د. ابتسام المتوكل
عواء الطائرات يزداد توحشا، واقترابا من قطف أعمارنا؛ إنه الرعب الليلي المرسل منذ أول العصف.
صديقي يطالبني بالكتابة/ الحياة، وأنا في بلادة موت يغزو أوقاتي ببشاعة القصف!
أسباب الكتابة كأسباب الحياة، تكاد تنعدم، لكن إلحاح الطائرات على القرب والرعب، يحثني على الاستجابة، فلعلها تكون المعاقرة الأخيرة للكتابة!
لبلاد أهداها الله بعناية فائقة لقلبي أنتمي؛ حيث الجمال يدوزن المكان على سجيته، والتاريخ يمشي بأناة، والحياة عفوية لا تخلو من مكابدات.
بلادي تقصف بوحشية، وترمي الطائرات بهمجيتها أجمل ما وهبته للإنسانية، فتنزف صنعاء وأخواتها، وتذرف فرادتها وبهاءها.
تتجاوز الرعب وتهزم القبح وتحيا بين قصفين، بكامل طيبها وأناقتها وتحديها، فينتفض القاصفون غيظا ويجربون موتا أعنف!
يجربون أحقادهم تصب عليها/ عليّ، ونجرب محباتنا العنيدة نمضي بها على القذائف ونطفئ بهاالحرائق!
فنحن كشاعر هذا التراب ننسى أن نموت، ونتذكر أن نحب الحياة!
الحب صار باريسيا فجأة، يطوق المسافة بزهر اللقاء، ويحاصر الفرقة القريبة بحضوره البعيد.
الحب أبعد من قارتين وأقرب من قذيفتين، عجائبي كما في الحكايات القديمة لجدتي، وواقعي كأيامنا المتخمة بلحم الضحايا وأناتهم وحكاياتهم!
الحب يزداد رقة في غلظة القتل ونورانية في عتمة الغارات؛ وبين قصفين يبالغ في النماء ويزهر بعناد كوردة أزهرت في أحد بساتين صنعاء القديمة بعد عام من قصفه!
فكانت قصيدة خفية وشعرا جليا!
أين اختفى الشعر عني؟ أين اختبأت أطيافه بموسيقى حضورها الفاتن؟ هل كان لي كطائر ألف فوضاي فاقترب، ولما أتى القصف جزعا فر، كما لو هوت نجمة عن مدار العتب؟
ولم بين قصفين لا..
لا يسوق الحنين خطاه؟
أترى طائر الشعر تاه؟
أم أنا قد أضعت الطريق إليه؟
أخطأتني المواعيد سهوا..
ربما..
ربما سأراه!