كتبت : سكينة السادات
يا بنت بلدي جاءنى صوتها بعد انقطاع طويل وسألت عن صحتها وأحوالها فاكتفت بأن قالت: إن عيد ميلاد حفيدتى يوم الخميس القادم وأريدك معى ضرورى جدا وسوف تعرفين منى لماذا انقطعت عنك وسأحكى لك كل شىء.. سوف أرسل لك السيارة فلا تتأخرى لأننى أحتاج وجودك معى!
اندهشت كثيرا فليس هذا هو أسلوب صديقتى فى الكلام أو الحياة, فهى إنسانة مثقفة, تتمتع بشخصية قوية واستقلال ذاتى, ولا أذكر فى يوم من الأيام أنها ظهرت أمام أحد ضعيفة أو منهزمة! المهم أنها أرسلت السيارة وقابلتها وجلست معها وكانت المفاجأة!
***
قبل أن أحكى لك ما قالته لى أحب أن أعرفك على صديقتى, فهى كاتبة وليست صحفية أى أنها تكتب فى المجلات دون انتظام, ولها عدة كتب قيمة جدا قرأتها كلها, وهى ذات أخلاق عالية ومستورة ماديا, فقد أصبح من الصعب أن تقول على أحد إنه من الأثرياء فى ظل صعوبة الحياة التى نحياها هذه الأيام! حفيدتها الوحيدة التى تحتفل بعيد ميلادها فى الرابعة من عمرها, وهى الابنة لابنتها الوحيدة أيضا التى أصرت صديقتى - أمها - على أن تتم تعليمها فى الخارج, فأرسلت بها بعد تخرجها إلى لندن لنيل شهادة الماجستير وتقريبا أنفقت عليها معظم مدخراتها ومدخرات زوجها ذي المنصب المهم فى الدولة!
***
قالت صديقتى: هناك أشياء كثيرة لا تعرفينها منذ أن حضرت حفل زفاف ابنتى منذ ستة أعوام تقريبا! وذلك لأنها أشياء لا أعرف كيف أرويها لك، أو لأنني أنا شخصيا أكاد لا أصدقها ولا أستوعبها! فقد كنت موجودة معنا عندما عادت ابنتى من لندن حاملة شهادة الماجستير والتحقت بالعمل فى شركة كبرى وكانت سعيدة فى عملها وناجحة فيه.
وكنت أنا أكثر سعادة بها أنا ووالدها, فهى ابنتنا الوحيدة التى لم يرزقنا الله سواها, ثم كانت فرحتنا الكبرى أيضا عندما اعترفت لنا بأنها تحب أحد زملائها وأنه يرغب فى التقدم لخطبتها، وفعلا تقدم تامر لخطبتها وسألنا عنه وعرفنا أنه ينتمى إلى أسرة عريقة من أسر زمان, لكنهم ليسوا أثرياء كما يدل لقب عائلتهم القديمة, وقالوا أيضا إنه متفوق فى عمله وطموح وليس عليه أى غبار !
***
واستطردت صديقتى .. وافقنا عليه بناء على رغبة ابنتى, وكانت سعيدة به سعادة فائقة, ثم وجدتها تقول لى: - تامر (العريس) يريد أن نتزوج فى فيلا وأنا موافقة وليس فى شقة ولديه الأرض فعلا وسوف نتعاون فى بناء الفيلا سويا ونصممها حسب مزاجنا ونفرشها كما نتمنى ولسنا (مستعجلين) ولن نتزوج إلا بعد أن ينتهى كل شىء! بصراحة تامة.. كنت أريد أن أفرح بابنتى خاصة وأنها كانت قد بلغت الثامنة والعشرين, وكان تامر فى الثالثة والثلاثين! ولم أشأ أن أتدخل, فإنها حياتها وهى حرة فيها ما يهمنى هو سعادتها فقط! وفعلا بدآ فى الذهاب للمهندسين ومراجعة التصميمات وكل شىء وطبعا أعطيتها كل ما تبقى من مدخراتى فهى ابنتى الوحيدة, واستغرق الأمر عامين ونصف العام وهو رقم قياسى فى السرعة من كثرة إلحاحى عليها لإتمام الفيلا والزواج.. باختصار كانت فرحة وكانت الفيلا جميلة بالفعل وكانت سعادتهما غامرة بإتمام حلم العمر!
وكنت أنت من بين المدعوات للحفل وكانت ليلة جميلة بمعنى الكلمة, وحسبت أننى ارتحت من ناحية ابنتى!
***
واستطردت.. وعادا من رحلة شهر العسل فى منتهى السعادة وبدآ حياتهما فى بيتهما الجميل, وقد كنت قد نسيت أن الفيلا بعد أن كلفتنا (الجلد والسقط) أى كل ما نملك كان تدخلى الوحيد هو أن تكتب باسميهما معا أى ابنتى وزوجها, علما بأنه كان قد اشترى الأرض بثمن بسيط أما تكاليف البناء والتأثيث فقد كان معظمها من عندى وعند والدها, ولم أفكر فى هذا الموضوع أبدا لأنها سعادة ابنتى ولأن كل شىء عندى هو فى النهاية سوف يكون لها, وحملت ابنتى بعد عام ونصف تقريبا من زواجها بناء على إلحاحي وأنجبت الطفلة التى نحتفل بعيد ميلادها اليوم والتى تعيش معى منذ عامين بعد أن حدث ما حدث بين أبيها وأمها! وكان أمراً عجبا ما زلت لا أصدقه حتى اليوم فقد كانت كل المظاهر تدل على أنهما سعيدان موفقان! وفجأة وجدت ابنتى تقول لى بمنتهى الهدوء والابتسامة تعلو وجهها: - أنا اطلقت امبارح يا ماما من تامر بس احنا أصحاب وحبايب! وأعتقد أننى فقدت الوعى.
والأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!