شبح كورونا يجتاح العالم ويهدد اقتصاديات الدول واستقرارها.. اضطرابات يومية.. وتراجع للمؤشرات وإلغاء فعاليات سياسية ورياضية وثقافية
تسبب فيروس "كورونا"، الذي اجتاح دول العالم مؤخرا، في حالة من الذعر والفوضى لمختلف الشعوب، حيث أدى إلى اضطراب الحياة اليومية لملايين الأشخاص، كما تسبب في تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي ووقف حركة التنقل بين الدول، فضلا عن إلغاء عشرات الفعاليات السياسية والرياضية والثقافية.
وعلى الرغم من جميع الإجراءات الوقائية وخطط الطوارئ التي تبنتها حكومات العالم، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إيقاف تفشي هذا الفيروس الذي يراه المراقبون أخطر أزمة وبائية عالمية في الألفية الثالثة، حتى أن منظمة الصحة العالمية أعلنت الأربعاء الماضي أن فيروس "كورونا" أصبح وباء عالميا.
ويسجّل "كورونا" يوميا مزيداً من حالات الإصابات والوفيات في مختلف الدول، حيث سجل حتى الآن قرابة 134 ألف إصابة وأكثر من 5040 حالة وفاة، وامتد الفيروس ليصيب عددا من كبار المسئولين والقادة الدوليين، فعلى سبيل المثال أصيبت زوجة رئيس الوزراء الكندي صوفي غريغوار ترودو، بالفيروس وتخضع حاليا للحجر الصحي، فيما أعلن رئيس وزراء كندا جاستن ترودو العمل من منزله، كما أُخضع ملك النرويج هارالد الخامس والملكة صوفيا للحجر المنزلي، وأصيب كل من وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستر، ووزيرة الصحة البريطانية نادين دوريز، كما تأكدت إصابة وزير الداخلية الأسترالي بيتر داتون، ووزير الاتصالات البرازيلي فابيو واجنجارتن، والذي اجتمع مؤخرا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويبدو أن الوضع أصبح أكثر خطورة على الساحة الأوروبية، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس الجمعة، أن أوروبا باتت حاليا البؤرة الرئيسية لفيروس "كورونا"، مشيرة إلى أن عدد الحالات التي تسجل فيها يومياً يفوق عدد الحالات اليومية التي سجلت في الصين خلال ذروة انتشار المرض.
كانت الدول الأوروبية قد شددت إجراءاتها للحد من انتشار فيروس كورونا حيث أعلنت العديد من الحكومات الأوروبية قرارات جديدة بإغلاق المؤسسات التعليمية وبعض الأماكن العامة وتعزيز تدابير الحجر الصحي.
ونظرا لخطورة الموقف، حرص القادة الأوروبيون على مخاطبة الجماهير بأنفسهم للإعلان عن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها بلادهم لكبح انتشار فيروس "كورونا" على أراضيها، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب أول أمس الخميس، غلق كافة المؤسسات التعليمية بدءا من الاثنين المقبل وحتى إشعار آخر وطلب من الأشخاص الذين تخطوا السبعين عاما البقاء في منازلهم، واصفا الأزمة بأنها "أسوأ أزمة صحية تشهدها فرنسا منذ قرن".
بدوره، ألقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خطابا مرعبا للبريطانيين والعالم حول وضع فيروس كورونا في بلاده، والذي وصفه بأنه "أسوأ أزمة صحية في العصر الحديث"، محذراً من المخاطر التي تواجهها العائلات البريطانية بسبب تفشي هذا الوباء.
وفي إسبانيا، أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد لمدة 15 يوما للحد من انتشار "كورونا"، كما تم فرض حجر صحي على 4 مناطق في مقاطعة كاتالونيا.
كما أعلنت الحكومة البرتغالية حالة الطوارئ، التي تشمل تعبئة الدفاع المدني وقوات الأمن وتطبيق حزمة إجراءات استثنائية منها إغلاق المدارس في كل البلاد، وتظل هذه الإجراءات سارية حتى 9 أبريل المقبل على أقل تقدير، كذلك أعلنت بلجيكا وسويسرا وأيرلندا والنرويج غلق مدارسها وجامعاتها، وأغلقت ألمانيا المدارس في معظم المقاطعات، وفي شرق أوروبا، أعلنت سلوفاكيا وجمهورية التشيك غلق حدودهما لوقف انتشار "كورونا"، في حين أغلقت لاتفيا وليتوانيا المدارس وحظرتا التجمعات الجماهيرية.
وفي إيطاليا، الدولة الأكثر تضررا من "كورونا" بعد الصين، فقد أصدر رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، قراراً بإغلاق كل البلاد لمواجهة الحرب التي شنَّها فيروس العصر"كورونا"، حيث تم إغلاق كافة المتاجر والمحلات باستثناء الصيدليات وأسواق المواد الغذائية، وتم فرض حظر شامل على التجمّعات وعلى السفر حتى 3 أبريل المقبل، كما تم فرض الحجر الصحي في كل أنحاء البلاد.
وتتسم إيطاليا بأعلى معدلات من حيث سرعة انتقال العدوى، وسجلت أمس الجمعة فقط 250 حالة وفاة جديدة جراء فيروس "كورونا"، وهو رقم قياسي خلال 24 ساعة، مما يرفع عدد الوفيات فيها إلى 1266 حالة، في الوقت الذي وصلت فيه الإصابات إلى 17,660 حالة، لتصبح إيطاليا الدولة الأكثر تضررا في أوروبا.
دوليا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الجمعة، حالة الطوارئ في البلاد وإغلاق الحدود لمواجهة فيروس "كورونا"، موضحا أن بلاده ستوقف اعتباراً من الأربعاء المقبل دخول الأوروبيين لمدة 30 يوماً، وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة لدى القارة العجوز.
كما أعلنت روسيا انها ستخفض اعتبارا من الاثنين المقبل عدد رحلاتها الجوية مع الاتحاد الأوروبي في محاولة لاحتواء انتشار وباء" كورونا"، بعد أن أغلقت في وقت سابق الحدود مع الصين وفرضت قيودا على الرحلات القادمة من إيران وكوريا الجنوبية منعا لانتشار الفيروس.
وفي الوقت الذي تزداد الأوضاع خطورة في أوروبا، بدا واضحا أن الصين نجحت في السيطرة على المرض بدرجة كبيرة حيث سجلت تراجعا ملحوظا في معدل الإصابات بعد الحجر الصحي بالغ الشدة الذي فرضته على أكثر من 50 مليون شخص منذ نهاية يناير الماضي، وتبلور هذا النجاح خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مركز انتشار الفيروس بمدينة ووهان الصينية في 10 مارس الجاري، ليعلن أن ذروة الأزمة قد انحسرت.
اقتصاديا، يتفق المراقبون أن "كورونا" قد تسبب في حدوث اضطرابات ملحوظة في الاقتصاد العالمي حيث أشارت تقارير اقتصادية إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.3%، أي ما يعادل 1.1 تريليون دولار، وأثَر انتشار الفيروس سلبا على مختلف الأنشطة الاقتصادية، وهو ماظهر واضحا من خلال تباطؤ استهلاك السلع الأساسية، تقلُّص الطلب على النفط، وتراجع الإنفاق على القطاع السياحي الذي تزامن مع القيود الرسمية المفروضة على حركة السفر والتنقل.
وحذر هؤلاء المراقبون من أن التداعيات السلبية لكورونا قد تؤدي إلى إفلاس بعض الدول قريبا في ظل هبوط الأسواق العالمية وتصاعد مخاوف المستثمرين من انتشار الفيروس ودخوله دولا جديدة.