تحقيق: إيمان النجار
وقائع الإرهاب المتكررة ضد الأقباط لن تنال من نسيج المجتمع، السلام الاجتماعى لم يتأثر بعد، الخوف وعدم الشعور بالأمان مسألة وقتية، لم يصل الأقباط لمرحلة الانفصال النفسى عن المجتمعى، السلام المجتمعى قائم على تاريخ وعلاقة ممتدة بين المسلمين والأقباط.. جميعها عبارات ذكرها خبراء طب نفسى وعلم اجتماع، فى وصفهم وتحليلهم لحال الأقباط بعد وقائع الإرهاب التى تستهدفهم، لكنهم فى نفس الوقت أوضحوا التأثير السلبى لهذه الوقائع ورغم أنه لا يدوم لوقت طويل، إلا أنهم طالبوا بمزيد من الجهد من جميع الأطراف والمؤسسات لدعم هذا التماسك المجتمعى، وحتى لا نصل بهم إلى الاغتراب المجتمعى، خاصة الأطفال والشباب منهم.
من جهته قال د. يسرى عبدالمحسن، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة: ما حدث من عمليات إرهابية بداية الأسبوع الجارى أعمال إجرامية وللأسف كانت متوقعة، لأنها ليست المرة الأولى التى تحدث أثناء احتفالات أو أعياد الإخوة الأقباط، وهذا معناه أن هناك هدفا واضحا لدى القائمين على هذه الوقائع، يتمثل فى رغبتهم خلخلة المجتمع والتقليل من قيمة الإنجازات التى تحدث على أرض الواقع، سواء على المستوى المحلى أو الدولى، فالواقعة الأخيرة جاءت بعد زيارة الرئيس السيسى لأمريكا، بهدف نسف ما يتحقق من إنجازات على المستوى الدولى لمصر.
وحول تأثير تلك الحوادث على المجتمع قال: رغم أنهم يهدفون لخلخلة المجتمع إلا أن التأثير غالبا ما يكون وقتيا، ويزول أثره مع مرور الوقت ومع وجود قصاص عادل وسريع ورادع لهؤلاء، والأمر لا يرتبط بفرد يفجر نفسه فقط، فهذا ليس عملًا عشوائيًا، لكنه عمل مدبر ومخطط وبدعم خارجى ومدروس من حيث المكان والزمان لإحداث هذا الجرم.
واستطرد: الحوادث الإرهابية من الطبيعى أن يصاحبها شعور بفقدان الأمان والخوف وحتى الانزواء عن الآخرين، لكن سرعان ما يتلاشى هذا التأثير لدى الكثيرين بعد فترة زمنية تطول أو تقصر حسب قدرات كل شخص، والحمدلله حتى الآن ورغم تكرار مثل هذه الوقائع لم يتأثر السلام المجتمعى بين الطرفين المسلمين والأقباط، وجميعنا نعرف عدد الكنائس التى تم حرقها أو عدد العمليات الإرهابية التى تكررت مستهدفة الأقباط، وهذا فى حد ذاته استهداف عقيم وخائب، صحيح قد توجد ثغرات أمنية، لكن الإرهاب يحدث فى أى مكان ليس فى الكنائس فقط، فيحدث فى أى مكان فى مصر وأى مكان فى العالم كله، ولكن لا يزال المجتمع متماسكا ومسألة الانفصال عن المجتمع نفسيًا مسألة مؤقتة ونفس الحال فى بقية حالات الشعور الأخرى، سواء خوفا أو كراهية أو غيرهما، ويخفف من وقع هذا الشعور رد الفعل من القيادة السياسية وحجم الاهتمام الذى يناله الحدث على المستوى الرسمى، والمهم هو سرعة القصاص، فالقصاص السريع والعقاب الرادع “يشفى غليل” المجتمع ككل وأهالى الشهداء والمصابين بصفة خاصة.
وأضاف «د. يسرى»: بالنسبة للقائم بمثل هذه الجرائم هو شخص حدثت له عملية غسيل مخ، هو ألعوبة فى يد المخططين، هو شخص وصل لمرحلة عمى البصيرة وعمى القلب وعمى فى الفهم العام هو فقط أداة لتنفيذ كل هذه الجرائم، أما التعامل مع أهالى المصابين والشهداء يحتاج لمزيد من الدعم والجهد سواء على المستوى الرسمى من شئون اجتماعية أو مجتمع مدنى، كل يدلى بدلوه فى المساندة المادية أو المعنوية، وفى نفس الوقت تقوم دور العبادة من مساجد وكنائس بدورها فى دعم السلام الاجتماعى.
فى ذات السياق قال د. عادل المدنى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: الهدف من مثل هذه الجرائم ليس وقوع قتلى فى الأساس، الهدف هو التقسيم والفرقة. وإيجاد مجموعات ضد أخرى، والهدف هو الترويع والتخويف وتوصيل فكرة عدم الأمان لفئة معينة لتفكيك الوحدة المجتمعية، وتوصيل فكرة أنهم «أقلية» غير آمنة فى هذا المكان، لكن كل هذه الأهداف الحمدلله لم تصل إلى نتائج مثمرة لهم، فالأقباط فى مثل هذه الجرائم ينقسمون من حيث التأثير النفسى إلى مجموعتين، الأولى تخاف ويصل لها شعور سريع بعدم الأمان ويتكون لديها شعور سلبى تجاه المجتمع ككل وتجاه الأمن تجاه المسلمين، لكن بعد انتهاء تأثير الصدمة يبدأون فى التفكير ويصلون إلى الهدف من الرسالة ويعودون للاندماج مرة أخرى فى المجتمع وتقل المخاوف ويعودون إلى المجتمع أكثر اقتناعا وأكثر تصميما وليس أكثر خوفا.
وأكمل: المجموعة الثانية هى التى تدرك وتفهم معنى الرسالة من البداية وتعى أن الهدف ليس الأقباط فقط، لكن المجتمع ككل ومن أول لحظة يكونون متفهمين الموقف ويزيد ترابطهم، وكلتا المجموعتين لا تصلان لمرحلة الانفصال النفسى عن المجتمعى لأنهما فى النهاية تصلان إلى فهم الهدف، وهو إحداث فرقة بين الأقباط والمسلمين، خاصة أن النسيج المجتمعى المصرى الشرقى الوطنى هو أكثر ما يميز المجتمع المصرى وأكثر شىء يريدون هدمه ويحاولون النيل منه، لكن كل هذه التأثيرات وقتية، ومن المهم هنا أن نوضح أن التأثير السلبى ليس على الإخوة المسيحيين فقط لكن على المسلمين أيضا فمشاهد القنابل والحرائق والدمار والأشلاء والدماء وغيرها من آثار التفجيرات لها تأثير سيئ على كل من يراها، فكل شخص يرى المشهد يفترض وجوده فى مكان الحدث ويقول «لو كنت فى المكان».
وواصل حديثه: من المؤكد أن التأثير النفسى يزداد بين أصحاب الدائرة القريبة من الحدث سواء أهالى الشهداء أو المصابين، وهنا واجب من هم فى الدائرة الكبرى من أفراد المجتمع تقديم الدعم النفسى لهم سواء من خلال زيارات أو تعازى، أو أحاديث معهم حول فكرة السلام المجتمعى والتلاحم والعيش فى مجتمع واحد، والمشاركة فى احتفالاتهم، بجانب تكثيف جهود التأمين والحرص من قبل الجهات الأمنية، بجانب تعاون الجمهور بالإبلاغ عن أى مشتبه فيه، فهؤلاء الأفراد هم موجودون فى جوارنا فى البيوت فى الحوارى فى المنطقة.
وأكد أن فكرة ومسألة السلام الاجتماعى أو المجتمعى والحرص على عدم تأثره، فتأثر السلام المجتمعى واهتزازه بالصدمة لا يدوم لفترة طويلة، لأنه مبنى على تاريخ، المسلم جار المسيحى، المسلم صاحب المسيحى، يلجأون لبعضهم البعض ويساندون بعضهم البعض والشىء المبنى على تاريخ من الصعب هدمه.
من جانبها قالت د. إجلال حلمى، أستاذ علم الاجتماع بآداب عين شمس: قدرنا أن يواجه المجتمع المصرى كله وليس الأقباط فقط الإرهاب، قدرنا أن نبتت بذرة سيئة دعمتها بلدان مختلفة تريد القضاء على المجتمع المصرى بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة، وعلينا وعلى الأقباط والمجتمع ككل فهم وإدراك حجم الخطر، صحيح أن جرائم الإرهاب داخل الكنائس وبشكل متكرر فى مناسبات لهم وإزهاق أرواح بريئة آمنة تؤثر على الأقباط فيصل لهم الشعور بعدم الأمان، شعور بالتقصير الأمنى، لكن فى نفس الوقت هم يدركون ما يحدث فى العالم ككل، ووقائع الإرهاب هذا الأسبوع جاءت كانتقام بعد المداهمات الأخيرة فى جبل الحلال وفى مناطق أخرى فى سيناء والقبض على خلايا لهم فى أماكن متفرقة، ورغم أنه اتضح خلال السنوات الأخيرة استهداف للأقباط وأعلنوا مهاجمة الأقباط، إلا أن الأخطر فى الواقعة الأخيرة استهداف الكنيسة التى كان بها البابا، وهذا أمر خطير ويزيد من غضب الأقباط لاستهداف رمز كبير من رموزهم.
وأضافت: مثل هذه الوقائع والجرائم لن تؤثر على نسيج المجتمع، فالتعامل مع الأحداث يكون بصورة لحظية تستمر لفترة ثم الحياة تستمر، لكن بلا شك تترك أثرا سلبيا لدى الكثيرين، ولو أجريت دراسات على الأفراد الذين تعرضوا لهذه الأحداث بالتأكيد ستصل إلى أن بعضهم يحتاج لدعم نفسى، خاصة الأطفال منهم، فعندما يرى الأطفال هذه المشاهد فإنها تترك أثرا سلبيا، وسوف يتراكم مع الوقت إحساس لديهم قد يصل إلى الكراهية، أما الكبار فلن يصلوا لمرحلة الكراهية للمجتمع أو المسلمين لأنهم تربوا ونشأوا على العلاقة الجيدة بين المسلمين والأقباط، فالأطفال هم الأكثر تأثرًا فإذا كانت الكراهية قد تحدث على المدى البعيد فهم أيضًا عرضة للتوتر النفسى أو الفشل الدراسى أو غيرها من الجوانب النفسية والمجتمعية مثل العزلة وعدم الرغبة فى التعامل مع الآخرين.
وأكملت: للأسف هناك جوانب سلبية كثيرة فى تعامل وسائل الإعلام، خاصة شاشات الفضائيات، من حيث عرض وتكرار عرض مشاهد مؤلمة لمواقع الأحداث، وتكرار أسئلة سواء لشهود عيان أو محيطين، لتجعل الصورة أكثر ألمًا بأسئلة عن وصف الحالة والشعور أثناء سماع الانفجار أو عند رؤية مشهد الأشلاء، فماذا يكون شعور الشخص عندما يرى ذراعًا أو أرجلًا مقطعة أمامه؟!، أيضًا سؤال المسئولين كل دقيقة كم عدد القتلى؟ ونسمع أرقامًا مختلفة من قناة لأخرى، كل هذه الأمور لها تأثير سلبى على نفوس المشاهدين وبالأخص الأطفال.
وأردفت: مع كل هذا فلن ينال الإرهاب من نسيج المجتمع المصرى وسلام المجتمع المصرى، فالكثيرون يدركون ما يدور فى مصر والعالم العربى والعالم كله، لكن لابد من بذل مزيد من الجهد من مختلف الجهات وفئات المجتمع لعدم إتاحة الفرصة لهذه الفئة الضالة لتقوم بما تريده من القضاء على نسيج المجتمع المصرى المتماسك أو نزع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين أو الوصول للطائفية، وهذا ما لا نريده أن يتحقق ولا نترك الفرصة لهذه الأحداث أن تدمر العلاقة التاريخية بين المسلمين والأقباط، هم يريدون خلق سلوك متبادل كما يحدث بين السنة والشيعة فى العراق، هم يحاولون خلق فتنة بين الطرفين، والحمدلله لم نصل إلى مرحلة السلوك المتبادل، والدليل على ذلك أننا لم نر مسيحيا يفجر نفسه فى مسجد أو بين مسلمين وهذا ما ندعو ألا نصل لهذه المرحلة من السلوك المتبادل.
وحتى يستمر السلام المجتمعى وحتى يظل المجتمع المصرى نسيجه متماسكا، طالبت الدكتورة إجلال حلمى، بوضع مثل هذه الوقائع موضع اهتمام فليس فقط المهم التعامل مع الحدث فى وقته وهذا أمر ضرورى، وأكملت: لابد من التعامل معه على المدى البعيد بداية من المناهج الدراسية فإذا كنا فى المرحلة الابتدائية وما بعدها نفصل التلاميذ وقت “حصة” الدين فلماذا لا تجمعهم حصة لتعليم السلوك القويم، المبادئ الآيات القرآنية، والنصوص المسيحية التى تعطى نفس المعنى وتحمل أفكار سماحة الإسلام والمسيحيين والأخلاق والترابط ويشارك فى ذلك المسئولون عن وضع المناهج الدراسية ومعهم رجال الدين ومعهم أطباء نفسيون.
وأنهت حديثها بقولها: يجب أيضا التحرك على كافة المستويات كأن تنظم وزارة الثقافة ورشة عمل ومؤتمرات لإظهار أن نسيج الأمة أهم شىء، وعدم ترك فرصة لهذه الأحداث أن تدمر العلاقة بين الطرفين، فنحن نحتاج مزيدا من الجهد من المتخصصين لاستمرار التلاحم الاجتماعى وتماسك نسيج المجتمع من خلال المدارس، الجامعات، الأندية، دور العبادة، فمثلًا رجال الدين الإسلامى والمسيحى لديهم علم عظيم وينظمون اجتماعات محلية وعالمية لكن لم نر ترجمة على أرض الواقع لهذا العلم، لابد من التحرك الجدى حتى لا نصل إلى مرحلة الاغتراب المعنوى أو الانزواء أو العزلة أو حتى الانفصال عن المجتمع من قبل الإخوة الأقباط، كما أننا فى حاجة لإعادة دمج الأطفال فى محيط الأسرة والجيران.