها فى خان شيخون بغاز الزارين، والإجابة التى لا تغيب عن أى عاقل أن الجيش السورى كان فى استطاعته إحداث خسائر بالمعارضة فى خان شيخون باستخدام الأسلحة التقليدية أضعاف ما حدث بالأسلحة الكيماوية دون أن تعرض سوريا نفسها لكل ردود الفعل المتوقعة هذه.

أما عن الطرف الذى دبر هذه المكيدة بليل فهناك الكثير بدءا من إسرائيل إلى تركيا إلى المعارضة السورية نفسها.

٣ـ وعن انتصار الولايات المتحدة للعدالة، فأين كانت هذه العدالة منذ خمس سنوات قتل فيها أكثر من ٣٠٠ ألف شخص سورى وشرد أضعاف أضعافهم، أين كانت هذه العدالة قبل أسبوعين عندما قتلت غارة جوية أمريكية أكثر من ٢٣٠ مدنيا بينهم أطفال ونساء فى الموصل العراقية؟

وأين كانت من استخدام إسرائيل لكل الأسلحة غير المشروعة ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة فى عمليات - الرصاص المصبوب - وعمود الغيم - والجرف الصامد. وأخيرًا هل يتم تحقيق العدالة بتطبيق القانون الدولى العام ومن خلال آلياته ومؤسساته، أم بضرب عُرض الحائط به والتصرف منفردًا دون حتى أى تحقيق أو تقصى حقائق للتأكد من الجانى الذى ارتكب هذه الجريمة. وعن المؤيدين للضربة من الدول الأوربية، فإن بريطانيا التى لم تنتصر فى أى حرب خاضتها إلا بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية بدءًا من الحرب العالمية الأولى والثانية وصولًا إلى فوكلاند. وكذا باقى الدول الأوربية الحليفة، أما عن تركيا وإسرائيل فغنى عن البيان الكلام بشأنهما.

وعن الأخوة والأشقاء بنى جلدتنا وعروبتنا فلا تعليق متمنيا ألا يأتى اليوم الذى يرددون فيه:

«أكلت يوم أكل الثور الأبيض».