أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن القضية
الفلسطينية ستظل حاضرة في قلوب وضمائر الشعوب والدول الأفريقية التي ستستمر في تضامنها
مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس السيسي ـ خلال
الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية العادية الثالثة والثلاثين بالعاصمة الأثيوبية
(أديس أبابا)، والتي تعقد تحت شعار (إسكات البنادق: تهيئة الظروف المواتية لتنمية أفريقيا)
اليوم الأحد - "اسمحوا لي أن أشاركم في بعض الملاحظات الافتتاحية بمناسبة انطلاق
أعمال قمة اليوم وقرب ختام الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي".
"بسم الله الرحمن الرحيم الأخوة والأخوات
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي ملوك ورؤساء الدول والحكومات الأفريقية أنطونيو جوتيريش
أمين عام الأمم المتحدة، موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، أحمد أبو الغيط أمين
عام جامعة الدول العربية، الدكتور محمد أشتية رئيس وزراء فلسطين السيدات والسادة الحضور
الكريم".
وفي البداية اسمحوا لي مجددا أن أتقدم بالتهنئة
لرئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد على حصوله على جائزة نوبل للسلام، وأرجو من فخامتكم
جميعا أن أوجه له التحية وأن أوجه تحية تقدير وإجلال إلى شعوب قارتنا الأفريقية التي
ندين لها جميعا بالثقة التي أولتنا إياها لكي نحول تطلعاتها إلى واقع مستحق يفضي إلى
مستقبل أفضل تلك المسئولية التي نتحملها كقادة والأمانة التي ينبغي أن نؤديها بإخلاص
وفاء لعهدنا أمام شعوبنا.
"لقد شرفت مصر بمسئولية دفة قيادة
الاتحاد الأفريقي على مدى عام مضى تسارعت خلاله خطى أفريقيا بكل قوة وثبات وكان للتعاون
الصادق بيننا والإرادة القوية التي جمعتنا أبلغ الأثر في دعم رئاسة مصر للاتحاد وفي
سعيها الدؤوب لتحقيق ما يلبي طموحاتنا جميعا سواء في العديد من المحافل الدولية أو
على صعيد العمل المشترك القاري والإقليمي".
"ولا يخفى عليكم أن فترة الرئاسة المصرية
للاتحاد الأفريقي قد اتسمت بالزخم الشديد على جميع المستويات وفي مختلف المجالات، حرصت
مصر خلالها كل الحرص على الاضطلاع بمسئوليتها في حمل لواء الاتحاد بكل صدق وأمانة في
المحافل الإقليمية والقارية والدولية كافة، حيث لمسنا خلالها عن قرب حجم التحديات التي
تواجه قارتنا الغالية وبالمقابل حجم الفرص الواعدة التي تزخر بها للتقدم والتنمية".
"يطيب لي أن استعرض معكم في هذا الصدد
خلاصة التجربة المصرية من خلال عدد من المحاور القارية ذات الأولوية التي ترتبط ببعضها
البعض وتحظى باهتمامنا جميعا مع إلقاء الضوء على أبرز الجهود والأنشطة التي تمت تحت
الرئاسة المصرية في هذا الإطار".
أولا: رغم تنامي التحديات أمام قارتنا لاسيما
استمرار النزاعات وزيادة مخاطر الإرهاب والتطرف خاصة في منطقة الساحل والقرن الأفريقي،
فقد حرصنا على تعزيز حالة السلم والأمن في أفريقيا معتمدين على ترسيخ مبدأ (الحلول
الأفريقية للمشاكل الأفريقية) باعتباره السبيل الأمثل للتعامل مع أزمات القارة وفهم
خصوصيات الدول والشعوب الأفريقية.. "إن هذا المبدأ ليس طرحا نظريا، حيث طبقته
مصر عمليا هذا العام من خلال العديد من المبادرات لاسيما عبر استضافة قمتين تشاوريتين
حول ليبيا والسودان، كما اختبرنا هذا الطرح خلال العام الماضي في الكثير من القضايا
خاصة أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وغينيا بيساو، وإذ نثمن في
هذا الصدد علاقات الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل بين الاتحاد الأفريقي وبين
مختلف الدول والمنظمات، فإننا ندرك قيمة أمننا وسلامتنا وسيادتنا والحفاظ على مقدرات
شعوبنا وأوطاننا".
"وانطلاقا من رؤية أشمل لتعزيز السلم
والأمن فقد دفعنا بمفهوم ارتباط استدامة السلام بالتنمية، حيث أود هنا إبراز الجهد
الذي تم من أجل التفعيل الكامل لمركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد
النزاعات التي تستضيفه مصر، وهو ما يعد إسهاما في المبادرة الرائدة لإسكات البنادق
في أفريقيا والتعامل مع أوضاع اللاجئين والنازحين والعائدين التي هي عنوان الموضوع
الماضي للاتحاد الأفريقي".
"وكانت هذه القضايا وغيرها حاضرة بقوة
على جدول أعمال الدورة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة الذي استضافته
مصر في ديسمبر الماضي بمشاركة العديد من الزعماء الأفارقة والقيادات الدولية والإقليمية
وهو المحفل الذي نسعى أيضا من خلال تدشينه إلى ترسيخ مبدأ (الحلول الأفريقية للمشاكل
الأفريقية)".
"ثانيا: شكل دخول اتفاقية التجارة
الحرة القارية حيز النفاذ والبدء في إطلاق آليات عملها خلال القمة الاستثنائية التي
عقدت في النيجر، إنجازا تاريخيا، فتحرير التجارة في أفريقيا وإزالة القيود أمام تدفق
السلع والخدمات يفتح صفحة جديدة حافلة بالفرص التي من شأنها نقل التكامل القاري إلى
مستويات جديدة وآفاق أرحب خاصة مع تواصل الالتزام والحوار البناء والعمل الجاد الذي
بدأ بالفعل خلال العام الماضي".
وفي السياق ذاته وإدراكا منا لأهمية تطوير أسس الشراكة
والتعاون بين الاتحاد الأفريقي والتجمعات الإقليمية الاقتصادية والدول الأعضاء لتحقيق
الاندماج القاري المنشود وترسيخ مبادئ التكامل والاعتماد المتبادل، فقد وضع اجتماع
القمة التنسيقية الأولى بين الاتحاد الأفريقي والتجمعات الإقليمية الاقتصادية بالعاصمة
نيامي في يوليو الماضي أساسا ثابتا لهذا الغرض سوف نستمر في متابعته وتطويره لتحقيق
أهدافه".
"ثالثا: أن جهودنا لتحقيق التكامل
القاري والتنمية الشاملة لن تكون لها الفاعلية والتأثير المطلوب دون الارتقاء بالبنية
التحتية في أفريقيا وتوثيق الترابط بين أنحاء القارة وهو أمر لا غنى عنه من أجل إنجاز
الاندماج الاقتصادي ونقل السلع والخدمات والعلوم والأفكار والتكنولوجيا، ومن ثم تبنت
مصر هذا الاتجاه خلال رئاستها للاتحاد، مؤكدة انفتاح أفريقيا للتعاون مع الشركاء ومؤسسات
التمويل الدولية لتحقيق التنمية الشاملة وتنفيذ مشروعات البنية التحتية القارية في
إطار من المنفعة المتبادلة.
كما تكللت الجهود القارية والمصرية في هذا
الشأن بالإطلاق المرتقب لخطة العمل الثانية لبرنامج تطوير البنية التحتية في أفريقيا
(2021 - 2030) والتي يتعين علينا دعمها، وأخص بالذكر مشروع وضع الخطة الرئيسية للربط
الكهربائي القاري تمهيدا لإنشاء السوق الأفريقية المشتركة للطاقة ومشروع (محور القاهرة
- كيب تاون) وغيرها من مشروعات ربط السكك الحديدية والطرق التي ستسهم في تحقيق أهدافنا
المشتركة".
"رابعا: إن مضاعفة عوائد الاستثمار
للتنمية في أفريقيا متوقفة على تمكين ودعم المرأة والشباب الأفريقي وتسليحهم بأدوات
العصر من التكنولوجيا الحديثة انطلاقا من كونهم العامل الديمغرافي الأهم والأكبر في
قارتنا فهم نصف الحاضر وكل المستقبل، ومن ثم فإن الإشراك الفعال للمرأة وشباب أفريقيا
في جهود التنمية وإحلال السلام ضرورة قصوى لتأمين مكتسبات ترتقي بالواقع الأفريقي وتضمن
له مستقبل أفضل.. لقد شهد هذا العام تحركات قارية متميزة على هذا الصعيد كان أبرزها
إطلاق مبادرة تأهيل مليون شاب بحلول 2021 لتوظيف الشباب الأفريقي".
"خامسا : شهدت السنوات الأخيرة جهودا
مستمرة للنهوض بالاتحاد الأفريقي وتحديث آلياته وتطوير قدراته من خلال مسار طموح للإصلاح
المالي والإداري والمؤسسي، نتطلع إلى أن تكفل نتائجه للاتحاد تحقيق الأهداف المنشودة
وترشيد استخدام الموارد المالية والعمل بكفاءة وفاعلية وترسيخ ملكية الدول الأعضاء
للبيت الأفريقي.. لقد اتخذ اتحادنا خلال العام الماضي خطوات مهمة على صعيد تفعيل مسار
الإصلاح وترجمة مقرراته بنتائج ملموسة شملت إجراءات إصلاح منظومة التوظيف بمفوضية الاتحاد
الأفريقي، وإحكام الرقابة المالية والإدارية، فضلا عن تفعيل صندوق السلام باعتباره
آلية أفريقية تعزز من استقلالية القرار الأفريقي في مجال السلم والأمن، وستستمر جهودنا
في هذا الملف الحيوي حيث ستنظر قمتنا الحالية في المقترح النهائي للهيكل التنظيمي الجديد
لمفوضية الاتحاد الأفريقي".
"أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي
شعوب قارتنا الأفريقية العظيمة تعتز مصر بتمثيل أفريقيا وتضع نصب أعينها كعهدها دائما
مصالح وشعوب القارة وتطلعاتهم من هنا، فقد حرصت على المشاركة في جميع المحافل الدولية
التي اختصت بأفريقيا بدءا من الجمعية العامة للأمم المتحدة مرورا بقمتي مجموعة السبع
ومجموعة العشرين وصولا إلى قمم واجتماعات المشاركات الاستراتيجية المتنوعة مع كل من
اليابان وروسيا وألمانيا وبريطانيا حاملا على عاتقي شواغل وآمال شعوب القارة السمراء
في الحياة الكريمة والحصول على حقها في التنمية المستدامة وفرص العمل ومتحدثا بلسان
القارة عن أهمية وضع أفريقيا على الخريطة الاستثمارية الدولية واستفادة شعوبها من ثرواتهم
الطبيعية الهائلة".
"أقول لكم بكل صدق أن هذه الجهود في
أي محفل ومن كل موقع لم تكن لتفضي للنتائج المرجوة منها على مدى عام مضى لولا التفاعل
المثمر الذي اتسمت به جهودنا جميعا ولولا ثقتكم الغالية وتعاونكم البناء ومن ثم أود
أن أتوجه بكل الشكر والتقدير للدول الأعضاء كافة ولرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأعضاء
المفوضية وأجهزة ومؤسسات الاتحاد الأفريقي المختلفة التي لم تدخر جهدا من أجل دعم مختلف
المبادرات والمساعي التي شهدها العالم".
كما أتوجه بخالص التهنئة لرئيس جنوب أفريقيا
سيريل رامافوزا الذي تسلم مهام رئاسة الاتحاد الأفريقي بداية من اليوم وأؤكد ثقتي غير
المتناهية في القيادة الحكيمة والفعالية للرئاسة الجنوب أفريقية لاتحادنا، كما أؤكد
للرئيس رامافوزا دعمي التام والمستمر لكل المساعي التي سيبذلها من أجل البناء على ما
تحقق من إنجازات.
"إن الجهود التي بذلتها الرئاسة المصرية
لن تكون نهاية المطاف، وستظل مصر امتدادا لدورها التاريخي، وداعما أساسيا لتعزيز أطر
العمل الأفريقي المشترك، كما ستحرص على مواصلة التنسيق مع جميع الأجهزة المعنية بالاتحاد
الأفريقي، لمتابعة كل المبادرات والأنشطة التي تم إطلاقها تحت رئاستها لضمان استمراريتها
في المستقبل واستثمارها على المستوى الأمثل".
"أبناء قارتنا الأفريقية العريقة،
إن الطريق نحو بلوغ غايتنا التنموية "أفريقيا التي نريدها 2063"، لا يزال
ممتدا باتساع آمالكم يا شباب أفريقيا، ولابد من السير على ذلك الطريق بالعمل الجاد
والفكر الثاقب، معتمدين على قدراتنا الذاتية الوطنية والقارية مع الترحيب بكل تعاون
دولي على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة".
"لا أقول لكم لا تهتموا بالصعاب، إنما
أدعوكم إلى مواجهتها بأدوات العصر من العلم والمعرفة، والتحلي بصفات الأجداد من الحكمة
والعزيمة والعمل والمثابرة، وإنني لعلى ثقة من أننا قادرون معا على تغيير الواقع، إلى
ما هو أفضل، وصياغة مستقبل أكثر ازدهارا يليق بقارتنا الفتية ويضعها في مكانها المستحق
بين دول وقارات العالم".
"واتصالا بما تناولته خلال الجلسة
المغلقة حول عقد قمة أفريقية مخصصة لبحث إنشاء قوة أفريقية لمكافحة الإرهاب، أؤكد استعداد
مصر لاستضافة تلك القمة الأفريقية الخاصة، من واقع مسئولياتها وإيمانا منها، بأهمية
ذلك المقترح لتحقيق السلم والأمن في أفريقيا، وأدعو للتشاور المستفيض حول كل الأبعاد
التنظيمية والموضوعية لتلك القمة، وهذه القوة المقترحة بمعرفة مجلس السلم والأمن الأفريقي
وهيئة مكتب اللجنة الفنية للدفاع، على أن يعرض على هيئة مكتب القمة في أقرب وقت".