شعار الآباء فى مواجهة طلبات الأبناء .. العين بصيرة والإيد قصيرة
إعداد الملف : نجلاء أبوزيد - سمر عيد - منار السيد - شيماء أبوالنصر
"العين بصيرة والإيد قصيرة" لسان حال غالبية الأسر المصرية وشعارها فى مواجهة احتياجات حياتية متجددة، وقوائم طلبات لا تنتهى، وجيوب خالية الوفاض نهشها غول الأسعار بلا رحمة.
وأبناؤنا أحد المتضررين بلا أدنى شك من الارتفاع غير المسبوق فى الأسعار وموجات الغلاء المتتالية التى أثرت بالسلب على قدرة الآباء على شراء وتلبية متطلبات الصغار بل يصبح الأمر أكثر سوءا فى حالة انخفاض المستوى الاقتصادى للأسرة بالكامل وهو ما يشكل أحيانا صدمة فى حياة الطفل كما يؤكد علماء النفس..
وعن تأثير الحالة الاقتصادية وارتفاع الأسعار على الأبناء وكيفية مواجهة التأثيرات السلبية يدور هذا التحقيق.
فى البداية يقول د. إيهاب عيد، أستاذ الصحة العامة والطب السلوكى ووكيل معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس: طلبات الأطفال لا تنتهي، وبعض الأهل يستجيبون لهذه الطلبات للتعبير عن حبهم وحنانهم، أو كنوع من التعويض النفسي للطفل عن انشغالهم وابتعادهم عنه لفترات طويلة، وإقبال الطفل على شراء كل ما يراه يكون طبيعيا أحيانا وفي أحيان أخرى يرتبط بنمط ضعف التركيز المصحوب بالحركة الزائدة، ويزيد تدعيم السلوك الشرائى عند الأطفال فى الأسر الميسورة ماديا كأحد أشكال التدليل الزائد، فطلبات الطفل فى هذه الحالة "أوامر" خاصة إذا ارتبط بالرغبة فى تعويض الأبناء عن الانشغال لساعات طويلة أو السفر أو كان وحيد أبويه، ويجب الانتباه إلى أن رغبة الأطفال فى شراء كل ما يرونه يدخل عليهم الفرحة والسعادة.
ويضيف: تغير الظروف الاقتصادية من أكثر العوامل المؤثرة على حياة الطفل لأن تراجع المستوى الاقتصادى للأسرة يعنى أن أحد المتضررين هم أطفال هذه الأسرة، لذلك ينبغى تعريفهم بما تمر به الأسرة من ظروف اقتصادية وهو ما يعرف بـ "التطعيم الاجتماعى" حتى لا يصابوا بالمفاجأة غير السعيدة والتى تتحول إلى صدمات فى بعض الأحيان خاصة مع انتقال الطفل من حى سكنى راق إلى مكان أقل أو انتقاله من مدرسة مرتفعة المصروفات بها قدر كبير من وسائل الرفاهية إلى مدرسة أقل فى الإمكانيات يفتقد فيها أصدقاءه والمناخ الذى اعتاد عليه فى السابق، لذا لا يجب أن يعامل الطفل بأنه آخر من يعلم بدعوى أنه ما زال صغيرا ولن يفهم شيئا، فالأطفال أذكياء ويحاولون دائما تفسير ما يحدث حولهم من تغيرات.
مسكنات الألم الاجتماعى
ويتابع: فى حالة عدم التمهيد للأبناء وحدوث صدمة الانتقال من مستوى اقتصادى إلى آخر أقل وما يتبعه من تراجع قدرة الأب على تلبية طلباتهم يجب اللجوء إلى ما يعرف بمسكنات الألم الاجتماعى بكثرة التواجد مع الأبناء فى المنزل أو الخروج معهم فى نزهات سريعة، والحديث معهم باستمرار للرد على استفساراتهم دون عصبية، وبث شعور الرضا بداخلهم.
وينصح د. إيهاب بتعديل السلوك الشرائى للأبناء حتى مع ثبات المستوى الاقتصادى بطريقتين الأولى من خلال مكافأتهم فى كل مرة لا يطلبون شراء ما يحبون، والثانية بحكى القصص المشوقة التى تتحدث عن قيم الرضا والقناعة والأمانة والثراء والفقر وغيرها من الأمور القدرية كالمرض والموت وهو ما يعرف بالعلاج المعرفى السلوكى.
ضغوط اقتصادية
أما د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، فيرى أن تراجع الحالة الاقتصادية يشكل ضغطا كبيرا على الأسرة المصرية حيث يتحمل رب الأسرة أعباء أكبر تضطره لمضاعفة ساعات العمل لزيادة دخلة وتلبية طلبات أفراد أسرته ما يؤثر على تواجده وتفاعله مع أبنائه، مشيرا إلى أن الأم تعمل ساعات النهار خارج البيت وعندما تعود تبدأ فى طاحونة تدبير أمور منزلها، وفى ظل هذا الغياب يزداد شعور الأبناء فى رغبتهم فى اقتناء الأشياء تعويضا لغياب الأب والأم سعيا وراء الحصول على السعادة المفقودة.
ويستطرد د. إيهاب: يساعد إرشاد الأب والأم النفسى والاجتماعى لأبنائهم فى تحقيق قدر معقول من التناغم والمرونة فى تقبل التعثر الاقتصادى للأسرة وذلك من خلال الحوار وتعويضهم عاطفيا بالتواجد معهم لحمايتهم من الشعور بالعوز الاقتصادى فقد أثبتت الدراسات العلمية مدى خطورته وارتباطه بالخمول والكسل وتراجع الرغبة فى التميز والتفوق الدراسى، والشعور بالاغتراب وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعى السليم.
استراتيجية تعامل
ويرى أستاذ الصحة النفسية أنه يجب التعامل مع من هم دون 6 سنوات من الأطفال والذى يرتبط خروجهم مع الأم أو الأب بشراء كل ما يرونه أمامهم بهدوء وحسم، حيث يمكن للأم أن تخبرهم أنه لم يتم الاتفاق على شراء هذه الأشياء اليوم وينبغى الاتفاق المسبق والتنبيه فى المرة الثانية على شراء شيء واحد فقط، أو تحويل نظرهم إلى شيء آخر أو حكاية قصيرة تستحوذ على ذهنهم مع مراعاة البعد عن العصبية والصوت المرتفع أو الضرب واللوم والتوبيخ.
ويؤكد د. إيهاب أن مستوى الوعى لدى الأبناء ارتفع بشدة مع التطور التكنولوجى المحيط بنا فالطفل ابن الثمانى سنوات يعى جيدا التغيرات الاقتصادية التى تمر بها أسرته، أما ابن الـ 12 سنة فهو طفل واع تماما يمكنه المشاركة فى وضع أولويات الإنفاق ليعرف أن هناك التزامات ينبغى الوفاء بها، مشيرا إلى أن هذه الخطوة مهمة جدا فى التربية حيث تجعل الطفل يشعر بالمسئولية وأنه شريك فى ميزانية البيت، كما تجعله يعتاد الإنفاق المرشد الواعى، ناصحا الأم بالتحدث مع الأبناء عن الجهد الذى يبذله الأب فى سبيل الحصول على راتبه أو دخله وأوجه الإنفاق التى تعود بالنفع على الأسرة كلها.