رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سلوى بكر .. خطاب دينى ضد تطرف المسيحيين والمسلمين

19-4-2017 | 13:54


بقلم –  عادل سعد

وسط بلاد الفراعنة منذ أكثر من ألفى عام.عاش أمونيوس طفلا مصريا فقيرا، وهبه أهله للدير لينال شرف الرهبنة، وتربى على تقاليد صارمة، حتى اضطرته الأيام إلى السفر في رحلة شاقة والتعرف على زلزال هز كيانه، وأعاد ترتيب أولويات إيمانه من جديد.

هكذا تبدأ رسالة سلوى بكر روايتها «شوق المستهام» ومن بين أوراقها يتسلل اتهامها إلى المسيحيين والمسلمين بتعمد اضطهاد الحضارة الفرعونية العظيمة.

أمونيوس الراهب الصغير.راح وعمره عشر سنوات للدير ليترهبن ويتعلم هناك دروسا دينية صارمة، منها أن كل تاريخ الأقدمين تراث للكفر والوثنية والهرطقة، وهو لا يعرف أن اسمه نفسه – أمونيوس - ربما كان مشتقا من اسم الإله الفرعوني الأعظم آمون رب الأرباب.

هكذا تربى الصعيدى الصغير وسط حصار التعاليم المتشددة، واستقام عودا وإيمانا ودرس الطب، إلى أن وصلت الدير رسالة عاجلة بأن أمه فى حالة خطرة، واستدعاه رئيس الدير وباركه ونصحه بأن يذهب ليراها قبل أن تموت.

وهكذا يقطع الشاب رحلة للعودة من الشمال إلى الجنوب.بينما يتصادف وقوع وباء مميت يجتاح البلاد.

كانت الجثث والصرخات في كل مكان، والبلاد المقهورة خرجت من ظلم الرومان، باحتلال الإسماعيلية ( العرب المسلمين) لمصر وضياع أهل البلاد والتفافهم حول أبونا بنيامين كأمل أخير.

وصل الراهب إلى بيت أبيه كالعادة متأخرا، ماتت أمه، وسقط أبوه بالفالج ( الشلل النصفى) بعد أن تزوجت شقيقته من رجل من غير ملتها، وانتحرت محبوبته، ولم يعد في البيت غير شقيقته وبقايا أشباح تصارع الوباء.

لم يتحرك أبوه للثورة على العرب ولم يحزن، ولم يقاوم الرومان.لكنه مات كمدا لأن شقيقته تزوجت ممن يخالف العقيدة الصحيحة من وجهة نظره.

وسط طوفان الوباء يقرر الشاب الطبيب أن يقف إلى جانب الحياة ويبحث عن علاج لإنقاذ الناس، وينحدر للجنوب بعد أن أرشده البعض لأوراق ولفائف قديمة، تحوى أسرارا توقف الموت القائم على رقاب الناس.

تتناوشه الأفكار وهو ينبش قبور الفراعنة الموتى، وينتقل من مقبرة لأخرى, وهو يجيد القليل من الديموطيقية «اللغة الوسيطة ما بين الهيروغليفية واليونانية» ويسعى لفك رموز رسوم المعابد ولفائف البردى.

كانت معظم المعابد الفرعونية قد تعرضت للحرق والتدمير.بحجة أنها ميراث للكفر والسحر وعبادة الأوثان، باستثناء بعض معابد في الجنوب احتاط عليها حراسها وبقيت بداخلها بعض البرديات واللفائف الصفراء.

وأخيرا يهبط أمونيوس إلى معبد دندرة العظيم.الذى احتفظ بنقوشه الملونة، ربما لأنه الأقرب عهدا، وبين جنباته اكتشف الراهب الشاب أنه لم يكن وحيدا، فقد كان هناك عالم آخر قادم من العراق لنسخ محتوى المئات من البرديات.

لم تكن الأوراق الفرعونية كلها عن الآلهة والملوك والهرطقات الدينية، كما أنها لم تحتو على معلومات مهمة فقط في الطب بل على كتابات أخرى غاية في الأهمية فى علوم الكيمياء والهندسة والفلك والفلسفة.

خرج الشاب مسحورا بكل ما رأى، وتوصل لعلاج للوباء، وقرر أن يعود للدير على أنقاض الموت والدمار منتصرا.

لكنه يتوقف طويلا وينظر حوله، وفى النهاية يقرر البقاء ويرهن الباقى من حياته لدراسة ميراث أجداده الأقدمين.

تلك الرواية السهلة تبدو في ظاهرها كرحلة من الجنوب للشمال وبالعكس في بر مصر في زمن بدايات الفتح العربى لمصر وسقوط دولة الرومان، لكنها تنطوى على كل أنماط الجدل القائم الآن بشأن تجديد الخطاب الديني واضطهاد الآخر.

ومن بين السطور تطل حضارة عظيمة تدافع عنها سلوى بكر بوصفها درة يفاخر بها العالم كأساس للحضارات الأقدم في التاريخ، بينما أحفادها يطاردونها لعنا وسبا وحرقا وطمسا لمجرد ورود روايات عن ظلم بعض حكامها الأقدمين.

الحضارة المصرية القديمة لم تكن أبدا فرعون موسى ولا هامان وجنوده ولا كنوز قارون أو حكمة يوسف، الحضارة الفرعونية كانت أقدم وأقوى من كل هؤلاء، وأفضالها سارت بين الناس لتنقلهم من عصور الغاب إلى المدنية والحضارة.

هل تلك حضارة كفار؟ وإذا كان هذا صحيحا .ماذا عن نبى الله إدريس المصرى الذى صعد للسماء.ولم يمت.والذي يصر البعض على أنه أوزوريس ؟وكيف تكون الحضارة المصرية القديمة أرض كفار وهي التي علمت الناس أفكار البعث والنشور والحساب والعالم الآخر والعدل بين الناس قبل الديانة اليهودية بآلاف السنين.

عرف الفراعنة العظام الإلهة «ماعت» ربة الخير والحق والعدل والجمال.منذ أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.ومنها تفرعت تلك الأفكار المجردة عن الحرية والعدالة والمجتمع والتصالح وحب الخير.وقبلها كانت الناس لا تعرف غير مسميات الوحوش والثمار لتأكلها فى بطونها.

تشعر بالحسرة من قراءة رواية سلوى بكر «شوق المستهام» من ندرة دراسة التاريخ الفرعونى الممتدة عشرة آلاف عام في مناهج مدارسنا واختزاله واختصار كل معانيه إلا من صفحات معدودة لدرجة أنك تشعر بأن كليوباترا كانت إحدى بناة الأهرامات بينما المسافة بينهما تعادل المسافة ما بيننا وبين السيد المسيح مرتين.

وتشعر بالحسرة أكثر عندما نقرأ كتبنا الدينية مسيحيين ومسلمين.وترى حرص القساوسة والشيوخ على سب فرعون موسى وهامان وجنوده وفرعون الطامع في سارة زوجة إبراهيم واختزال خمسة آلاف سنة من عمر حضارة الإنسان بينما كل العالم ما زال يستزيد من علومها.

بالأمس جمعتني المصادفة بسائحة بولندية وبدأت تتحدث عن الأرقام وعلاقتها بالإنسان.ولما قلت لها إننى لا أؤمن كثيرا بتلك التفسيرات. قالت كيف وأنت لم تقرأ عنها؟.ولما سألتها عن اسم هذه الكتب .قالت إنها ميراث فرعونى.

نعم نحن نجهل تاريخنا العظيم .بل ونضطهده مسيحيون ومسلمون.بينما يدافع عنه بقية العالم.

وما أحوجنا لرحلة كتلك التي قطعتها سلوى بكر في «شوق المستهام» لعلنا نكتشف الحقيقة ونتخلص من الخطاب الديني العنصرى ومن الوباء.