رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أبو الغيط: استعادة الأمن الجماعي العربي مفتاح أساسي للتعامل مع حالة عدم اليقين على المستوى العالمي

25-12-2019 | 12:22


 قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن استعادة الأمن الجماعي العربي تعد مفتاحا أساسياً للتعامل مع حالة عدم اليقين والسيولة على المستوى العالمي.


وأضاف أبو الغيط، في كلمته خلال محاضرة ألقاها أمام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية اليوم الأربعاء تحت عنوان "العالم العربي في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية"، إن أي نظام للأمن الجماعي يحتاج لاتفاق بين أعضائه على عدد من الأولويات، ونحن اليوم، أمام أولويات مختلفة ومتباينة من أقصى الغرب على ضفاف الأطلنطي إلى أقصى الشرق على ساحل الخليج، مؤكدا أنه لا يمكن أن تجتمع عناصر القوة من دون أن تضع الدول العربية أولوياتها الأمنية على الطاولة، بصراحة تامة وشفافية كاملة، وبحيث تقتنع كل دولة بأن الأمن الجماعي العربي لا يتحقق سوى بتلبية هذه الأولويات جميعاً، من دون تمييز بينها "لأن أمننا القومي العربي هو حاصل أمن كل دولة على حدة".


وقال "أبوالغيط" إن "إيران وتركيا وإسرائيل، كل منها تُشكل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي، بصور مختلفة ودرجات متفاوتة، وإن كان بين كل منها تقاطعات"، لافتا إلى "أن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل يُضعف من قدرتنا على التصدي لإيران التي طالما استغلت هذه القضية بقدر لا مثيل له من الانتهازية السياسية".


وأشار إلى أن التهديدين الإيراني والتركي يتقاطعان على الأرض السورية، وأن التهديد التركي صارخ في ليبيا، فضلا عن التهديد لمصادر المياه في الدولة العربية الأكثر سكاناً، هو أيضا تهديد للأمن القومي العربي في مجموعه.


ولفت أبو الغيط إلى تهديدات التسلح النووي والإرهاب وخطر"الحرب السيبرانية" والأوبئة ..مشيرا إلى أن كلها تهديدات ليس فقط للدول، وإنما لاستقرار النظم الاجتماعية والسياسية وجميعها ليست ببعيدة ـ للأسف - عن مجتمعاتنا ودولنا".


وتابع" علينا أن نُفكر بصورة غير تقليدية أمام تهديدات ومتغيرات ليس لها سابقة، وعلينا أن نتعامل مع ما يجري بقدرٍ من الخيال في التصور، والجرأة في الفعل، مشيرا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً يستحق الذكر والإشادة في التعامل مع المتغيرات وقراءة المستقبل والتحرك بجرأة وحكمة في ذات الوقت.


وقال أبو الغيط :" إنني أراقب ما تفعله الإمارات في مجتمعها وفي سياستها الخارجية بقدر كبير من الإعجاب والاحترام، فهي دائماً سباقةٌ ومبادرة، وسريعة الاستجابة والتكيف مع المتغيرات، وهي سماتُ النجاح في عالمٍ لا ثابت فيه سوى التغير المستمر.


وأضاف " إن القراءة السليمة للتيارات المستقبلية تقطع بنا نصف المسافة المطلوبة على الأقل نحو هدف تعزيز مصالحنا كعرب، وتعظيم استفادتنا من هذه المتغيرات، بجلب خيرها أو درء خطرها فقراءة ما يجري تضعنا على مسار سليم في الفكر والفعل على حدٍ سواء".


وقال "أبو الغيط إن السمة الأهم في عالم اليوم هي ذلك "اللايقين" وتلك السيولة التي تطبع التفاعلات والتغيرات" مشيرا إلى أنه في عالم "الحرب الباردة" كانت هناك ثوابت يُمكن الاستناد إليها لتوقع سلوك اللاعبين بدرجة معقولة من اليقين، وحتى في العقود الثلاثة التالية على الحرب البادرة كانت الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة تُعطينا بوصلة معقولة، أما اليوم فقد تعدد اللاعبون وتنوعت القضايا وتسارعت المتغيرات وتدافعت الأفكار الجديدة إلى حد يصيب أي صانع قرار بالحيرة الشديدة لأن مساحة المجهول بشأن المستقبل أكبر كثيراً من مساحة المعلوم وهو أمرٌ نرصد تبعاته بوضوح حتى لدى القوى الكبرى.


وأوضح أن هناك عاملين جوهريين وراء هذه الحالة من السيولة واللايقين على المستوى العالمي، الأول يتعلق بتركيبة النظام الدولي حيث إن النظام العالمي يمر بمرحلة خطيرة من إعادة التشكيل، ويقف في مفترق طرق ولا نعرف إن كان العالم سوف يذهب إلى نظام متعدد الأقطاب، أم يدخل في مرحلة جديدة من الحرب الباردة والتنافس بين قطبين "الولايات المتحدة والصين" أم يتحرك نحو مرحلة من الفوضى الشاملة؟.


وقال "أبو الغيط" إن كل من هذه الاحتمالات وارد، وهناك من الخبراء والسياسيين من يُرجح كل واحدٍ منها، مضيفا "أن ما نعرفه ونرصده بقدر معقول من اليقين هو أن لحظة الأحادية الأمريكية التي عاشها العالم منذ الحرب الباردة قد شارفت على نهايتها، ومرجع ذلك في تقديري هو تغيرات عميقة داخل الولايات المتحدة نفسها تدفعها تدريجياً إلى التخلي عن قيادة النظام العالمي".


وأوضح أن أهم هذه التغيرات يتعلق بأن المجتمع الأمريكي صار – في أغلبه - مقتنعاً بأن العائد من وراء القيادة الأمريكية لا يُبرر التكلفة الكبيرة التي تحملتها الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذه النزعة الانسحابية من القيادة العالمية بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولكن ربما عبر عنها "ترامب" بصورة أكبر بسبب أسلوبه المباشر الذي يُلامس الفجاجة أحياناً.


وحذر "أبو الغيط" من أن لحظات التغير في قمة النظام العالمي هي الأخطر والأكثر عرضة للانزلاق نحو الصراع حيث إن هناك دوماً قوى صاعدة تريد مواصلة صعودها، وقوى مستقرة على القمة تريد أن تمنع أو على الأقل تبطىء من عملية إزاحتها عن القمة، مشيرا إلى أن هذه الديناميكية تُشكل بيئة مثالية لاندلاع الصراعات "ونرى اليوم بوادر هذا الاتجاه في العلاقات الصينية - الأمريكية ونراه أيضاً في الدور الجديد الذي ترسمه روسيا لنفسها".


ونبه إلى أن هذه المتغيرات غير المحسومة في قمة النظام الدولي تضع منطقتنا العربية في موقف صعب، إذ تجد نفسها محل تنافس دولي سوف تتصاعد حدته في المستقبل، وهو ما نلمس مظاهره اليوم بوضوح، ويتعين علينا أن نقرأ دلالات هذه المتغيرات بدقة شديدة لأنها تتعلق بمستقبلنا".


وأشار إلى أن "إعادة التموضع الأمريكي" في المنطقة يُغري قوى إقليمية معينة بتجاوز الخطوط الحمر على نحو غير مسبوق، وبقدر من الاجتراء الذي يلامس "حد البلطجة".


وتابع "أبو الغيط": "رأينا هذا في السلوك الإيراني والاعتداءات التي مارستها في الخليج العربي، بالأخص في الصيف الماضي، ونراه اليوم من جانب تركيا، في سوريا ثم مؤخراً في ليبيا".


ونبه أبو الغيط إلى أن الإقليم العربي ربما يكون الأكثر تعرضاً للتهديد بسبب التغيرات المتسارعة في قمة النظام الدولي، وهو ما يحتم علينا التفكير - بعقل مفتوح - في خيارات مختلفة لتعزيز أمننا في المرحلة القادمة".


وقال" إن التفكير التقليدي لا يصلح مع أوضاع غير تقليدية، وإن الاستراتيجيات التي اعتمدنا عليها خلال العقود الأربعة الماضية لابد أن تتغير، لأن الأوضاع ذاتها تتغير على نحو جوهري ومتسارع".


ورأى أنه لا بديل عن تعزيز قدراتنا الذاتية على مواجهة التهديدات في عالمٍ من المحتمل أن يصير أكثر فوضوية، من دون قواعد حاكمة مطبقة أو أعراف ناظمة يؤخذ بها".


وقال" إنه من المهم أن يكون لنا حلفاء، فأية استراتيجية أمنية ناجحة تقوم على توسيع رقعة الحلفاء، مؤكدا أن التحالفات مع الخارج لابد أن تتأسس على قاعدة صلدة من الأمن القومي العربي المشترك".


وأضاف" إذا كان العامل الأول وراء حالة اللايقين والسيولة على المستوى الدولي يتمثل في عدم الاستقرار على شكل النظام الدولي في المستقبل القريب، فإن العامل الثاني يتعلق بما يُمكن تسميتها بـ "محركات الاضطراب الكبرى" وهي مجموعة من الظواهر التي تتصاعد وتتفاعل داخل المجتمعات على صعيد الكوكب كله مثيرة قدراً هائلاً من الاضطراب، بل والذعر أحياناً"، معتبرا أن أخطر هذه الظواهر ما يتعلق بالتطور التكنولوجي والتغير المناخي والهجرة، وكل منها ستكون لها انعكاسات عميقة على المجتمعات العربية أيضاً.


وأوضح أن التغير التكنولوجي، خاصة على صعيد الذكاء الاصطناعي يُثير الاضطراب على أكثر من مستوى، حيث إنه لا أحد يعرف على وجه اليقين حجم الوظائف التي ستُفقد، خاصة في المجتمعات الغربية لصالح "الروبوت"، أما الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على العمالة الرخيصة، فإنها قد تفقد هذه الميزة لصالح الماكينات الأرخص.


وقال "أبو الغيط":" إننا نرصد اليوم قلقاً متنامياً لدى الطبقة الوسطى الشاسعة على ضفتي الأطلنطي من أثر التكنولوجيا، وقد يُترجم هذا القلق في صورة تصاعد أكبر للموجات الشعبوية، خاصة وأنه يقترن بحالة من عدم الرضا لدى طبقة وسطى بالغة الاتساع على مستوى العالم يقترب عددها من 4 مليارات"، مشيرا إلى أن هذه الحالة من عدم الرضا والشعور بتصاعد اللامساواة ربما كانت هي السبب وراء تصاعد الاحتجاجات مؤخراً في بلدان حققت إنجازات اقتصادية مهمة مثل تشيلي.


وأضاف:"هناك باعث آخر للقلق، ربما بصورة أشد، يتعلق بتأثير تكنولوجيا الاتصال على التماسك الاجتماعي والاستقرار داخل الدول"، مشيرا إلى أن هذه التكنولوجيا قادرة على استهداف الجماهير وتشكيل الوعي العام عبر استخدام "البيج داتا" و"الخوارزميات" في تصميم دعاية موجهة لمُستقبل محدد.


وتابع" ليس خافياً ما أثارته وسائل التواصل الاجتماعي من حالة من الاستقطاب العميق داخل البلدان، المتقدمة والنامية على حد سواء، بل إن الأثر السلبي يكون أشد في حالة البلدان التي تُعاني انقسامات حادة، طائفية أو سياسية أو حتى على مستوى الأجيال، ومنها بعض بلداننا العربية".


وأضاف "أبو الغيط" إنه فيما يتعلق بالمناخ، يبدو أن العالم يتحرك بسرعة نحو نقطة اللاعودة، والتي قد لا تُفلح عندها أي إجراءات في تفادي الإبقاء على الاحترار العالمي تحت مستوى درجتين مئويتين، حيث يقول الخبراء إن هذه النقطة قد تأتي في عام 2035".


وقال" إن ما يهمنا أن الدول النامية والفقيرة ستكون الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، في صورة جفاف أو غمر للمناطق الساحلية، أو تراجع في الإنتاج الزراعي"، مشيرا إلى أن المنطقة العربية، هي أكبر منطقة عجز غذائي في العالم، وتحصل على أغلب احتياجاتها الغذائية والمائية من خارجها، وهو وضع يعرضها لمخاطر وتهديدات في المستقبل، قد تكون لها انعكاساتها الاجتماعية والسياسية، وليس فقط الاقتصادية أو البيئية".


واعتبر أن الهجرة قد تكون القضية الأهم في عالم اليوم، مشيرا إلى أنه برغم أن نسبة المهاجرين من سكان العالم ثابتة تقريباً منذ عشرين عاماً عند 3%، إلا أن قضية الهجرة صارت تثير استقطاباً أكبر داخل المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، بسبب استغلال بعض الأحزاب لها سياسياً، وأيضاً لارتباطها بمتاعب الطبقة الوسطى، وكذلك بسبب التركيز المتزايد على "الهوية الثقافية"، مشيرا إلى أن المجتمعات الغربية، وكذلك الصين واليابان، ستحتاج في المستقبل القريب إلى استقدام مهاجرين لوظائف عالية المهارة بسبب ما تفرضه اعتبارات شيخوخة السكان من ضغوط على قوة العمل في هذه الدول.


ونبه أبو الغيط إلى أن هذا التوجه ربما يحمل تهديداً جديداً لمجتمعاتنا العربية المُستنزفة بالفعل من هجرة العقول والكفاءات التي قد تتصاعد في المستقبل بحثاً عن أوضاع اقتصادية أفضل .


وقال "أبو الغيط" إن الإحصائيات الحالية تشير إلى أن نحو 100 ألف من العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء يهاجرون كل عام من ثمانية أقطار عربية، وهناك نحو 20 مليون مهاجر من منطقة الشرق الأوسط يعيشون خارجها، من بينهم نسبة كبيرة من الكفاءات الممتازة.


ونبه إلى أن الخطر هو أن تواجه المنطقة العربية نزيفاً أكبر للكفاءات في ظل ما ستقوم به الدول المتقدمة من "اصطياد العقول"، لافتا إلى أنه برغم أن الدول الغربية لا تُريد المزيد من اللاجئين، إلا أنها تسعى بقوة وراء مهاجرين من ذوي الكفاءات العالية.