بالوثائق النادرة.. معلمون مصريون لإثيوبيا على نفقة حكومتنا
لم تشأ مصر أبدا أن تظهر فضلها على أي
من الشعوب، ولم نتغن أبدا بجميل فعلته بلدنا مع أي لاجئ يحتمي بمصر أو طالب معونة
أو طالب علم ، والسبب في إظهارنا تلك الوثائق الآن، ليس من باب التباهي، وإنما اقتضت
الضرورة أن نطرح قطرات من التاريخ ليعلم من لا يعرف ولينتبه المراوغون الذين
يتشدقون بمصالح شعبهم أن مصر كانت السند لجدود وآباء شعوبهم، فلمصر أفضال لا تحصى
على الجميع بحكم تاريخها التليد، وقت أن كانت مركز النور والحضارة وكان الظلام يعم
أرجاء العالم حولها، نستكمل طرح بعض الوثائق التي تذكر الأشقاء في أثيوبيا بأن مصر
قديما تكبدت الأموال والجهود من أجل مصالح شعبهم .
الخيار الثاني للإمبراطور
ننشر اليوم وثيقة توضح التواصل
بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، والمؤرخة في 5 سبتمبر 1930، والتي أتت ردا على
طلب الحكومة الإثيوبية في إيفاد معلمين مصريين إلى إثيوبيا لتعليم أبنائها، وجاء
ذلك الطلب بعد أن أوفد إمبراطور إثيوبيا 60 طالبا إلى مصر ليحصلوا على العلوم،
ولأن الإمبراطور هيلا سيلاسي يعلم حاجة شعبه إلى نيل العلم، فوجد أنه من الصعب
إيفاد عدد كبير منهم إلى مصر للتعلم، فكان خياره الثاني طلب معلمين من مصر لتعليم
أبناء شعبه العلوم المختلفة.
وزارة المعارف تتحمل الرواتب
وجهت الرسالة
والتي ننشرها اليوم، من البابا يؤنس بطريرك الكرازة المرقسية بالقاهرة إلى الأنبا
كيرلس مطران الكنيسة الإثيوبية، وفيها يوضح الأنبا يؤنس لنظيره أن مسألة إرسال
المعلمين المصريين المطلوبين للحبشة لم تنته لسبب مالي، وهو عدم مقدرة الكنيسة
المصرية على تحمل رواتب وماهيات المعلمين الموفدين إلى إثيوبيا، وهذا يعني أن الحكومة
الإثيوبية طلبت معلمين لتعليم شعبهم على أن تتحمل مصر رواتبهم .. وأوضح البابا
استغرابه من هذا الطلب، فإن المعلمين والمعلمات في ذلك الوقت قد يكلفون الدولة سنويا من 3
إلى 4 آلاف جنيه سنويا، وكانت تلك مبالغ جسيمة حسبما أكد البابا وأن الكنيسة
المصرية لا تقدر على تحملها ، ونظرا لأن مصر لا تخيب رجاء أحد وتستجيب لكل ذي
حاجة ، فقد عرض البابا يؤنس على أحد أبنائه في وزارة المعارف المصرية بأن يقدم
تقريرا للوزارة يطلب فيه منها أن تتحمل تكاليف ماهيات المعلمين والمعلمات الذين
سيعملون بإثيوبيا.
مشاغبات طلاب
العلم
ويعود البابا
يؤنس في رسالته إلى تذكير الأنبا كيرلس بالطلبة الستين الذي أتوا إلى مصر لتلقي
العلوم، بأنهم مازالوا رافضين لتعلم اللغة العربية، وأوضح يؤنس استياءه من سلوك
الطلبة الحبشيين رغم ما تم توفيره لهم من معيشة رغدة سواء في المأكل أو المشرب،
لكنهم دائموا الشكوى طالبين أن يأكلوا الخبز الأفرنجي فقط وأن تكون كل وجباتهم
أفرنجية على النظام الأوربي، وقد نبه يؤنس بتلبية كل طلباتهم هذه ورغم ذلك يظهرون
الحجج الواهية كأنهم مرغمون على الحضور إلى مصر للتعلم .. ويتابع البابا بأنه
نبههم كثيرا إلى ضرورة عدم التسكع في الشوارع أو السهر في خارج المدرسة، وهم لا
يستجيبون أبدا، وقد تعرفوا ببعض الصوماليين والأحباش هنا في مصر واتخذوهم خلانا
يقضون معهم معظم الوقت في الشوارع.
ملابس كاملة
للطلبة
واستطرد
البابا يؤنس في سرد السلوكيات الغريبة للطلبة الإثيوبيين، وقال أنهم في غيابه ذهبوا إلى مدير ديوان البطريركية وأفهموه إن لم يستجب لطلباتهم وأهوائهم فسوف
يلجأون لقنصل الإنجليز بمصر ليسفرهم إلى بلادهم، وأكد البابا أن الطلبة زاد
إلحاحهم لطلب ملابس كاملة لكل طالب، أي بدلة كاملة وفانلات وقمصان أفرنجي، وأيضا
لكل منهم بدلة صوف وحذاء وشرابات وكلسونات ومناديل وفوط وبدل للنوم، وأصروا أنهم
جاءوا ليتعلموا الانجليزية والفرنسية فقط ، ويكمل البابا أن تكلفة هذه الأشياء تصل
إلى ستة آلاف جنيه سنويا من الصعب على الكنيسة تحملها.
الحكومة تصر
على تعلمهم العربية
رفع البابا
يؤنس تلك الرسالة لنظيره الإثيوبي راجيا التدخل لعلاج سلوك الطلبة وعرض أمرهم على
الإمبراطور سيلاسي، مؤكدا أن 20 من الطلبة الستين تم إلحاقهم بمدرستي الرهبان
بحلوان والإكليركية بمهمشة، وأكد أن الحكومة المصرية قبلت 10 طلاب من الباقين،
الذين أظهروا عدم رغبتهم لتعلم باللغة العربية، فالحكومة لا تقبل أحدا إلا إذا
كان يقبل التعلم باللغة العربية وهي السائدة في المملكة المصرية.