أكد الدكتور مصطفى
مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن التحول إلى الاقتصاد الرقمي والتوسع في الخدمات المالية
الإلكترونية؛ بات يمثل توجهاً ونهجاً عالمياً تتبناه مختلف دول العالم؛ سواء المتقدم
منها أو تلك التي لازالت تتخذ خطواتها في طريق التنمية والتقدم.
وأكد أن التحول إلى
الاقتصاد الرقمي هو أحد نتائج وثمار التفاعل بين تطبيقات الاقتصاد العالمي والثورة
المعرفية والتطورات المتلاحقة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لافتا إلى أن الدولة
قامت بإلغاء الدفع النقدي في مختلف الخدمات المقدمة من الحكومة وبدأت في تنفيذ منظومة
الدفع الإلكتروني لتجنب الرشاوي والفساد.
جاء ذلك خلال كلمته
أمام المؤتمر السنوي الرابع لمجلة الأهرام الاقتصادي والتي ألقتها عنه الدكتورة هالة
السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري.
وأوضح أن تطور أدوات
وأساليب الدفع الإلكتروني المختلفة أسهم في تزايد حجم معاملات السداد غير النقدي عالمياً،
وتزايد الاهتمام بتحقيق الشمول المالي، في ضوء ما يحققه ذلك من زيادة كفاءة السياسات
النقدية والمالية وتسهيل التسويات المالية؛ سواء في التجارة الدولية أو في إطار الاقتصادات
المحلية، وتحفيز النمو الاقتصادي وتهيئة بيئة الأعمال الداعمة للمنافسة والاستثمار
وخلق فرص العمل، بالإضافة إلى توفير أدوات للرقابة على المعاملات المالية لمواجهة الأنشطة
المالية غير الشرعية، لما يتمتع به الاقتصاد الرقمي من مزايا الإفصاح والشفافية والحياد
لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملية الرقمية.
وأضاف مدبولي أن
الاقتصاد الرقمي أصبح سمة أساسية من سمات العصر، فضلًا عن كونه يشكل جانباً مهماً من
الاقتصاد العالمي؛ موضحًا أن قطاع التكنولوجيا أصبح كذلك قطاعاً مؤثراً في أسواق المال
العالمية وقاطرة رئيسة للنمو وخلق فرص العمل، متابعًا أن بعض الشركات المعتمدة على
التكنولوجيا تستطيع تحقيق إيرادات تفوق بكثير الدخل القومي للعديد من الدول.
وأشار إلى سوق البيانات
والخدمات القائمة عليها والذي يمثل قطاعاً كبيراً من الشركات ذات الإيرادات الأعلى
على مستوى العالم، ليس فقط لأهمية البيانات بل لقيمة المعرفة المُكتسبة منها لينتج
ما يعرف حالياً باقتصاد المعرفة.
وأكد رئيس الوزراء
أن الاهتمام بقضايا المعرفة والاستثمار في التكنولوجيا أصبح خياراً لا يحتمل الإرجاء
بل أصبح ضرورة تفرضها التحديات التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مختلف
دول العالم، خاصة مع تزايد الدعوات لضرورة مواكبة متطلبات ما يعرف "بالثورة الصناعية
الرابعة" وما تفرضه من فرص وتحديات لعل أبرزها؛ التغير المستمر في أساليب الإنتاج
والأهمية النسبية لعناصره، والاحتمالات المتزايدة لاختفاء وظهور أنماط جديدة من الوظائف،
وذلك في ظل الاتجاه المتزايد إلى الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا، فضلًا عن الميكنة المتطورة
في عمليات التصنيع، وانتشار الذكاء الصناعي، وتعاظم دوره في مجال الأعمال في إطار سعي
المؤسسات لزيادة قدرتها التنافسية، موضحًا أن ذلك يتيح لها قدرة أكبر على التحرك بشكل
أسرع، و تحسين عملية اتخاذ القرار وزيادة الكفاءة التشغيلية.
وأشار مدبولي إلى
ما يشهده العالم من نمو متزايد في المدفوعات غير النقدية، والتي تدعم بقوة نمو الاقتصاد
العالمي، موضحًا أن إحدى الدراسات التي غطت 56 دولة تمثل نحو 93% من الناتج المحلي
العالمي في الفترة من 2009-2014 أشارت إلى أن الاستخدام المتزايد لمنتجات الدفع الإلكتروني
أضاف ما يقدر بنحو تريليون دولار إلى الناتج المحلي العالمي خلال هذه الفترة، وأسهم
ذلك في زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.8% في المتوسط.
وتناول رئيس الوزراء
الحديث حول جهود الحكومة إدراكًا لأهمية تعظيم الاستفادة من النمو المتسارع في مجال
الخدمات المالية التكنولوجية، لافتًا إلي تبني الحكومة توجهًا جادًا للتحول إلى مجتمع
رقمي، وتشجيع استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، وتحقيق الشمول المالي كأحد الدعائم
لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، وذلك باعتباره أحد الأهداف
الرئيسـة لخطط وبرامج عمل الحكومة لتنفيذ "رؤية مصر 2030"، وللخطة الشاملة
للإصلاح الإداري، كما يحظى هذا التوجه وما يتم في إطاره من خطوات وإجراءات تنفيذية
بدعم كامل من القيادة السياسية.
وأشار مدبولي إلى
قرار إنشاء المجلس القومي للمدفوعات برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي وعضوية البنك المركزي
المصري وعدد من الوزارات المعنية، كأحد أهم الخطوات التنفيذية لتحقيق هذا التوجه، فضلًا
عن قرار رئيس الجمهورية بشأن إنشاء المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي تعزيزًا لجهود تحول
الحكومة إلى المنظومات الرقمية.
وتابع، أنه تفعيلاً
لذلك أولت الحكومة المصرية اهتماماً كبيراً بتسهيل الإجراءات وتوفير الخدمات الحكومية
بشكل إلكتروني وتطويرها، بهدف تيسير حصول المواطنين على الخدمات في أي مكان وبأي وسيلة،
بما يسهم في تحسين جودة الحياة وتحقيق رضا المواطن على الخدمات المقدمة من الحكومة،
مشيرًا إلي الخطوات والمشروعات التي اتخذتها الحكومة في سبيل ذلك والتي تضمنت بناء
عدد من المنصات لتقديم الخدمات الحكومية المختلفة في مقدمتها بوابة الحكومة المصرية www.egypt.gov.eg فضلًا عن منظومة "تبادل" لتبادل
الخدمات والبيانات بين الجهات الحكومية.
وتناول مدبولي الحديث
حول مشروع تطوير وميكنة المراكز التكنولوجية لخدمة المواطنين، ويهدف هذا المشروع إلى
توفير خدمات المواطنين والمستثمرين بصورة حضارية وسريعة ودقيقة ومتكاملة في جميع أنحاء
الجمهورية، وذلك من خلال إتاحة نظام موحد يسمح بإدارة لامركزية على مستوي جميع الوحدات
المحلية في المركز والمدينة والأحياء بجميع المحافظات ودواوينها والمديريات الخدمية
والإدارات التابعة لها، مؤكدًا أن وزارة التخطيط استطاعت الانتهاء من تطوير نحو
(231) مركزاً للخدمات التكنولوجية حتى الآن، ومستهدف الانتهاء من ٣٠٠ منفذ بحلول
30 يونيو 2020.
وأضاف مدبولي لافتًا
إلى مشروع المواليد والوفيات ومشروعات ميكنة مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية،
تطوير نظم معلومات الإدارة المركزية للشئون الصيدلية، النظام المركزي للتطعيمات، ميكنة
مراكز ومعاهد الأورام، فضلًا عن مشروع فرض وإنفاذ القانون والذي يهدف إلى تحقيق سرعة
وفاعلية الحسم القضائي بجانب تحقيق العدالة الناجزة إلي جانب مشروع ميكنة مكاتب الشهر
العقاري والذي يهدف إلى رفع مستوى الخدمات المقدمة من مصلحة الشهر العقاري مما يحافظ
على الملكيات والحقوق ويوثقها ويشجع بيئة الاستثمار.
كما أشار رئيس الوزراء
إلى مشروع ميكنة وحدات ونيابات المرور بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين عن طريق
توحيد وتطوير دورات العمل بما يحقق تبسيط الإجراءات ويضمن تحقيق الشفافية في التعامل
مع المواطنين ومنع الفساد بكل أنواعه.
وتابع رئيس الوزراء
أن الدولة تسعي للاستفادة من عملية الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة كفرصة جيدة
نحو توفير بيئة رقمية حديثة، حيث أن هذا الانتقال ليس مجرد انتقال مكاني، وإنما انتقال
وتطور في الفكر والإداء بما يتواكب مع نظم وأساليب الإدارة الحديثة وبما يتلاءم مع
المستجدات في هذا المجال، لذلك يشكل انتقال المؤسسات الحكومية إلى العاصمة الإدارية
الجديدة فرصة جيدة للتحول الرقمي حيث يعمل على خلق بيئة عمل جيدة لا ورقية وتعتمد على
التكنولوجيا الحديثة، وهو يعد بدوره إحدى الركائز الأساسية لخطة الدولة لتحقيق الإصلاح
الإداري.
وأكد مدبولي في ختام
كلمته أن الأهمية النسبية لموارد الدول قد تغيرت؛ حيث لم يعد النفط والموارد الطبيعية
هي العنصر الحاسم، إذ تمثل الموارد البشرية والبيانات والمعلومات الأساس لجهود تحقيق
التنمية والتقدم، ومن ثم يحظى تدريب العنصر البشري وتأهيله بأولوية قصوى، باعتباره
الركيزة الرئيسة لخلق ثقافة رقمية تساعد المواطن على استيعاب التطور التكنولوجي العالمي،
وتطبيق الأساليب التكنولوجية الحديثة في الخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدًا أنه لا
يمكن لأي دولة أن تتقدم وتساير التقدم العالمي بمعزل عن التحول الرقمي المعتمد على
التكنولوجيا، والتي عملت على إعادة تشكيل الكثير من طرق الحياة الاعتيادية للأفراد
ومنظمات الأعمال من اتصال وبحث وبيع وشراء وتوزيع وحتى قضاء أوقات الفراغ، موضحًا أن
التقدم وسباق الزمن، لا يمكن أن يتم بمعزلٍ عن التكنولوجيا.