بقلم – الأب رفيق جريش
التفجيران اللذان تزامنا مع احتفالات المسيحيين فى مصر بـ «أحد الشعانين» جاءا بعد شهور من الهجمات الدامية التى هزت مقر الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية الواقعة بمنطقة العباسية فى العاصمة المصرية القاهرة فى ديسمبر الماضى، والذى تمكن فيه انتحارى من دخول الكنيسة وتفجير نفسه، ليسقط ٢٩ قتيلا. وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية « داعش» المسئولية عن الجريمة، متعهدا حينها بمزيد من الهجمات ضد الأقباط، المشكلة تكمن فى تنامى شعور الكراهية إزاء المسحيين بين المتشددين الإسلاميين، ومن المؤسف أنه لا توجد وسيلة آمنة لحماية الجميع طيلة الوقت. وهذا حقيقى فى كل دول العالم.
أغصان السعف التى يحملها المسيحيون خاصة الأطفال ترمز إلى السلام هذا الرمز الذى اغتيل بأيد آثمة اغتالت الفرحة فى قلوب المحتفلين، أحد الشعانين هو أحد أكثر المناسبات الدينية أهمية عند المسيحيين، وهو يسبق عيد الفصح بأسبوع ليتحول ذلك الاحتفال إلى مأتم وصراخ وعويل وأشلاء تتطاير ودماء تنزف بفعل الانفجار، محاولات دنيئة تقوم بها تلك التنظيمات الشيطانية تزيد شعب مصر تكاتفا وتفرض على الحكومة عبئا إضافيا فى سرعة القضاء على تلك التنظيمات الإرهابية لحماية البلاد.
لم يكن المصلون فى كنيسة مار جرجس بمدينة طنطا وفى كنيسة مار مرقس بالاسكندرية فى أحد الشعانين يعرفون أنها ستكون صلاتهم الأخيرة، الأغصان التى طالها دم الشهداء وتحول الاحتفال الكبير إلى مشهد اعتاد المسيحيون عليه فى الفترة الأخيرة. الكنيسة تتحول إلى حطام دماء تتناثر هنا وهناك.. وجثامين ملقاة وسط الحطام، كلها تقول للمسيحيين أن احتفالات هذا الأسبوع ستتحول لجرعة مضاعفة من الألم. لا صوت يعلو فوق صوت الآلام لأن يد الإرهاب قررت مجددًا أن تختارهم هدفًا لها موقعة العشرات منهم بين قتيل وجريح.
إن «مصر – هدف دائم للإرهابيين». وإن «العاصفة تهب بعد كل هدوء ظاهرى» إن الحرب الإرهابية فى مصر مستمرة منذ زمن. والإرهابيون من مختلف المجموعات المتطرفة يحاربون كل من له علاقة بالسلطات المصرية أو الجيش. وأن مصر منذ زمن مستهدفة لذلك لم يكن اختيار الإرهابيين موعد العمليتين الإرهابيتين فى أحد الشعانين اعتباطا. هذه العمليات هى دليل جديد على ضرورة توحيد جهود المجتمع الدولى فى محاربة الإرهاب.
وقد ندد الرئيس عبد الفتاح السيسى الهجوم فى بيان جاء فيه: هذا الإرهاب الغادر يستهدف الوطن بأقباطه ومسلميه ولن ينال أبدًا من عزيمة المصريين وإرادتهم الحقيقية فى مواجهة قوى الشر بل سيزيدهم إصرارًا على تخطّى المحن والمضى قدمًا فى مسيرتهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة .وأعلنت مصر الحداد ثلاثة أيام على ضحايا التفجيرين.
إن الحرب التى تتعرض لها مصر تؤكد مرة أخرى أهمية التكاتف والاصطفاف ووحدة الصف، فاستهداف المواطنين المسيحيين محاولة مقصودة لإحداث شرخ فى النسيج الوطنى وإحراج الدولة المصرية. لابد من دول العالم كافة التكاتف للقضاء على الإرهاب، وأن تكف بعض الدول عن دعم ومساندة الجماعات الإرهابية بأنواعها ومدهم بالدعم أو السلاح والوقوف أمام الدول التى ترعاهم. لابد من مواجهة الأعمال الإرهابية بكل قوة وحكمة وحزم، وتوحد مسلمين ومسيحين فى مواجهة الإرهاب وحماية مصر ومكونات المجتمع المصرى فى تعايش سلمي مع كل دماء جديدة تلطخ وجه الوطن علينا أن نثبت جميعًا بشكل عملى شعبًا وحكومة أننا عازمون على استئصال هذا المرض الخبيث من جسد وعقل وفكر ووجدان الأمة، كذلك تعديل قانون الإجراءات القانونية لإفساح المجال أكثر أمام أجهزة الأمن للتصدى بحسم لهذه التنظيمات الإرهابية وقانون العقوبات وقانون حاسم للضرب بيد من حديد على أيادى دعاة التمييز والحض على الكراهية، ومنع ترويج الأفكار المعادية وإفساح المجال أمام رموز الاستنارة من العلماء والمفكرين والمثقفين والفنانين لإنقاذ الآلاف من شبابنا وتنقية مناهج الأزهر من الآراء الفقهية المتشددة والمتطرفة فهناك بعض التنظيمات الإرهابية التى تتبنى هذه المفاهيم بطرق خاطئة فى التنفيذ مما يسىء إلى الإسلام وتصدى علماء الأزهر للموجات الإرهابية فكريا، والضعيفة علميا ومراجعة مناهج التعليم بشكل عام حتى يخرّج أجيالًا تملك عقولا مستنيرة غير ملوثة.
الإرهاب وفكره لا يقاوم بالسلاح فقط ولكن يقاوم بالفكر والخطاب الدينى المستنير، نتمنى أن الإرادة السياسية للدول الكبرى أن تكون فى هذا الاتجاه ولتتجرد من نظرتها الأنانية الضيقة لمصالحها.
هذه الأعمال الآثمة لن تكون آخر العمليات الإرهابية لأن الدولة تحارب الإرهابيين ولا تحارب الفكر الإرهابى وهو أساس المشكلة.
ليعزى وليقوى الله أهالى الشهداء ولنكن ثابتين على إيماننا ونحن نعلم جيدًا أن الإرهارب ليس له دين لأنهم لو عرفوه لما عملوا هكذا.