أصدرت محكمة لبنانية حكما قضائيا بمنع أية وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية
تعمل داخل البلاد، من إجراء أية مقابلات أو تصريحات إعلامية مع سفيرة
الولايات المتحدة الأمريكية لدى لبنان دورثي شيا، وذلك بعدما اعتبرت
المحكمة أن السفيرة أدلت بتصريحات مسيئة لـ "حزب الله" تشكل خطرا على
الاستقرار والسلم الأهلي اللبناني.
وحصلت وكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم /السبت/، على النص الكامل للحكم
الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة محمد مازح في مدينة صور (جنوبي لبنان)
والمكون من 5 صفحات، والذي تضمن منع كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة والإلكترونية، لمدة عام كامل، من إجراء مقابلات مع السفيرة
الأمريكية في بيروت، على أن تُعاقب الوسيلة الإعلامية التي تخالف قرار
المحكمة بالإيقاف لمدة مماثلة مع إلزامها بدفع غرامة قدرها 200 ألف دولار.
وجاء بالحكم أن إحدى السيدات تقدمت بصحيفة الدعوى "عبر البريد الإلكتروني"
والتي ذكرت فيها أنها تضررت من المقابلة التلفزيونية التي أجرتها السفيرة
الأمريكية أمس على قناة (الحدث) التابعة لشبكة أخبار العربية، وأن المقابلة
انطوت على تصريحات مسيئة للشعب اللبنانية ومثيرة للفتن والعصبيات على نحو
من شأنه تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية، وتشكل خطرا على السلم الأهلي
والعيش المشترك.
وجاء بحيثيات "أسباب" الحكم أن حديث السفيرة دورثي شيا يمثل تدخلا في الشأن
الداخلي اللبناني بتحميلها "حزب الله" مسئولية تدهور الأوضاع في لبنان،
على نحو يساهم في تأليب الشعب اللبناني على بعضه وعلى حزب الله، ويحض على
النعرات المذهبية وإثارة الفتن ويعرض السلم الأهلي للخطر، كما أنه "جرح
مشاعر" مقدمة الدعوى وكثيرين غيرها من أفراد الشعب اللبناني.
وكانت السفيرة الأمريكية لدى لبنان قد حمّلت – في المقابلة التلفزيونية محل
الدعوى - بشكل مباشر حزب الله المسئولية عن الانهيار المالي والاقتصادي
والتردي المعيشي الذي يشهده لبنان، مشيرة إلى أن الحزب الذي تصنفه بلادها
إرهابيا، بنى دولة داخل الدولة على نحو استنزف لبنان.
وأضافت السفيرة الأمريكية خلال المقابلة أن "دويلة حزب الله" كلفت الدولة
اللبنانية مليارات الدولارات كان ينبغي أن تذهب إلى الخزينة العامة للبلاد،
وأن الحزب وأمينه العام يمنعان الحلول الاقتصادية عن لبنان.
من جانبها، عقّبت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد على الحكم في تغريدة لها
على حسابها على موقع تويتر قائلة: "اتفهم غيرة القضاء على أمن الوطن من
تدخل بعض الدبلوماسيين في شؤونه الداخلية. لكن لا يحق لأحد منع الإعلام من
نقل الخبر والحد من الحرية الإعلامية، وفي حال لدى أحد مشكلة مع الإعلام
فليكن الحل عبر وزارة الإعلام والنقابة والدور الاستشاري للمجلس الوطني
للاعلام وانتهاء بمحكمة المطبوعات".
من جهته، قال رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في تغريدة له على تويتر:
"مستغرب جدا قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور بمنع السفيرة الأمريكية من
التصاريح الإعلامية ومنع وسائل الإعلام من استصراحها. هذا تجاوزا للدستور
وتعديا على دور وزارة الخارجية وانتهاكا للمعاهدات الدولية وإساءة للبنان
وللحرية الإعلامية، والأخطر أنه يقدم نموذجا واضحا لوضع القضاء".
من ناحيته، اعتبر جهاز العلاقات الخارجية في حزب الكتائب اللبنانية، الحكم
"سياسيا ويتعرض للحريات الإعلامية ونقل الأخبار والتصريحات، كما أنه يتناقض
مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحمي العلاقات الدبلوماسية بين
الدول".
وأضاف حزب الكتائب اللبنانية في بيان اليوم : "اتفاقية فيينا للعلاقات
الدبلوماسية تعطي حصانة مطلقة للسفراء والسلك الدبلوماسي في الدولة
المضيفة، لا بل تلزم الدولة المضيفة باتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع أي
كان من التعدي على حرية الدبلوماسيين".
وأكد الحزب أن القرار يأتي في سياق محاولة زيادة العزلة الدولية للبنان
وقطع أوصاله مع كل الدول الأخرى، كما يشكل خطرا على المساعدات والدعم الذي
يتلقاه لبنان من الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما القوات المسلحة
اللبنانية.
وشدد الحزب على رفضه لهذا القرار، مشيرا إلى أنه يضعه في خانة التحول نحو
"الدولة البوليسية ودولة الحزب الواحد والرأي الواحد ووسيلة لفرض أجندات
سياسية على الشعب اللبناني".. داعيا مجلس القضاء الأعلى إلى تصحيح هذا
الخطأ والتصدي لكل محاولات تسييس السلطة القضائية في لبنان.