جاءت الدعوة لعقد قمة أوروبية حول السياحة لتبرز حجم الضرر الضخم الذي لحق بهذا القطاع الحيوي من جراء انتشار فيروس "كورونا" في مختلف أرجاء القارة العجوز، والذي أثر سلبا على اقتصاديات العديد من الدول الأوروبية لاسيما التي تعتمد بشكل أساسي في إيرادتها على قطاع السياحة.
وكان المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بروتون، قد اقترح الأسبوع الماضي أمام البرلمان الأوروبي، تنظيم قمة في سبتمبر أو أكتوبر المقبلين حول السياحة، أو حتى في يونيو عبر الفيديو، لبحث تداعيات الأضرار التي لحقت بهذا القطاع ووضع خارطة طريق نحو "سياحة أوروبية مستدامة ومبتكرة ومرنة"، على أن تجمع هذه القمة كافة الهيئات الفاعلة في هذا القطاع والسلطات الحكومية الوطنية والإقليمية والمحلية وكبار رجال الصناعة.
وبات لافتا أن وباء كورونا قد ألحق أضرارا جسيمة بالسياحة ليس فقط أوروبيا ولكن أيضا على المستوى العالمي، حيث يمثل هذا القطاع 10.3% من الناتج الإجمالي العالمي، وأشارت التقديرات الأولية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى انخفاض في السياحة العالمية بنسبة 45% خلال عام 2020، وقد تصل هذه النسبة إلى 70% في حالة تباطؤ جهود تحقيق التعافي حتى شهر سبتمبر المقبل، كما أوضحت تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة أن ما يقارب من 75 مليون وظيفة في قطاع السياحة باتت مهددة بالخطر، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة في الناتج الإجمالي العالمي قد تصل إلى 2.1 تريليون دولار عام 2020.
في هذا السياق أكد وزراء السياحة لدول مجموعة العشرين، في اجتماعهم الجمعة الماضية، التزامهم بالعمل معا لدعم قطاع السياحة لمساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي من تداعيات وباء كورونا، حيث تعهد الوزراء بدعم القطاع السياحي وتعزيز التنسيق بين الحكومات لتقديم سياسات متكاملة تعزز مرونة القطاع، إلى جانب العمل على تحسين مستوى إدارة الأزمات، وتخفيف قيود السفر مع الالتزام ببيئة سفر آمنة، والعمل على دعم الاقتصادات النامية التي تعتمد على قطاع السياحة، وتكليف مجموعة عمل السياحة بالعمل على تحديد التحديات والطرق التي من شأنها تحسين مستوى المرونة وتحقيق انتعاشة للقطاع.
على المستوى الأوروبي يبدو الوضع شديد التأزم، حيث تكبد قطاع السياحة خسائر فادحة بعد أن تلقى ضربة موجعة من جراء انتشار "كورونا"، لاسيما أن هذا القطاع يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي وفقا للمفوضية الأوروبية للسياحة، بينما تصل هذه النسبة إلى 14% في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعتمد بشكل أساسي في إيرادتها على قطاع السياحة.
فمن باريس وبرلين، وصولاً إلى روما ومدريد بات من الملاحظ أن أشهر المعالم السياحية في أوروبا، التي عادة ما تكون مكتظة بالزوار، أصبحت الآن خالية من البشر نتيجة لإجراءات الإغلاق التام أو الجزئي التي تتبعها معظم المدن الأوروبية، في إطار الجهود المبذولة للحد من انتشار هذا الوباء.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر، الأربعاء الماضي، من المخاطر التي تواجهها دول جنوب منطقة اليورو، كإسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان، والتي يعتمد اقتصادها بدرجة كبيرة على السياحة.
في السياق ذاته كشف الاتحاد الدولي للنقل الجوي، في تقرير حديث له، عن أن الخسارة المحتملة في الإيرادات من قبل شركات النقل الأوروبية خلال العام الجاري ستصل إلى 89 مليار دولار، مشيراً إلى أن حجم الطلب على السفر سيكون أقل بنسبة 55% عن عام 2019 في ظل الإجراءات والقيود المفروضة والتي ستستمر على الأقل لمدة ثلاثة أشهر إضافية، مع رفع تدريجي للقيود في الأسواق المحلية، يليه السفر الإقليمي وعبر القارات.
وأشار إلى أن الانهيار الحالي بالحركة الجوية في أوروبا، الذي تصل نسبته إلى 90%، قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ 452 مليار دولار في جميع أنحاء أوروبا، وهذا يعادل خسارة نحو 1.1 مليون وظيفة إضافية و74 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالتوقعات السابقة، التي كانت تشير إلى فقدان نحو 5.6 مليون وظيفة و378 مليار دولار فقط.
وفي إسبانيا، توقع التقرير تراجع أعداد المسافرين فيها بنحو 114 مليون شخص، وتكبد الاقتصاد الإسباني خسائر إجمالية في الإيرادات تقدر بنحو 15.5 مليار دولار، إضافة إلى فقدان أكثر من 901 ألف و300 وظيفة و59.4 مليار دولار، أما ألمانيا فقد أشار التقرير إلى أنه من المتوقع انخفاض عدد المسافرين بها بنحو 103 ملايين شخص، وتكبد الاقتصاد الألماني خسائر في الإيرادات بقيمة 17.9 مليار دولار، إضافة إلى فقدان أكثر من 483 ألفا و600 وظيفة و34 مليار دولار.
وفي إيطاليا، التي تمثل السياحة 13% من اقتصادها، فقد توقع التقرير تراجع عدد المسافرين بنحو 83 مليون شخص، وتكبد الاقتصاد الايطالي خسائر في الإيرادات الإجمالية تبلغ نحو 11.5 مليار دولار، إضافة إلى فقدان أكثر من 310 آلاف و400 وظيفة و21.1 مليار دولار.
وبالنسبة لفرنسا، فوفقا للتقرير من المتوقع انخفاض عدد المسافرين فيها بنحو 80 مليون شخص، ووقوع خسائر في الإيرادات الإجمالية بنحو 14.3 مليار دولار، إضافة إلى فقدان نحو 392 ألفا و500 وظيفة و35.2 مليار دولار كانت تدخل في اقتصاد البلاد.
في ضوء ماسبق، يبدو واضحا أن قطاع السياحة سيكون من أبرز وأصعب التحديات أمام أوروبا في مرحلة ما بعد "كورونا" لاسيما في ظل استمرار الإجراءات الاحترازية والقيود المفروضة على السفر والتي ستؤثر بدورها على حركة التنقل بين الدول.
وتوقع المراقبون أن الإجازات الصيفية المقبلة ستتضرر كثيرًا هذا العام بسبب تأجيل السياح للسفر لتجنب الإصابة بالفيروس، لافتين إلى أن كثير من الدول الأوروبية ستعتمد بدرجة كبيرة على السياحة الداخلية في محاولة لاستعادة القطاع لنشاطه وإعادة بناء الثقة به.