كتبت : أماني محمد
قبة بيضاء تتعانق مع ما يجاورها من مبان، تتشابه مع روح شارع رغم ضيقه ينبض بالحياة ويخلد الموت، لا يعرف الكثير بوجود ضريح لأول امرأة تحكم مصر في العصر الإسلامي "شجرة الدر" في قلب القاهرة الفاطمية، ربما حتى من يجاورونه من سكان في الشوارع والأزقة المؤدية إليه، فيتعجب البعض بسؤاله "أين ضريح شجرة الدر؟".
وسط حي الخليفة، ذلك المكان الأثري التاريخي الذي يخلد للآثار الإسلامية والقاهرة الفاطمية، يقع ضريح "شجرة الدر" داخل شارع يعرفه أهالي المنطقة بالأشراف على مقربة من مسجد السيدة نفسية، لكن المؤرخين يؤكدون أن اسمه الصحيح شارع الأشرف نسبة إلى الملك الخليل الأشرف، ورغم عراقته يعاني من حالة من الإهمال وفوضى الورش وغياب للنظافة.
يحاط مبنى الضريح بسور حديدي تحول إلى ساحة انتظار للسيارات، لكن أهالي الشارع يتواصلون مع البناء باستمرار فمدخل المشهد هو "مستوصف الخليفة"، حيث يمكن للأهالي الكشف الطبي بأسعار زهيدة، إلا أن دخول الضريح ذاته أمر قد لا يهم البعض، ويجاوره من الجانب الآخر مسجد يعود بناؤه إلى القرن التاسع عشر.
يوضح محمد منصور أحد العاملين بالضريح أن مشكلة المياه الجوفية أكثر ما يهدد الضريح وأن الآثار تجري الآن اختبارات للمياه وتحديد طبيعتها هل هي نظيفة أم مياه صرف صحي، وطرق علاجها لكيلا تضر بالآثار في المنطقة التي تعاني من ارتفاع نسبة المياه الجوفية فيها.
وأضاف أن تأثير تلك المياه كبير على الضريح من الداخل فهي تؤثر على البناء نفسه وأحدثت رطوبة في جدران مسجد السيدة رقية وعاتكة والجعفري وارتفعت في الجدران بنحو مترين أو ثلاثة وأوقعت بالدهان وبياض الجدران وتآكل في الأساسات.
بعد ترميم مبادرة "الأثر لنا" للضريح وإعادة الاهتمام به بقيت الرطوبة والمياه تضيع أي محاولة للترميم أو الإصلاح لأن المشكلة لا تزال قائمة ولم تعالج حسب قوله، مضيفا "يحاول الباحثون معالجتها بالتعاون مع وزارة الآثار المصرية ومركز البحوث، لا توجد مشاكل أخرى تهدد المكان بقدر أزمة المياه الجوفية".
وعن المكان من الداخل قال إنه "لا يوجد به ضريح والأرض مستوية ربما كان موجودا من قبل وأزيل أو أن الرواية الخاصة بعدم دفنها داخل الضريح صحيحة"، موضحا أنه "يضم زخارف إسلامية وفسيفساء في المحراب واكتشفنا زخارف أثرية أسفل دهانات كان مقاول جاء من قبل وطمسها وضيع معالمها لكنها اكتشفت والآن في وضع أفضل".
كانت شجرة الدر قد أنشأت الضريح قبل وفاتها ببضع سنوات لكي تدفن فيه، يبلغ طول أضلاعه 7 أمتار، يتوسطه من الداخل تابوت خشبي بقيت أجزاء من قطعه القديمة نقش عليه اسم شجرة الدر ولقبها "عصمة الدنيا والدين"، قيل إنه عقب وفاتها على يد زوجة أيبك وجواريها ضربا بالقباقيب وإلقائها من سور قلعة الجبل لم تدفن في ضريحها الحال.
لكن الدكتور جمال عبد الرحيم أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة يؤكد إن شجرة الدر مدفونة بالضريح عكس ما يقال عن عدم وجودها به، موضحا "بعد وفاتها وإلقائها من أسوار القلعة جمع المماليك ما تبقى من جثمانها ودفنوه في الضريح الذي يعود بناؤه لعام 648 هجريا بعد أن رغبت شجرة الدر في أن تبني مدفنها قبل وفاتها بسنوات".
ووصف الفسيفساء الموجودة في طاقية القبة وهو محراب الضريح بأنها أهم ما يتواجد داخله وهي قطع دقيقة من الزجاج الملون تعود للعصر الأيوبي في شكل زخارف نباتية وألوان زاهية، فضلا عن اتخاذ القبة شكل القطاع المنكسر وهو نادر في الآثار الإسلامية.
وطالب بالاهتمام بنظافة الضريح دائما وأنه مرمم بالفعل لكن يجب حل مشكلة المياه الجوفية، فضلا عن أن يفتح للجمهور للزيارة بمواعيد رسمية تبدأ من العاشرة صباحا لأنه في أغلب الوقت مغلق ولا يدخله الزوار، مضيفا أنه يجب الاهتمام بآثار الشارع كلها ومنها قبة زوجة الملك الصالح وقبة الأشرف خليل.
وأوضح أن تلك القبتين الواقعتين على مطلع شارع الأشرف باتجاه السيدة نفسية يعانيان من الإهمال والوضع المتردي تماما وعدم النظافة، مؤكد أنه يجب إعادتهما لمكانتهما والاهتمام بهما ليصبحا مع بقية آثار الشارع وجهة سياحية هامة.