"إعلان القاهرة".. خارطة طريق لوقف نزيف الحرب وإعلاء المصلحة الوطنية في ليبيا
تبدأ اعتباراً من اليوم الاثنين الثامن من شهر يونيو الحالى ( 2020) ، تنفيذ بنود المبادرة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس الأول ، بشأن استقرار وأمن ليبيا تحت عنوان "إعلان القاهرة"، والتي تتضمن وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في ليبيا.
تؤكد هذه المبادرة التي تأتي كخارطة طريق لحل الأزمة ووقف نزيف الحرب وتجنيب الحل العسكري وإعلاء المصلحة الوطنية في ليبيا، رسوخ واستقرار السياسة المصرية التي تنطلق من مرتكزات ثابتة تجاه الأزمة الليبية، أكد عليها دوما الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أجل إنهاء حالة الصراع والاقتتال المحتدم في ليبيا، وقطع الطريق على المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى تفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتهم، وانخراط جميع الأطراف في جهود تشكيل مجلس رئاسي جديد يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة وبشروط يتفق عليها الجميع.
ومنذ البداية كانت الغاية الأسمي للموقف والتحرك المصري تجاه الأزمة الليبية، تهدف دوماً إلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار في أنحاء ليبيا كافة، من خلال السعي نحو تسوية سلمية للأزمة، تضمن وحدة المؤسسات الوطنية، والتوزيع العادل للثروات الليبية، ومنع التدخلات الخارجية.
ولأن من سمات السياسة المصرية أنها تتسم بالشفافية والنزاهة والجدية، فقد أكد الرئيس السيسي أنه انطلاقاً من حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني للدولة الليبية، خصوصاً أن استقرارها جزء لا يتجزأ من استقرار مصر، تمت دعوة قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، للحضور إلى القاهرة، قصد التشاور حول تطورات الأوضاع الأخيرة في ليبيا، بعد ترحيبهما بالدعوة، حيث أسفر اللقاء عن توافق القادة الليبيين على إطلاق إعلان القاهرة، متضمناً مبادرة (ليبية - ليبية) كأساس لحل الأزمة، في إطار قرارات الأمم المتحدة، والجهود السابقة في باريس وروما وأبوظبي، وأخيراً في برلين.
بنود إعلان القاهرة
تضمن إعلان القاهرة بشأن ليبيا عدة بنود هي كالتالي:
أولاً: التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو الجاري.
ثانياً: ارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين، التي نتج عنها حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية)، واحترام حقوق الإنسان، واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
ثالثاً: استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
رابعاً: العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة، واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.
خامساً: إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية، مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واستعادة الأمن في المجال البحري، والجوي، والبري.
سادساً: قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاث بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب والنخب السياسية من المثقفين والنقابات، وبموجب هذا البند تجتمع اللجان الثلاث تحت رعاية الأمم المتحدة ويتم التوافق عليها، ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالانتخاب وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يوماً.
سابعاً: قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي ونائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.
ثامناً: يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة، فيتم اتخاذ القرارات أو البث في المقترحات التي يقدمها القائد العام للجيش في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام.
تاسعاً: حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارة طبقا لعدد السكان، عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، مجلس الوزراء).
وبموجب هذا البند يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات وإقليم فزان على 5 وزارات، على أن يتم تقسيم الوزارات السيادية الست على الأقاليم الثلاثة بشكل متساو، وزارتين لكل إقليم مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.
عاشراً: اضطلاع مجلس النواب الليبي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز 30 يوما، بدءا من تاريخ انعقاد أول جلسة.
حادي عشر: قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة، باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي، وعلى المجتمع الدولي إخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية.
موقف عربي ودولي داعم لإعلان القاهرة
أحدثت ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية الداعمة والمؤيدة لإعلان القاهرة، حالة من الارتياح لدفع الأزمة الليبية خطوات للأمام نحو الحل السياسي بعيداً عن الأطماع السياسية والاقتصادية من جانب بعض الدول الإقليمية.
فمن جانبها أكدت السعودية ترحيبها بالمبادرة وبكل الجهود الدولية التي تدعو إلى وقف القتال في ليبيا والعودة للمسار السياسي على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك ما تم التوافق عليه في مؤتمري برلين وجنيف.
وحثت السعودية جميع الأطراف الليبية وفي مقدمها حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي، على تغليب المصلحة الوطنية الليبية والوقف الفوري لإطلاق النار والبدء في مفاوضات سياسية عاجلة وشاملة برعاية الأمم المتحدة وبما يكفل عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها وحمايتها من التدخلات الخارجية.
كذلك أعلنت البحرين دعمها للجهود المصرية، مؤكدةً وقوفها مع كل الجهود الرامية إلى وقف فوري للاقتتال والعودة للمسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيداً عن التدخلات الخارجية كافة.
وثمّنت الإمارات المساعي المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية "بحسٍّ عربي مسؤول وجهود مثابرة ومقدرة"، حيث أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية عن تأييدها للجهود المصرية الخيّرة، الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي، مؤكدة وقوفها مع كل الجهود التي تسعى إلى الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي، الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيداً عن التدخلات الخارجية كافة، داعيةً الجهات الليبية، وعلى رأسها حكومة الوفاق والجيش الوطني إلى التجاوب الفوري مع هذه المبادرة، وتغليب المصلحة الوطنية المشتركة، والتجاوب مع مبادرة القاهرة حقناً للدماء.
من جهته، ثمّن الأردن الجهود المصرية، حيث قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن الأردن "تثمن الجهود المصرية التي أثمرت عن (إعلان القاهرة)، الذي يشكل إنجازاً مهماً"، مؤكداً أن الإعلان "يمثل مبادرة منسجمة مع المبادرات الدولية، يجب دعمها للتوصل لحل سياسي للأزمة الليبية، يحمي ليبيا ووحدتها واستقرارها عبر حوار ليبي".
كما جاءت المواقف الدولية داعمة للجهود والمبادرة "إعلان القاهرة" بشأن الأزمة الليبية، إذ عبرت الولايات المتحدة عن ترحيبها بالمبادرة المصرية التي تهدف إلى وقف إطلاق النار والمساعدة في إطلاق العملية السياسية.
وقالت السفارة الأمريكية في ليبيا في بيان على تويتر:"نرحّب بجهود مصر وغيرها من الدول لدعم العودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق النار، وندعو جميع الأطراف للمشاركة بحسن نيّة لوقف القتال والعودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".
وأضافت "أن الولايات المتحدة تراقب باهتمام ارتفاع أصوات سياسية في شرق ليبيا للتعبير عن نفسها. ونتطلع إلى رؤية هذه الأصوات تنخرط في حوار سياسي حقيقي على الصعيد الوطني فور استئناف مباحثات اللجنة المشتركة 5 + 5 التي استضافتها البعثة بشأن صيغ وقف إطلاق النار".
من جانبها رحبت روسيا بالمبادرة التي وصفتها بالهامة من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا وقالت السفارة الروسية في القاهرة:" تقدمت مصر بالمبادرة الهامة لإنهاء الأزمة في ليبيا، نرحب بكل الجهود الرامية الى تسوية النزاع واستعادة السلام في كافة الأراضي الليبية".
كما عبرت فرنسا عن دعمها للمبادرة بشأن إنهاء الصراع في ليبيا، وحسب بيان الخارجية الفرنسية، فقد هنأ وزير الخارجية الفرنسي لودريان نظيره المصري سامح شكري على الجهود التي بذلتها مصر بشأن الملف الليبي، ورحب بالنتائج التي تحققت والتي تهدف إلى الوقف الفوري للقتال واستئناف المفاوضات في إطار اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.
كما أعربت فرنسا عن دعمها لاستئناف العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، في إطار المعايير المتفق عليها في مؤتمر برلين، مؤكدة على أهمية توحيد المؤسسات الليبية بما فيها الهيئات المالية وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية.
ورحبت بريطانيا بالمبادرة بشأن وقف إطلاق النار في ليبيا وأكدت على ضرورة أن تحظى بدعم دولي، داعية الأطراف الليبية للانخراط بشكل عاجل في المحادثات الرامية للتوصل إلى حل سياسي.
يبقى القول أن مستقبل الاستقرار والأمن في ليبيا مرهون بقدرة كافة الأطراف الليبية على تغليب المصلحة الوطنية العليا للوطن والبعد عن الأطماع والأهواء السياسية، وبدعم خالص من المجتمع الدولي لتغليب الحل السياسي السلمي عن العسكري، ومع صدق نوايا كافة القوى ستكون بداية مرحلة جديدة لعودة الحياة الطبيعية والآمنة إلى ليبيا، بما يتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية، وبما يكفل في النهاية وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها.