حوار: فاطمة قنديل
ما بين الأحداث، التى شهدها الشارع المصرى مؤخرا، وما تحمله الصفحات التاريخية حول معاناة الأقباط، دار الحوار مع الكاتب الصحفى، المتخصص فى الشأن القبطى، سليمان شفيق.
«شفيق» تحدث باستفاضة عن الأسباب، التى ترتب عليها استمرار العمليات الإرهابية، التى تتعرض لها الكنائس، كما ألقى الضوء على موقفه من وزارة الداخلية، والخطط الأمنية، التى تتبناها الوزارة لمواجهة الأفكار المتطرفة.. وعن تفاصيل هذا الأمر وأمور أخرى كان الحوار التالى:
بداية.. كيف ترى حادث تفجير كنيسة مارجرجس فى طنطا والكنيسة المرقسية فى الإسكندرية؟
ما يحدث الآن فى مصر من استهداف للكنائس، هو موضوع أكبر بكثير من التعامل معه بشكل طائفى أو شكل دينى، الحقيقة أن المستهدف هو الدولة المصرية فى شخص تلك الكنائس.
كما أعتقد أن ما حدث مرتبط بنجاح زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هناك من لا يمتلك وجهة النظر تلك.. وتحكمه روح الغضب والثورة.. تعقيبك؟
أولا.. الكنيسة على مدار تاريخها «كنيسة شهدا»، وهناك كتاب مهم جدا فى التاريخ يقرأ فى كل صلاة فى الكنيسة يسمى «السنكسار»، وهو تاريخ الشهداء ومفتوح لتسجيل الشهداء منذ أول شهيد، وهو مارمرقس مؤسس الكنيسة، وحتى آخر شهيد استشهد فى الإسكندرية وطنطا، وبناءً عليه هى كنيسة شهداء.
الجانب الآخر هو أنها كنيسة وطنية، وإذا سألنا أى مواطن فى أى دولة فى العالم أنت تنتمى لأى كنيسة سيقول أنا من الكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا على سبيل المثال أو المشيخية فى أمريكا، بينما المواطن المصرى المسيحى سيقول أنا من الكنيسة القبطية «والقبطية هنا تعنى الوطن»، وبعد ذلك سيقول الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو الإنجيلية وهى «العقيدة»، وبناءً عليه لاهوت الوطن يسبق لاهوت العقيدة، وأن الوطن يسبق العقيدة عند المواطنين المصريين المسيحيين.
الجزء الثالث والمهم أن التاريخ القبطى وهو الشهور القبطية اسمه تاريخ الشهداء المسيحيين، ويؤرخ منذ أول شهيد سقط، وهذا المكون المصرى القبطى يدفع دائمًا الثمن من دمه كثيرًا جدًا دفاعًا عن الوطن، والتاريخ يذكر ذلك كثيرًا منذ أن جاء الصليبيون إلى مصر وقف المسيحيين مع إخوانهم المسلمين ضد الصليبيين، رغم أنهم كانوا مُضطهدين اضطهادا غير عادى من الحُكام الأيوبيين آنذاك، وإذا نظرنا إلى مصر الدولة الحديثة نجد أنه فى ١٨٠٤ البابا العظيم مرقس الثامن مع عمر مكرم مع فضيلة الإمام الأكبر محمد الشرقاوى، وآخرين صاغوا أول وثيقة دستورية فى الشرق والرابعة فى العالم بعد الفرنسية والإنجليزية والأمريكية، وعزلوا الوالى خورشيد، وفى عام ١٨٨٢ البابا كيرلس الخامس وقف بجوار الزعيم أحمد عرابى ودافع عنهم، ووقع على وثيقة عزل الخديو توفيق.
أيضا الباب كيرلس الخامس وقف بصلابة مع سعد زغلول فى ثورة ١٩١٩، ووقف فى ثورة ١٩٥٢، وبعد احتلال الأرض نجد البابا كيرلس السادس والأنبا صموئيل لعبا دورًا كبيرًا فى إزالة أثار العدوان وجعلا أثيوبيا تسحب اعترافها بإسرائيل، ومن ثم أكثر من ٤٠ دولة فعلت ذلك.
أيضا نجد فى حرب أكتوبر ٧٣ أحد القادة البارزين فى الجيش اللواء فؤاد عزيز غالى، هو الذى تولى عملية تحرير العريش، كما أن صاحب فكرة تدمير خط بارليف بالمياه هو اللواء باقى زكى يوسف، وكان حينها برتبة عقيد.
وهنا أيضا الأب متى المسكين وبيت التكريس فى حلوان كان لديهم نشرة تصدر يكتبها الرهبان وهى «كتابات خلف خط النار»، وفى ثورة ٢٥ يناير كانت الكنيسة موجودة فى الثورة وسقط فيها الكثير من الشهداء الأقباط، وفى ٣٠ يونيه و٣ يوليو نجد البابا تواضروس الثانى مع الرئيس السيسى عندما كان وزيرًا للدفاع ومع فضيلة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، إذن الأقباط الوطنيين المصريين جزء من هذا المكون.
وفقا للسرد التاريخى السابق.. بما تفسر الحالة التى تحدثنا عنها فى السؤال السابق؟
هذا المجمل كله جعل الأقباط يتوقعون مستوى أفضل من هذا بعد ٣٠ يونيه، ولكن هذا لم يحدث ليس مع المسيحيين فقط، ولكن مع المصريين بشكل عام، وإذا نظرنا إلى الشهداء الذين سقطوا منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة نجد أن أغلب الشهداء، الذين سقطوا من القوات المسلحة ثم الشرطة ثم الأقباط، وهو ما يؤكد أن الهم مشترك.
كما أننى أعلم تمام العلم أن الأقباط هنا يُضطهدون مرتين لأن شهداء الجيش والشرطة يسقطون دفاعًا عن وطنهم، ولكن المسيحى يسقط دفاعًا عن وطنه وعن دينه، وهذا هو المؤلم ومع ذلك هو مستهدف بنسبة ٧٠٪ للدور الوطنى و٣٠٪ للدور الدينى، وأنه لعمل جبان أن يستهدف أحد مرتين مرة بسبب وطنه وأخرى بسبب دينه وهو آمن ويصلى، لكننى أصر أن الأمر هنا لا يتعلق بالمسيحيين فحسب بدليل أنه فى نفس اليوم ضُبطت عبوة فى أحد المساجد، وتم إبطال مفعولها وكان من الممكن أن تحدث كارثة يسقط فيها شهداء مسلمون.
هل ترى أن هناك تقصيرا أمنيا، خاصة تكرار مثل هذه الحوادث إضافة إلى تفكيك عبوات ناسفة فى كنيسة طنطا منذ أقل من أسبوعين الأمر الذى كان يتطلب حذرا أكثر؟
الموضوع أكبر بكثير من التقصير، وبالفعل لدى تساؤل وخاصة فى طنطا حدث تفكيك لإحدى العبوات التفجيرية فى نفس الكنيسة، التى حدث بها التفجير الأحد الماضى، وحدث كذلك تفجير آخر فى قوات الأمن راح ضحيته جنود وضباط، أين معلومات جهاز الأمن الوطنى، وهو الجهاز المنوط به جمع المعلومات، خاصة أن هذا الحادث لم يمر عليه كثيرًا وفى نفس الكنيسة.
الموضوع أكبر من التقصير ولذلك أطالب الرئيس السيسى بمراجعة منهجية مكافحة الإرهاب داخليا لأن ما حدث فى طنطا يضع علامة استفهام كبيرة أكبر من مجرد التقصير الأمنى، فكيف وصلت هذه العبوات إلى أسفل مقعد الأسقف وهو الأنبا بولا فى طنطا وفى الإسكندرية معروف أن البابا بالداخل؟!
ومع احترامى الكامل للشهداء من الشرطة والقوات المسلحة، هذا الحادث راح ضحيته ٤ من أفراد الشرطة دفعوا حياتهم ثمنًا للدفاع عن البابا تواضروس الثانى، إذن وزارة الداخلية فى مكافحتها للإرهاب تكافح برجالها، ما يجعلها هى نفسها مُستهدفة بدليل أن وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم تم استهدافه، وهنا أطالب بمحاسبة المسئولين فى الغربية والإسكندرية عن جمع المعلومات لجهاز الأمن لأنه واضح مثل الشمس أن المكانين مستهدفان بعناية، طنطا للمرة الثانية والإسكندرية حيث وجود البابا.
وكصحفى متخصص فى الإرهاب منذ سنة ١٩٧٨ وحتى الآن، أستطيع أن أجزم بأن الجهاز المنوط به جمع المعلومات ليس لديه معلومات كثيرة عن الخلايا الجديدة، بدليل تكرار مثل هذه الحوادث وبنفس الطريقة وفى أوقات متقاربة، والمهم هنا أن فى هذا الحادث استشهاد ضباط الحراسات، وبالنسبة لى الشرطة أهم من الأقباط لأنها تدافع عن المجتمع ككل، وإن لم تكن هناك إعادة للرؤية الأمنية الداخلية فى مكافحة الإرهاب سيدفع أفراد الشرطة الثمن قبل الأقباط وأكثر منهم، وبناءً عليه كل من يخرج الآن من الضباط المتقاعدين لكى يقولوا لنا بأنه لم يحدث تقصير ، فهو متواطئ مع التقصير لأن حماية جهاز الأمن تسبق حماية المجتمع، ولذلك يجب على وزير الداخلية تقديم استقالته، ويقول أنا أقدم استقالتى لأن السياسة الداخلية الأمنية فاشلة.
إذن لكى نحمى المجتمع علينا أولا أن نحمى جهاز الشرطة حتى يكون قادرًا على حمايتنا لأنه يدفع الثمن أكثر من الآخرين، وتقريبا ثلاثة أرباع الشهداء الذين سقطوا خلال الفترة الماضية من القوات المسلحة والشرطة.
والقضية هنا ليست تقسيم الشهداء إلى مسيحيين ومسلمين، ولكن هى قضية أنهم يضربون الكنائس فى مصر لأن الكنائس هى الحلقة الضعيفة التى تجعل الأقباط يثورون ولها صدى فى المجتمع الدولى، خاصة أنه من المنتظر زيارة البابا فرانسيس بابا روما يوم ٢٨ من الشهر الجارى.
هل تعتقد أن هذا الحادث من الممكن أن يؤثر على الزيارة المرتقبة للبابا فرانسيس بابا روما بتأجيلها أو إلغائها؟
البابا فرانسيس خرج اليوم من الشُرفة وأدان هذه التفجيرات الأليمة، وأعتقد أنه سيأتى إلى مصر وأتمنى ذلك، لأن الهدف الأساسى من هذه التفجيرات أن نضعف وجعل العالم يخشى زيارة مصر فأتمنى ألا يحدث ذلك.
بعض الأقباط خرجوا ثائرين بعد الحادث وعبروا عن غضبهم من النظام الحالى.. ماذا تقول لهم؟
متعاطف معهم جدا وأشعر بآلامهم فمصابُنا واحد وأعزيهم، لكننى أريد أن أقول لهم إن «المستهدف هو تفجير وطن فى صورة كنيسة» والهدف الأساسى اليوم هو إسقاط الوطن وعودة الإخوان، واليوم سألت نفسى هل الرئيس السيسى هو سبب المشكلة؟.. والإجابة الوحيدة كانت بالطبع لا، لأنه إذا «مشى السيسى» هل الإرهاب سيتوقف؟.. بالطبع لا.
وأعود لأؤكد ضرورة إعادة النظر فى السياسة الأمنية الداخلية ضد الإرهاب ولا بديل عن ذلك لأن الجيش يضرب الإرهاب بقسوة فى سيناء وعلى الحدود، ولذلك يتسربون إلينا فى الداخل.
ونحن مع الوطن مهما حدث والكنيسة التى تم تفجيرها هى فى الأساس كنيسة شهداء، وكأننا بهذا الحادث نزداد إيمانًا مع كامل احترامى للجرح وحجمه، ولكن فى رأيى أنه على الأقباط أن يزيدوا إيمانهم بأنهم حماة الوطن وحماة الكنيسة، ونحن مستهدفون لأننا وطنيون من الدرجة الأولى وهذا ليس كلام شعارات وأنا أعزيهم وأعزى الوطن .