في ذكرى رحيله.. لماذا رفضت أم كلثوم "وردة" فريد الأطرش؟
سجل تاريخ الفن أسماء وسير نجوم الطرب
في مصر، وإن بدأت القائمة بالرواد الأوائل فقد ازدانت بالمجدد سيد درويش
ومن بعده عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الغني السيد وعبد المطلب ومحمد
فوزي وليلى مراد، وتزينت القائمة بنجوم أخرى منهم عبد الحليم حافظ وعباس البليدي
ونجاة الصغيرة وشادية ومحمد قنديل وكارم محمود وفايزة أحمد وغيرهم ممن اختتموا
العصر الذهبي للفن والغناء.
,رغم رحيل هؤلاء العظماء إلا أنهم
استطاعوا تخليد ذكراهم بما أبدعوا من أعمال، فأغانيهم مازالت تهفو نفوس الأجيال
لسماعها، حيث تلامس أحلامهم وتعبر عن مشاعرهم، ومع الأيام تزداد جماهيرهم، بل يصل
أحيانا الإعجاب بهم إلى حد الهوس ومنهم الموسيقار فريد الأطرش الذي يواكب اليوم 45
عاما على رحيله، ورغم أنه حقق مجدا فنيا جعله في مصاف النجوم الأوائل في الوطن
العربي، إلا أنه سعى جاهدا كي تغني كوكب الشرق من ألحانه، ليس لشئ إلا لكي يحقق
التعادل الفني، ومن المعروف أن غناء أم كلثوم لفريد لن يزيده مجدا، فالرجل قد تفرد
واحتل مكانة على قمة الطرب، لكن إصراره على التلحين لها ربما يكون نابعا من الغيرة
الفنية.
جرت عدة محاولات من فريد الأطرش
للتلحين لأم كلثوم، فهو يعرف أنها كانت تهوى التنوع في الألحان، ولكن المحاولات لم
يكتب لها النجاح، وهنا أتذكر جملة قالها الموسيقار محمد الموجي لأم كلثوم حين تهرب منها عندما طلبت منه لحنا، فقد رأى الموجي أن أم كلثوم ملكة الطرب وتحتاج إلى
ألحان طويلة لا تقل إبهارا عما غنته، لذلك خشي التلحين لها في أول الأمر، وعندما
سألته عن ذلك تعلل بجملة : أنا أخشي أن ينسب الناس نجاحي وتألقي لأم كلثوم، ويظن
الجميع أنها صنعت مجدي .. ومن المحتمل أن تلك الجملة ظلت عالقة في ذهن أم كلثوم،
وربما طبقتها هي مع فريد الأطرش.
ومن المعروف أن رحلة كبار الملحنين
انتهت سريعا في حياة أم كلثوم، ومنهم على سبيل المثال الموسيقار محمد القصبجي
وزكريا أحمد، واستمر فقط معها ابن جيلها الموسيقار رياض السنباطي، أما محمد عبد
الوهاب ذلك النجم المجدد الموازي لها فلم تشأ أن تغني من ألحانه، ولم تفكر في ذلك
لولا الإلحاحات المتكررة من كبار رجال الدولة آنذاك، فكان لحن "انت
عمري"، وهذا ما دفع فريد لمحاولة أخيرة مع أم كلثوم ، وشجعه أيضا أنها
استعانت بشباب جدد منهم بليغ حمدي وسيد مكاوي، وهو يرى أن تاريخه وأعماله تفوق
رصيدهما الفني.
وتحت عنوان "أنا في انتظار إشارة
أم كلثوم لأعود إلى القاهرة" أكد فريد الأطرش في حوار مع الكاتب الصحفي سيد فرغلي لمجلة
الكواكب من بيروت ونشر في عدد 19 ديسمبر 1967 أنه التقى بأم كلثوم في منزلها
ومعه شقيقه فؤاد، وأنه قد أسمعها قصيدة "وردة من دمنا" للأخطل الصغير،
وأعجبت أم كلثوم باللحن والكلمات، وافترقا على أن يتم المشروع بعد عودة فريد من
لبنان، وكان ذلك قبل يونيو 1967،حيث سافر فريد قبل ذلك التاريخ إلى بيروت ووقع
العدوان الصهيوني، ثم سافر إلى لندن وباريس لإجراء عملية إزالة عظمة زائدة بالأنف،
كانت سبب آلامه، ثم ماتت والدته وقد أثر هذا بالطبع عليه، وكان أيضا من ضمن
انشغالاته تلحين وغناء "نشيد الفداء" الذي قدمه هدية للإذاعات العربية
وصوره للتليفزيون اللبناني مؤازرة لمصر والعرب في أعقاب النكبة.
وكان فريد الأطرش قد عرض على أم كلثوم
التلحين لها، وقد طلبت منه أن ينتقي قصيدة من الشعر القديم لأحد كبار
الشعراء، وسعد فريد بهذا التجاوب وعلى الفور اختار قصيدة "وردة من دمنا"
وهي عن فلسطين لتغنيها أم كلثوم، ورغم سماعها للحن وإعجابها إلا أن هناك عدة عوامل
حالت دون ظهور هذا اللحن بصوت أم كلثوم، أولها أن فريد الأطرش قد طالت غيبته عنها
بسبب مرضه وأيضا حزنه على رحيل والدته، ومن المؤكد أن تلك الأغنية كانت ستوضع في
مقارنة كبرى مع أغنية أخرى لعبد الوهاب وهي قصيدة "فلسطين" التي لحنها
وغناها عبد الوهاب، من كلمات على محمود طه، وهي من أبدع ما تم غناؤه عن فلسطين.
وخشيت أم كلثوم أن تضع نفسها بأغنية فريد
في موضع المقارنة مع أغنية عبد الوهاب، فرفضت الأغنية بعبارات دبلوماسية،إذ
تعللت لفريد بأن الأغنية وطنية، وأنها لن تذاع إلا مرات قليلة في المناسبات
الوطنية، وهي تحتاج منه أغنية عاطفية تعيش طويلا وتغنيها في معظم حفلاتها .. ولم
يتم اللقاء الذي تمناه فريد مع أم كلثوم، ربما لأنه لم يطلب التعاون معها إلا في
منتصف الستينيات، وربما كان هناك سبب أقوى وهو ما ترسب في وجدان أم كلثوم بأنها
تريد أن يبقى نجاحها وبراعتها لنفسها ولا ينسب لفنان في قامة فريد الأطرش أو محمد
عبد الوهاب.