يطمح المفكر المصرى المعروف، البروفسور محمد عثمان الخشت إلى صوغ فلسفة للفعل، تتضمن أخلاقًا قابلة للتطبيق، أى ما اصطلح على تسميته "أخلاق تطبيقية" (الجانب العملى من القضايا الأخلاقية)، بعد أن تبيّن له قلة المساهمات الفلسفية العربية فى هذا الحقل، تواكب العالم المعاصر ذا الطابعالتكنولوجى العالى، الذى ما زال ينمو ويزدهر تحت لواء نظرية التقدم، فهى بالتالى "أخلاقيات للتقدم"، بعبارة الخشت، وهى تحتاج الى شروط قبلية تجعلها ممكنة ومتاحة، بمعنى تحديد ظروف إمكانها للأفراد والمجتمعات، أى بيان "الحد الأدنى الأخلاقي"الضرورى للأفراد كى ينهضوا ويعيشوا فى رفاه وأمان، إذ كانت الفضيلة والسعادة من مطالب الأخلاق التقليدية.
والسؤال الكبير عند البرفسور الخشت:"كيف يمكن صوغ واجبات هذه الأخلاق فى مصطلحات محددة؟ وعلى أى أسس يتم إصدار أحكام معيارية ملموسة يخضع لها الجميع من دون استثناء؟ وهل يجب على المرء البدء من الصفر مع الاحتكام إلى العقل النقدى المستقل؟ أم يمكن للتقاليد الدينية والأخلاقية والفلسفية العظيمة طرح نقاط التقاء من أجل صوغ أخلاق تقدمية؟".
وفى استعراض البروفسور الخشت لأهم تيارات الفلسفة الحديثة، رأى الانشغال بعمق بمبحث الأخلاق. وقد أنتجت المجتمعات كافة، بغض النظر عن النتاج الفلسفى، آدابًا وأعرافًا وأخلاقيات بعينها، ما يُظهِر البُعد النسبى فى المقاربة. ولى هنا أن أعارض الأستاذ الكبير الرأى فى حديثه عن الأمم المتقدمة والمتخلفة، وما يصف به المجتمعات الشرقية (الوساطة، الرشوة، الفهلوة...إلخ).
والتى هى ممارسات مذمومة (وكما نقول فى ثقافتنا الشعبية "قلة أخلاق"أو "انعدام الأخلاق") مرتبطة بنمط إدارى بيروقراطى معين، لا تحوز إجماعًا لدى الجماعة، لا بل تواجه بالنقد والإدانة.
ولأن الأخلاق مقرونة بالإنسان فى المقام الأول، كان لا بد للفلسفة أن تسائل نفسها بلسان كبارها عن هذا الكائن الفانى. فحاول الألمانى أمانويل كانط (1724- 1804) فك لغز "ما الإنسان؟"وما يجب أن يعرفه ويعمله ويأمله؟ وحظى الجانب الأخلاقى بنصيب وافر من المعالجة. وأبرز مثال يحضر عند الخشت هو الفرنسى رينه ديكارت (1596- 1650) فى مبادئ الفلسفة، الذى شبّه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا، وجذعها الفيزيقا، والفروع التى تخرج من هذا الجذع هى كل العلوم الأخرى التى تنتهى إلى ثلاثة علوم رئيسة هى الطب والميكانيكا والأخلاق
.
ويُميّز المفكر المصرى بين مفهوم الأخلاق (Morality) الذى يشمل مجموعة من قواعد السلوك العامة وبين فلسفة الأخلاق المستندة إلى البرهان العقلى وإلى وجود مسوغ لها يحدد "كيف ولماذا ينبغى علينا أن نسلك السلوك الأخلاقي"، وعنده أن فلسفة الأخلاق هى "دراسة الأخلاق من الناحية الفلسفية، أصلها ومسوغاتها ومصادر الإلزام الأخلاقى، والغاية من السلوك الأخلاقي"، وتقول لنا أيضًا ما ينبغى أن يكون عليه هذا الأخير. كما يميّز الخشت بين علم الأخلاق وما بعد الأخلاق (Metaethics) الذى أتت به الفلسفة الوضعية، مثابة تحليل منطقى لغوى للعبارات والقضايا الأخلاقية ومدى صدقها .
والحال، وفى سيّاق بحثه يبسط الخشت مسار تطور الفكر الأخلاقى: بدءًا من تلك الرؤى البسيطة التى امتلكتها كافة الحضارات، ولا سيّما المصرية والصينية والهندية، مرورًا بالفلسفة اليونانية وما اعتنقه عظماؤها من آراء وأفكار، ولا سيّما أفلاطون (427 ق.م -347 ق. م) ونظريته فى "مثال الخير"، ومعلمها الأول، أرسطو (384 ق. م- 323 ق. م) وحديثه عن الخير والسعادة وعده الفضيلة "وسطًا بين رذيلتين"، وما أنتجه العصر الهلينستى من مدارس، سعى بعضها لتمجيد الملذات والبعض الآخر إلى العيش وفاقًا للطبيعة أو بحسب المثال الإلهى لدرجة الاتحاد، إلى الفلسفة الإسلامية التى جهدت فى إنتاج أخلاق توفق بين القرآن والسنة وبين التراث اليونانى.
ويعتبر البرفسور الخشت إن ابن مسكويه (توفى 421 ه) صاحب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، هو أبرز من تناول الأخلاق فى شكل مستقل، فأقامها على العقل وربطها بالبعد الاجتماعى ، فى حين أقامها الإمام الغزالى على الدين .
ويجد ضروريًا فحص الصلة القائمة بين الأخلاق والدين، وقد جرى إدراك هذا الأخير عند علماء المسلمين ومتكلميهم مثابة" اعتقاد وقول وعمل" أم افى الغرب وبحسب قاموس لالاند الفلسفى ثمة تعريفات ثلاثة عند فلاسفة الغرب: أولًا، مؤسسةاجتماعية(عبادة واعتقاد فى قوة روحية أرفع)، ثانيًا، نسق فردى لمشاعر واعتقادات وأفعال مألوفة، وثالثًا، الاحترام الضميرى لقاعدة، لعادة، لشعور .
ويتوقف العالم الكبيرعندعدة أنماط من الصلات أو العلاقات المُشاهدة فى تاريخ الفكر بين الأخلاق والدين: فإماعلاقة استقلال (يقول بها أنصارالدين الطبيعى المسنود الى العقل)، وإما علاقة تبعية (تبعيةالأخلاق للدين، حيث الله هوالمنبع الأول والأخير للقيّم الأخلاقية. أوتبعية الدين للأخلاق الذائعة على لسان الفيلسوف الألمانى كانط)، وإماعلاقة توافق فى النتائج رغم الاختلاف فى المنهج (الخير والشر العقليين فى ذاتهما)، وإماعلاقة تضاد ومعارضة نادى بها ديفيدهيوم (1711-1776)، وكارل ماركس (1818-1883)، وفريدريك نيتشه (1844- 1900). وللخشت رأيه الإيجابى فى الصلة المنشودة بين الدين والأخلاق، وفى زعمه فإن"الدين الحق فى جوهره عمل بالقانون الأخلاقى، والسلوك الأخلاقى النابع من أداء الواجب هو العبادة الحقيقية" .
وفى هذا السيّاق يريد الخشت أن يبيّن قصور فلسفات الأخلاق التقليدية، من ناحية تحديد الوسائط الآيلة إلى تحقيق الخير أو السعادة، أى أنها لم تنجح فى رسم "الشروط القبلية لأخلاق التقدم"التى ينادى بها المفكر المصرى. لا بل هى عجزت عن تقديم "الضمانات الدنيوية التى تكفل تطابق الفضيلة والسعادة" .
لذا، يقترح جملة من هذه الشروط المُساعدة على ممارسة أخلاقيات التقدم: أولًا، بيئة تنافسية عادلة يسودها القانون، ما يؤدى إلى "إيجاد الشخص الصالح، والأمانة والشعور بالواجب، وبذل الذات، والشرف، والخدمة والالتزام، والتحمل أو التسامح والاحترام والعدل والشجاعة والنزاهة وبذل الجهد والوطنية واحترام الآخرين، وتقديرهم"
. وثمة قواعد ثابتة ضرورية فى هذا الشأن، مثل المساواة والشفافية ووجود المؤسسات الحامية للأفراد من طغيان البعض. ثانيًا، تقديس الحرية، المضبوطة بالقانون، الذى يجب أن يكون صادرًا عن إرادة الأفراد ومعبرًا عنهم (وفى هذه النقطة ينسجم الخشت تمامًا مع كانط فى "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق").
ثالثًا، الضمير ويربطه بالعالمين الطبيعى والروحى (مخالفًا هنا كانط الرافض لأى مرجعية خارجية)، ففى رأيه، يتوق الضمير "إلى التوافق مع القانون الأخلاقى تحت الحاح إيمانه بالله تعالى.
رابعًا، قانون عادل: "يقدم الضمانات التى تكفل تطابق الفضيلة والسعادة، يجرى إنفاذه على الكل. خامسًا، وأخيرًا، تقديس ثقافة التنمية والإنتاج وهنا يُميّز الخشت نفسه بإضافة عامل الدين، كونه:"يشتمل على مُحفِزات للفعل أكثر تأثيرًا فى دفع الناس لممارسة أخلاقيات التقدم" ويٌقدِر الباحث أن لثقافة المجتمع دورها فى تحفيز السلوك، فتقديره "أساس جوهرى قبلى يحفز على ممارسة أخلاقيات التقدم أو التخلف".
يميل الخشت إلى تبنى مقولة المفكر الأميركى مايكل والزر (M. Walzer) (تولد فى العام 1935) حول "الحد الأدنى الأخلاقي الضرورى، لإيجاد "إجماع"حول فكرته عن أخلاقيات التقدم، ضدًا من النظريات التى ترى إلى النسبية وتستبعد العالمية، ويتساءل المفكر المصرى: "لماذا لا يمكن إيجاد حد أدنى من القيّم التقدمية المشتركة بين الجنس البشرى، أو حتى أفراد مجتمعنا، أو بعبارة أخرى الحد الأدنى من الإجماع الأخلاقى على أخلاق التقدم فى المجتمع المصرى خاصة والمجتمع العربى عامة أو العالم أجمع؟".
وتدعيمًا لأطروحته يفصّل الخشت القول فى النظريات التى تأخذ بالنظرة الكونية إلى الأخلاق، وأبرزهم والزر فى كتابه ميادين العدالة(Spheres of Justices) (1983) حيث بحث فى "المشترك الأخلاقي"، وعمله الآخر سميك ونحيل(Thickand Thin) (1944) الذى استجلى فيه عنصر العالمية انطلاقًا من تحليل الصراعات السياسية، ولا سيّما حينما خرج الشعب التشيكسلوفاكى فى العاصمة براغ فى العام 1989 مطالبًا بالحقيقة والعدالة، مثابة قيّم كونية، تتجاوز الدول والحدود القائمة.
ويستعين الخشت أيضًا بجون رولز (1921- 2002)، نصير العالمية بدوره، وخصوصًا فى نظرته إلى العدالة فى كتابه الشهير نظرية العدالة (1971)، اذ استنبط قواعد أخلاقية وركز على فكرة الإنصاف، وحدد مبدأين للعدل: الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، تأسيسًا على العقد الاجتماعى، وقد ابتعد رولز فى رؤيته عن أى مفهوم للخير، بسبب من تعدد تصوره والاختلاف فى فهمه. الأمر الذى دفع الخشت إلى نقد رولز فى هذا الشأن، والقول إن "التحدى الحقيقى هو: كيف يمكن الوصول إلى مفهوم للخير تتفق الأغلبية على الحد الأدنى منه فى إطار العقد الاجتماعى"، فالعدالة الإجرائية لا تكفى وحدها"إذ لا بد من تصور مشترك للحد الأدنى لمفهوم الخير بين كل التيارات والطوائف، وهو الأمر الذى لا نزال نفتقده بشدة. بل وهو أحد أسباب فشل نهضتنا الحديثة" .
وليورغن هابرماس (J. Habermas) (تولد فى العام 1929) أيضًا رؤيته للمشترك الإنسانى، ونظريته فى الفعل الاتصالى العقلانى وأخلاق المخاطبة التى تستجيب الفلسفة الكونية، وعنده أن "النزعة الأخلاقية تتطلب حياة حرة للإنسان"ويشدد الفيلسوف الألمانى على أن حقوق الإنسان "هى المعيار الخلقى الأمثل فى نطاق الممارسة العملية"، كما "أن الحداثة التى لا تقوم على أساس حضارى – أخلاقى لا قيمة لها على الإطلاق".
رغم ميل البروفيسور الخشت إلى تصوّر والزر حول "الحد الأدنى"الآنف الذكر وتمييز هذا الأخير بين "الأخلاق النحيلة" (الخاصة بالثقافات المحلية والمستندة أحيانًا إلى الدين) و"الأخلاق السميكة" (الأخلاق الخالصة)، إلا أن ما يشغل الباحث المصرى هو إيجاد اتفاق اجتماعى حولها، حيث الغاية "خدمة التقدم الإنسانى فى بلادنا، والعمل المشترك بين الجميع من أجل التقدم، رغم جميع الفروق الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، سواء بين الطبقات أو التيارات أو الأحزاب"، وتتيح هذه المعايير المنشودة التعامل مع الأمور السلبية نظير: الغش والجريمة والقهر والطغيان .
ويقرن الباحث الحقوق الناتجة عن أخلاق التقدم بالمسؤوليات، ورأيه ألا "حقوق بدون مسؤوليات، ولا مسؤوليات بغير حقوق" وهذه تعنى التزامات يقر القانون بعضها ويفرضه ولا يقر البعض الآخر، رغم صدورها عن الأخلاق الأصيلة .
وعلى هذا النحو، يرسم الخشت الحدود بين إلزامات القانون (الذى يعنى مبادئ قانونية ونظم قضائية وشرطة) وإلزامات الأخلاق (التى تشير إلى الضمير والقلب والعقل)، غير المتطابقة تمامًا، مع وجود تشابه بينهما، مع الإشارة إلى أن "وجود وتطبيق القانون يستلزم أخلاقًا، ولا يقوم من دونها، وبالتالى "لن يكون هناك نظام تقدمى جديد فى ظل عدم وجود أخلاق تقدمية فى مجتمعنا.
والحال، كيف يمكن تحديد هذه الأخلاق التقدمية المنشودة؟ يلجأ الخشت فى هذا الشأن إلى المفكر السويسرى اللاهوتى هانس كونغ H. Kung)) (تولد فى العام 1928) الساعى لصوّغ معايير لأخلاق كونية تأخذ شكلًا ملموسًا ربطًا بالسياسة والاقتصاد، وتبتعد عن الخلافات والنقاشات التى لا طائل منها .
ولهذا الغرض يدعونا المفكر العربى، فى المقام الأول، إلى تجنب ثلاث مسائل: تكرار إعلان حقوق الإنسان: "لأن الأخلاق أكثر من القانون، والواجب الأخلاقى أكثر من كونه مجرد واجبات أخلاقية"(16). والبيانات الأخلاقية الرنانة، وأخيرًا، تفادى المواعظ الدينية الحماسية، لأن حلول المشاكل يجب أن تنبع من الواقع المعاش لا من بطون الكتب، وفى كل مرة يشدد الخشت على دور الدين الإيجابى، "إذ يراه يحثنا على التفكير العلمى والواقعى، وعلى الأخذ بالأسباب والسير نحو التقدم بالعمل لا بالمواعظ والأماني".
بيد أن ثمة معايير شكلية يراها الخشت ضرورية للسير قدمًا نحو الأخلاق التقدمية، أى ما ينبغى فعله حقًا: أولًا، الإرتباط بالواقع، بمعنى الإنطلاق مما هو موجود والذهاب إلى المبتغى. ثانيًا، الوصول إلى مستويات أخلاقية أعمق، أى "مستويات القيّم الملزمة والمعايير المتعذر تغييرها والمواقف الداخلية الأساسية" .
ثالثًا، التعبير بلغة مفهومة، بسيطة. رابعًا، العمل على تأمين إجماع أخلاقى، على صعوبة الأمر، وليس إجماعًا عدديًّا فحسب (الموضع نفسه). ويركز الخشت على إعادة الاعتبار للمعايير الأخلاقية وعلى أوليتها، التى قد تجد معينها فى الدين والتقاليد والتراثات البشرية ، ويرى أن الإنسان هو الأساس فى "أخلاق التقدم"، هو الغاية والقصد.
لذا يتقدم مبدأ "الاستحقاق على ما سواه: "فالاستحقاق هو الذى يصنع الحق، والحق هو أيضًا معيار الاستحقاق" .
ويضع الخشت قاعدتين أساسيتين لمفهومه لأخلاق التقدم: أولًا، كل إنسان يجب أن يُعامل على نحو إنسانى، وثانيًا، ما تتمناه من الآخرين أفعله لهم. ومنهما تشتق توجيهات خمسة "غير قابلة للنقض": 1- الالتزام باتقان العمل.2- الالتزام بالتسامح والتضامن الثقافى وحياة الصدق. 3- الالتزام بثقافة اللاعنف واحترام الحياة للجميع. 4- الالتزام بثقافة المساواة فى الحقوق والشراكة بين الرجال والنساء. 5- الالتزام بإيجاد نظام اقتصادى عادل قائم على النزاهة والأمانة . ويلخص الخشت فى صيغة "الإرادة المتسقة مع نفسها"جوهر أخلاق التقدم، أى الإرادة غير المتناقضة، التى لا تعرف ازدواجية فى القول والعمل، وهذا التناقض مسؤول بدرجة كبيرة عن حال تخلفنا، فى عرف الباحث الكبير .
ومن آيات هذا التخلف (أو التأخر) ما عاينه المفكر فى بلاد النيل من ظواهر تناقض الأخلاق الحميدة، يُجملها فى عبارة "رعونة"سائدة فى المعاملات اليومية بين الناس وفى المؤسسات والإدارة العامة. وهو يدعو إلى مكافحة هذه الآفة بإعمال القانون وتحليل المخاطر وأسبابها، واتخاذ التدابير للوقاية منها، وتنفيذ سياسة الثواب والعقاب، والحزم فى معايير السلامة فى كل مهنة .
ومن الآفات المستشرية "الفساد"أس كل خراب، وإلى محاربته يدعو الخشت للقيام بثورة لا فى الفكر الإدارى فحسب، بل "ثورة فى منظومة التفكير الحاكمة للسلوك" .
كما لا يهمل ما يواكب الأوضاع السياسية والاجتماعية فى مصر من مثالب، ومنها "الشائعات لإحداث الفوضى والبلبلة. ويلاحظ انتشار ما يسميه "الحسد العام"ودوره الخفى "فى تحريك الصراع الاجتماعى والسياسي" ، ويستنجد الخشت بالفلسفة لعلاجه، لنقل ببعض تياراتها، ولا سيّما تلك التى تعلى من شأن القناعة والرضى بما نملك، أو "الغبطة"، أى "أن تتمنى لنفسك مثل حظ الآخر، من دون تمنى زوال هذا الحظ عنه الذى أنعم الله به عليه. فالكون يتسع للجميع، والسماء لا يحلق بها نجم واحد".
أخيرًا، محاولة الخشت فى أخلاق التقدم، مساهمة تجديدية معتبرة، تقدم إضافة نوعية إلى جهود المفكرين والفلاسفة العرب، وهى موجهة فى الدرجة الأولى إلى أبناء بلده، فى أرض الكنانة، للحاق بالعالم المعاصر، عالم الكد والعمل والإنتاج والترقى وصولًا إلى الرفاه والأمان، الذى قد يتحقق بعد إصلاح عميق يطاول البنى المادية والذهنية، وهذه الأخيرة هى ما يجهد الخشت فى تقديم صيغ لها تفيد فى تبنى أخلاقيات جديدة بعد قصور الأخلاق التقليدية الموروثة، أو تبنى "الحد الأدنى الضروري"المجمع عليه، للحضور فى هذا الكون المعولم العابر للدول والحدود.