رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بريطانيا أمام تصويت تاريخي وحاسم يحدد مصير "بريكست"

11-12-2019 | 08:40


تتجه أنظار العالم غدا الخميس إلى بريطانيا حيث تشهد تصويتا تاريخيا وحاسما في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي ستحدد مصير البلاد لسنوات قادمة ومستقبل علاقتها مع الاتحاد الأوروبي.


يبقى ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بــ "بريكست"، هو الملف الحاسم الذي يلعب دورا محوريا في تحديد توجهات واختيارات الناخبين غدا أمام صناديق الاقتراع، ويعتبر محددا أساسيا لما ستسفر عنه نتائج السباق الانتخابي المنتظر.


ويتطلع رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون إلى الحصول على الأغلبية المطلقة لحزبه المحافظين في البرلمان البريطاني، والتي ستكمنه من تنفيذ اتفاق "بريكست" في الموعد المحدد له في 31 يناير المقبل، مؤكدا أنه "سيقاتل من أجل كل صوت"، وشدد على أن تأثير هذه الانتخابات سيستمر "لعقود".


في المقابل، أكد زعيم حزب العمال جيرمي كوربن أنه في حالة فوزه في انتخابات الغد فإنه سيقوم بإعادة التفاوض على اتفاق الخروج مع بروكسل وسيطرحه في استفتاء ثاني أمام المواطنين للاختيار بينه وبين البقاء داخل الاتحاد الأوروبي.


وكشفت آخر استطلاعات الرأي تقدم حزب المحافظين بزعامة جونسون على حزب العمال المعارض بفارق يتراوح بين 8 و15 نقطة، حيث بلغت نسبة التأييد للمحافظين نحو 43%، بينما تأرجحت ما بين 33 و36% لحزب العمال.


ويرى المراقبون أنه على الرغم مما تظهره استطلاعات الرأي غير أنه يصعب التنبؤ بنتائج السباق الانتخابي التي لا يمكن حسمها إلا بعد الإعلان عنها رسميا، لاسيما على الساحة البريطانية التي دائما تشهد مفاجآت في اللحظات الأخيرة تقلب المشهد السياسي رأسا على عقب.


فمثلما حدث في استفتاء يونيو 2016 الذي رجحت الاستطلاعات تصويت البريطانيين لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، جاءت النتائج مؤيدة للانفصال بنسبة 52% وهو ما شكل مفاجأة صادمة في البلاد التي دخلت في سنوات من الضبابية والاضطراب. كما جاءت نتائج انتخابات عام 2017 مخالفة للتوقعات حين خسر المحافظون الأغلبية في انتخابات مبكرة دعت إليها رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي.


إضافة لذلك فإن هناك شريحة واسعة من المواطنين لم تحسم رأيها بعد بشأن توجهاتها الانتخابية، فضلا عن عدم رغبة الكثيرين في الإدلاء بأرائهم بشكل صريح، وهو ما يجعل من استطلاعات الرأي آلية غير دقيقة في توقع النتائج.


والواقع أن بريطانيا تقف حاليا أمام منعطف تاريخي وعدة سيناريوهات مفتوحة. فمن ناحية، فوز حزب جونسون بالأغلبية المطلقة سيؤدي إلى إتمام عملية بريكست في موعدها الشهر القادم، وعدم تمديد فترة انتقال ما بعد الانسحاب المقرر موعدها في ديسمبر 2020 ومحاولة التوصل خلال تلك الفترة إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. أما إذا فاز المحافظون بالأغلبية المحدودة فإن ذلك على الأرجح سيعرقل الحصول على موافقة مجلس العموم على اتفاق الخروج، خاصة أن حزب المحافظين ليس لديه شركاء واضحين بين الأحزاب الأصغر حجما، وهو ما قد يدخل البلاد في حلقة مفرغة من الأزمات نتيجة استمرار الوضع المضطرب وتزايد حالة الإحباط لدى المواطنين.


من ناحية أخرى، فإنه في حالة فوز حزب العمال بزعامة كوربن فإنه سيعيد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق جديد للبريكست ثم يعرض للاستفتاء على الجمهور، وهو ما قد يؤدي إلى تزايد حالة الشلل التي تشهدها البلاد.


ويبدو أن قضية البريكست، التي تهيمن على المشهد الانتخابي البريطاني، تؤثر بشكل واضح على الأوضاع الاقتصادية في البلاد. فقد كان من الملاحظ أنه مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية وتنامي المخاوف بشأن احتمالية الخروج غير المنظم من الاتحاد الأوروبي، ظهرت بعض علامات التباطؤ على الاقتصاد البريطاني حيث نما في شهر أكتوبر الماضي بأبطأ وتيرة سنوية له منذ ما يقرب من سبع سنوات، وهو ما ساهم في زيادة الحذر بشأن الاستثمارات منذ هذا الوقت.


في المقابل، بدا واضحا أنه مع تزايد التوقعات بفوز المحافظين بالأغلبية البرلمانية فإن ذلك ينعكس إيجابا على المؤشرات الاقتصادية للبلاد والجنيه الاسترليني، الذي سجل أعلى مستوياته الأسبوع الماضي، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى الثقة التي يوليها المستثمرون في جونسون الذي تعهد بإطلاق العديد من الاستثمارات في بريطانيا، مؤكدا أن تنفيذ "بريكست" سيمكن من الانتقال إلى الاستثمار في البنى التحتية والتعليم والتكنولوجيا.


في ضوء المشهد السابق وبالنظر إلى المرحلة الفاصلة التي تشهدها بريطانيا، يرى المراقبون أنه في حالة فوز جونسون برئاسة الوزراء- وهو السيناريو المرجح- فإن ذلك لن يكون ناتجا عن أنه السياسي الأكثر شعبية ولا الأكثر حنكة ولكن سيكون انطلاقا من رغبة البريطانيين في تغليب مصالح بلادهم وتجاوز هذه المرحلة المضطربة التي تمر بها، أملا في حسم قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي وتحقيق الاستقرار بعد سنوات من التأزم والمعاناة.