«حكايتى مع الهند.. حكاية!»
التقيت منذ أيام مع سفير الهند فى مصر لدى زيارته لماسبيرو بمناسبة اختيار «شبكة البرامج الثقافية بالإذاعة» للهند ضيفا شرفيا على مدار شهر احتفالا بذكرى أديبها العالمى «طاغور».
وكانت فرصة رائعة لى كى أستعيد مع السفير المتوهج نشاطا وذكاء ودماثة خلق ذكرياتى الخاصة عن الهند التى كانت لى معها حكاية ليست ككل حكاية، وقد بدأت بحوار دار بينى وبين «المشير أبوغزالة» عندما كان يزور إنجلترا، وكنت أنا وقتها مستشار مصر الإعلامى بها، وفى إطار الصداقة التى نشأت بيننا أثناء حرب أكتوبر، أخبرته أننى أمام أحد اختيارين لاستكمال دورى كمستشار مصر الإعلامى فإما أتجه إلى «كندا» أو أتجه إلى «الهند» فأجابنى فورا: طبعاً «الهند» يا حمدى أنت راجل مثقف.. وسوف تجتذ بك الثقافة الهندية بملامحها الخاصة جدا.
كما أن العلاقات السياسية بين مصر والهند لها تاريخ رائع بلغ تألقه فى عهد الزعيم عبدالناصر الذى ارتبط بالصداقة والتقدير المتبادل مع زعيم الهند «نهرو» وشاركا معا فى إنشاء قمة عدم الانحياز.
هكذا جاء رأى المشير أبو غزالة بفكره العميق وثقافته المتجددة، وهكذا بدأت حكايتى المباشرة مع الهند. وأذكر أن البداية كانت مفاجئة حيث إننى وأسرتى بمجرد وصولنا إلى مطار «نيودلهى» استقبلنا طقس لم نعتد عليه حيث كانت الحرارة شديدة للغاية ومعها كانت الأمطار غزيرة للغاية، وعرفنا بعد ذلك أنه موسم «المونسون» الخاص بالهند، كما حدثنى عنه الصديق الدكتور مصطفى الفقى المستشار بالسفارة والذى التقى معى فى عالم الثقافة والسياسة والتوجه الوطنى القومى، وقد انعكس ذلك على مواقفنا فى اجتماعات السفارة التى كان على رأسها السفير الدكتور نبيل العربى بفكره وشخصيته المحترمة، ورأسها بعده السفير عمرو موسى بحيويته وديناميكيته.
• وحيث إن ذكرياتى مع الهند تتداعى.. وتتدفق الآن بتفاصيل وحكايات عديدة تزدحم بها مخيلتى مما قد يتعارض مع المساحة المتاحة الآن لقلمى ومقالى.. فإننى أكتفى مبدئياً بتسجيل هذه النقاط:-
• اكتشفت فى مخازن مقر المكتب الإعلامى عددا من الأفلام المصرية المتميزة والصور التاريخية بالغة الدلالة والأهمية، فسارعت باستثمارها خاصة عندما لاحظت عشق الهنود للسينما التى صارت لهم فيها مكانة متميزة فى إنتاجها وخصوصيتها، وقد حددت يوما من كل أسبوع لعرض أحد الأفلام بترجمتها مع ندوة عن الأبطال «الأحداث» كما وضعت العديد من الصور فى فاترينات امتدت على سور المبنى الذى تحول إلى مزار دائم خاصة ما تضمنته تلك الصور من لقاءات بين عبدالناصر ونهرو، ثم أنديرا غاندى وابنها «الصبى» راجيف!.
• يتسم الهنود كبارا وصغارا.. مشاهير وعاديين بالتواضع والبعد عن المظاهر البراقة، وهذا ما تأكد لدى عندما كان يزورنى فى مسكنى أو فى مكتبى رئيس التليفزيون أو رئيس أكبر الصحف، وكنت أفاجأ بأنه يأتى مستقلا دراجة بخارية «موتوسيكل» أو ما عرفناه مؤخراً باسم «التوك توك» .
• رأيت ديمقراطية الهند وهى تتجلى فى عراقتها وحرص الجميع على مسيرتها بالرغم من الفوارق الاجتماعية الواضحة.
• من الأمور التى لفتت أنظارنا.. وأدهشتنا احترام «الهندوس» للبقرة حتى إنها إذا ما عبرت الشارع تتوقف السيارات فورا إلى أن تمر عزيزة مكرمة..!
ويمتد ذلك أيضاً إلى العديد من الحيوانات والحشرات التى يرفض البعض قتلها لأنها ربما كانت بشراً تحول بعد موته إلى صورة أخرى.!
• عندما زار الهند الصحفيان الكبيران صلاح جلال ومحمود ذهنى، طلبا منى أن أحقق لهما لقاء مع رئيسة الوزراء أنديرا غاندى، فدعوتهما فى نفس الوقت إلى أحد المؤتمرات التى تتواجد فيها، وقدمتها لهما، لترحب بهما وبكل ما يتصل بمصر.
• تم ذلك دون أية إجراءات تقليدية وببساطة شديدة حتى إنهما عبرا عن دهشتهما البالغة خاصة عندما شاهداها أثناء خروجهما من المؤتمر وهى تستقل سيارة هندية صغيرة.
• أترك حديث الذكريات بأمل العودة إليها بتفاصيل أكثر، لأتجه إلى الواقع الدولى الذى نعيشه الآن، آملا أن نبعث من جديد الصداقة الرائعة بين مصر والهند استثمارا لمشاعر الود بين الشعبين، وحرص عدد من المستثمرين الهنود على المشاركة فى المشروعات التى تنطلق على أرض مصر، خاصة مع ما حققته الهند من إنجازات وابتكارات جعلتها تحتل مكانة متقدمة فى عالم التكنولوجيا والصناعات المختلفة.