بمناسبة مرور أكثر من 200 عام عليها.. أثرية تكشف الأسرار التاريخية لمذبحة القلعة
كشفت الباحثة الأثرية بمشروع القاهرة التاريخية نادية عبد الفتاح، عن الأسرار التاريخية حول مذبحة القلعة والتي وقعت في شهر مارس عام ١٨١١ وتمكن من خلالها محمد علي الانفراد بالحكم بعد أن قتل أكثر من ٥٠٠ من المماليك وأتباعهم.
وقالت عبدالفتاح في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم بمناسبة مرور أكثر من ٢٠٠ عاما على وقوع مذبحة القلعة، إن المصادر التاريخية تصف تلك المذبحة بـ "الأبشع إنسانيا والأروع سياسيا"، وفكر في تخطيطها لاظوغلي باشا صاحب ميدان لاظوغلي الشهير بالقاهرة، حيث كان محمد علي يريد الانفراد بحكم مصر.
وأضافت أن المماليك كانوا في ذلك الوقت يرون أنهم الأحق بحكم مصر وكانوا دائمي التمرد ولم تنفع معهم محاولات الصلح والإرضاء التي قام بها محمد علي باشا حتى أنه أراد استرضاء "مراد بك" زعيم المماليك وأعطاه حكم الوجه القبلي مقابل مبلغ من المال، واشترط عليه عدم مساعدة المماليك للإنجليز، ولكن لم يجد هذا معهم نفعا.
وأكدت أن محمد علي كان على دراية تامة بكره المماليك له وعزمهم على التخلص منه متى أتيحت لهم الفرصة، ولكنه كان أكثر ذكاء منهم وكان يغير خططه وتنقلاته تبعا للأخبار والمعلومات الواردة عن مؤمرات المماليك التي يحاكونها ضده.
وأوضحت أنه في هذا الوقت كان الجيش المصري في انتظار الإشارة للتحرك صوب الحجاز للقضاء على الحركة الوهابية بتكليف من السلطان العثماني، وأثناء قيام محمد علي بالتجهيزات اللازمة للجيش المصري وصلته أخبار مؤكدة بأن المماليك بقيادة شاهين بك ينوون استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها محمد علي لاستعادة الحكم.
وقالت إنه لما عاد محمد علي من الوجه القبلي أخذ يجهز جيشا ليتجه إلى الحجاز لمحاربة الوهابية تلبية لنداء السلطان العثماني وبدأ يهيئ للحملة إلى بداية عام 1811، وجعل قيادة الجيش لأبنه أحمد طوسون باشا، ونظم مهرجانا فخما بالقلعة كان يوم الجمعة الموافق 1 مارس 1811 للإحتفال بإلباس ابنه خلعة القيادة. موضحة أن هذا النوع من الإحتفالات يعد من المواكب المشهودة التي تحشد لها الجماهير ولذلك لم يشك المماليك في تلك الاحتفالية.
وتابعت إن محمد علي دعا جميع الأمراء والبكوات المماليك وأتباعهم، وكان عددهم اكثر من ٥٠٠ لحضور الحفلة، فاعتبر المماليك هذه الدعوة علامة رضا منه، وأرتدوا أجمل وأثمن ثيابهم وأمتطوا خير ما لديهم من الجياد وذهبوا في صبيحة ذلك اليوم.
وعن تفاصيل يوم المذبحة، أوضحت أن البكوات المماليك دخلوا على محمد علي باشا في قاعة الإستقبال الكبرى، واستقبلهم بحفاوة وقدم لهم القهوة وتجاذب هو وضيوفه الحديث، ثم مالبث أن أذن مؤذن الرحيل فقرعت الطبول فكان ذلك إعلان بالتأهب لتحرك الموكب.
وأضافت أنه لما تقلد الأمير طوسون باشا اللواء، بدأ الركب يسير منحدراً من القلعة، وسار الموكب في نظام إلى باب العزب (باب القلعة من الجهة الغربية)، ثم جاءت وقت التصفيه الجسدية واختلط صراخ الرجال بصهيل الجياد.
وأكدت أنه تم قتل جميع المماليك واتباعهم ، ولم ينج منهم إلا واحدا يدعى "أمين بك"، والذي كان في مؤخرة الصفوف، فلما رأى الرصاص ينهال عليهم، صعد بجواده إلى المكان المشرف على الطريق، ووصل إلى سور القلعة، وقفز به وترك الجواد يتلقى الصدمة، فتهشم الجواد، ونجا هو من الموت، ومضى في طريقة نحو الصحراء متنكرا حتى وصل جنوب سوريا.
وحول أسباب إختيار باب "العزب" ليكون موقعا للمذبحة، أشارت إلى انه عبارة عن ممر صخري منحدر تحيط به الصخور على الجانبين، وبالتالي فلا مهرب ولا مخرج من المذبحة التي نفذتها جنود محمد علي بإحكام.
وعن رد فعل المصريين عن هذه المذبحة ، قالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح إنه في بداية الأمر لم يكن أحد من سكان المحروسة يتنبأ بوقوع مذبحة، فكانت الجماهير يعلوها الإبتهاج ولكن سرعان ما إنقلب الفرح إلى ذعر ساد بينهم وتفرق الناس وأُقفلت الدكاكين والأسواق وهرع الجميع إلى بيوتهم وخلت الشوارع من المارة.
وأضافت انه سرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك واتباعهم ويقتحمون بيوتهم وينهبون ما تصل إليه أيديهم بل تجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة.
وأكدت أن تلك الفوضى استمرت ثلاثة أيام قتل خلالها نحو ألف من أُسر وعائلات المماليك ونهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف الأمر إلا بعد نزول محمد على بنفسه إلى شوارع المدينة ليتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد بنفسه الإنضباط، وهكذا استطاع محمد علي الإنفراد بالحكم.