رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
خلال لقائه مع عدد من رؤساء تحرير الصحف والكُتاب والإعلاميين.. رئيس الوزراء: هدف الدولة هو تقنين الأوضاع المخالفة وليس استيداء أموال.. وكل ما يتم تحصيله يُخصص لتطوير البنية الأساسية والخدمات
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة، اليوم، خلال لقاء حضره عدد من رؤساء تحرير الصحف، والكُتاب، والإعلاميين، بزمام كفر سعد بمحافظة القليوبية، حول مواجهة التعديات على الأراضي الزراعية ومخالفات البناء، وكذا تطبيق قانون التصالح، وذلك بحضور الفريق أول محمد زكي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، واللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، واللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والسيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، وأسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، واللواء عبد الحميد الهجان، محافظ القليوبية.
واستهل رئيس مجلس الوزراء كلمته بالإشارة إلى أن حضورنا اليوم على أرض محافظة القليوبية، يأتي في ضوء استكمال مناقشة واحدة من أهم وأعقد القضايا والتحديات التي تواجه الدولة حالياً، تتمثل في التعديات على الأراضي الزراعية، مؤكداً أنه عندما تتصدى الدولة لكافة القضايا الممتدة على مدى عقود ماضية، يأتي بهدف الإصلاح ووضع حد للنزيف والأخطاء المتوارثة التي نتجت عن عدم المواجهة، كما يأتي ذلك من أجل وضع حلول لتلك المشكلات والقضايا، مشددا على أن غض الطرف عن حل المشكلات لا يعنى أنها ستختفي، بل على العكس تماما، وهو ما تعلمناه من قضية البناء العشوائي والبناء على الأراضي الزراعية.
ونوّه رئيس الوزراء إلى المؤتمر الصحفي، الذي عقده مؤخراً، لتوضيح حقائق وتداعيات مشكلة البناء المخالف غير المخطط، والتعدي على الأراضي الزراعية، مشيراً في ضوء ذلك إلى أنه تم عرض مجموعة من الأرقام المهمة، منها أن مصر فقدت على مدار الـ 40 عاما الماضية، ما يقرب من 400 ألف فدان من أجود وأخصب الأراضي الزراعية على مستوى العالم، منها 90 ألفا خلال الفترة من 2011 حتى الآن في الدلتا ووادي النيل من الأراضي التي حبانا بها الله على مدار آلاف السنين.
وأعرب الدكتور مصطفى مدبولي عن أسفه إزاء ما يمكن أن يتم بذله لتعويض أو استبدال هذا الفاقد من الأراضي الزراعية، لأننا نحتاج إلى منظومة من العمل الشاق والهائل لعمل بنية أساسية كبيرة تكون قادرة على استصلاح الأراضي الصحراء، التي لا تتمتع بنفس جودة الأراضي الزراعية المتوافرة في الدلتا ووادي النيل والتي تكونت وتشكلت عبر السنين، لافتا إلى أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد تتراوح ما بين 150 إلى 200 ألف جنيه، حتى يكون قابلا للزراعة، مُعبرا عن ذلك بقوله: " لتعويض ما فقدنا مؤخراً من أراضٍ زراعية وصلت إلى 90 ألف فدان، نحتاج إلى 18 مليار جنيه، وذلك لاستصلاح أراض صحراوية بعيدة تستغرق المزيد من الجهد والوقت، ولا يعتبر ذلك إضافة أرض جديدة بل مجرد تعويض لما فقدناه، وذلك من أجل استيعاب احتياجات ومتطلبات الأجيال القادمة من تأمين غذائهم".
كما أشار رئيس الوزراء إلى صعوبة ومشقة السباق الذي تخوضه الدولة مع المواطن، وذلك نتيجة زيادة حجم المخالفات التي يتم رصدها، واعتبار ذلك وضع قائم ومستمر، موضحاً أن الدولة تتحرك فقط لتعالج هذه المشكلة، وما ينتج عنها من تداعيات، متطرقا للجدل الكبير الذي ثار خلال الأيام الماضية حول اختيار هذا التوقيت للتعامل مع ملف مخالفات البناء، والتشديد في التعامل مع هذه المخالفات، وعن ماهية موضوع التصالح، ولماذا تتخذ الدولة في هذه المرحلة كل الإجراءات بحسم وحزم، لإنهاء هذا النزيف الهائل لأحد أهم ثروات بلدنا، وقال : إن كل ما أثير من جدل دعانا للقيام بهذه الزيارة الميدانية على أرض القليوبية، ونشرف فيها بصحبة العديد من كبار رجال الإعلام والمفكرين، وذوى الرأي، إلى جانب مجموعة من الخبراء، وذلك بهدف المساهمة في إيضاح الصورة أمام الرأي العام والمواطن البسيط عن حجم الخسائر الهائلة التي تتكبدها الدولة نتيجة استمرار مخالفات البناء، والتعدي على الأراضي الزراعية، وتوضيح تداعيات هذه المشكلة، والإجابة عن تساؤل : لماذا لجأت الدولة للتصدي لهذه القضية في هذه المرحلة تحديداً، وهى الرؤية المستقبلية للتعامل مع هذا الملف.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن كلمته اليوم مرتبطة بفيلم وثائقي تم تصويره في أنحاء محافظة القليوبية والذي يرصد حجم التحدي الكبير الذي تواجهه الدولة، مؤكداً أن هذا النمط يمثل أغلب العمران المصري، موضحاً أنه تم التصوير فوق مدينة "الخصوص" بالمحافظة، التي نشأت بالكامل على أرض زراعية بدون أي تخطيط، حيث بدأت بقرية صغيرة، ثم تحولت إلى أحجام هائلة من الكتل كغابة من الكتل العمرانية الخرسانية بعمارات ذات ارتفاعات هائلة بعرض شوارع لا يتخطى الـ 3 أو 4 أمتار.
واستعرض رئيس الوزراء من خلال الفيلم الوثائقي مدى التعقيد الشديد في التعامل مع هذه الإشكالية القائمة على أرض الخصوص وعلى مستوى الدولة بوجه عام، وتوفير الخدمات الرئيسية لقاطني هذه المناطق، والمتمثلة في توصيل المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والغاز الطبيعي، بما يضمن أدنى مستويات المعيشة، مشيراً إلى العديد من المعايير والجوانب الفنية، والتي تتضمن عدم القدرة على توصيل الغاز الطبيعي في مثل هذه الشوارع، وذلك تنفيذاَ لنسب ومساحات الأمان المطلوبة لتوصيل الغاز الطبيعي، وهو ما يجعل مثل هذه المناطق تستمر في الاعتماد على أسطوانات البوتاجاز.
وأضاف رئيس الوزراء: مثل هذه المناطق لم تكن ضمن أي تخطيط للدولة، بل كانت عبارة عن مناطق زراعية، ونتيجة للنمو غير المخطط أصبحت بهذا الشكل، وقال إنه كان بإمكاننا أن نُطور ونحسن من العمران و مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في هذه المناطق إذا ما تم النمو بشكل مخطط، متسائلا عن مصير الجيوب الزراعية الموجودة حالياً داخل الكتل السكنية في المستقبل القريب إذا لم نأخذ قرارا بوقف حقيقي لمثل هذه التعديات والمخالفات والبناء العشوائي؟
كما أوضح رئيس الوزراء أن ما تم من بناء مخالف لم يُراع إتاحة فرصة لبناء وتوصيل خدمات ومرافق لهذه المناطق، مضيفاً أنه فيما يتعلق بمدينة الخصوص، والتي تكتظ بالسكان لدينا نقص شديد في المدارس، ولدينا رغبة في إقامة مستشفى ووحدات صحية، ومحطات لمياه الشرب والصرف الصحي لخدمة قاطني المنطقة، متسائلاً باستنكار : ما هو الحل لإقامة مثل هذه المنشآت؟، وأين الأماكن المتاحة لإقامتها؟، مجيباً على ذلك بأن الحل هو نزع ملكية أحد الجيوب الزراعية الموجودة بالمنطقة لإقامة مثل هذه المنشآت الحيوية والضرورية لأهالي المنطقة، وهو ما يُفقدنا مساحات جديدة من الأراضي الزراعية.
وأكد رئيس الوزراء أنه من حق المواطن أن تقوم الدولة بتطوير الخدمات المقدمة لهم، ومستوى المعيشة الخاص بهم، لكن يواجهنا العديد من التحديات في مثل هذه المناطق، مشيراً إلى أنه بمجرد التفكير في فتح وإقامة شبكة طرق لتسهيل الحركة المواطنين داخل هذه المنطقة، فإننا نحتاج إلى إزالة العديد من المباني والعمارات الموجودة، إلى جانب توفير البديل لقاطني المباني التي تم إزالتها داخل إحدى المدن الجديدة، وهو ما لن يلقى قبولاً من جانب الأهالي، نظراً للموروثات الثقافية، ونجد أنفسنا أننا أمام ارتكاب المزيد من الأخطاء والتعقيد، وهو البناء على باقي الأراضي الزراعية المتاخمة للمنطقة المأهولة بالسكان، وإنشاء سكن بديل لما تم إزالته من مبان بهدف إقامة شبكة طرق، مؤكداً أن ذلك يمثل حجم التعديات والتعقيد الذى نواجهه في مصر للتعامل مع مشكلة البناء العشوائي والمخالف.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه كان من السهولة على القيادة السياسية والحكومة نتيجة لتفاقم هذه المشكلة، هو غض الطرف عنها، كمان كان يحدث في فترات سابقة، وفي هذا الإطار إننا لا نحمل من سبقونا أي أخطاء؛ فالظروف السياسية والاقتصادية التي كانت قائمة في مصر منذ بدء هذه الظاهرة في السبعينيات من القرن الماضي كان من الممكن أن تكون قد فرضت على متخذي القرار والحكومات المتعاقبة عدم الدخول في ملف شديد التعقيد بهذا الشكل، وذلك لعدم وجود القدرة أو الرغبة في الدخول إليه، وكان من الوارد أن نفكر بنفس هذا المنطق، معبرا بقوله : " ليه نزعل الناس ونضايقهم .. وممكن نكتفي بالأمور بهذا الشكل ونؤجلها لمن يأتي بعدنا ".
وشدد رئيس الوزراء على أن ما نشهده الآن هو نتاج لعدم المواجهة والتعامل بحسم وشدة مع هذه الملفات منذ السبعينيات والثمانينات، متسائلاً : لو تم غض الطرف عن هذه القضية، فما هو الوضع بعد 10 أو 20 سنة؟، مستعرضا هذا الوضع بقوله : "بأن نتخيل حجم المتبقي من الأراضي الزراعية"، وذلك هو ما يجعلنا مهمومين بهذا الملف، والتفكير فيما سيكون مستقبل مصر لو استمر هذا النمط من النمو العشوائي،
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة ليس بمعزل عن المواطنين، وأنها دائما متواجدة في الشارع ترصد كافة تساؤلات المواطنين حول ملف التصالح مع مخالفات البناء، والدولة تعرف حجم وصعوبة هذه القضية، لذا فكان من الضروري العمل على وقف التعديات على الأراضي الزراعية والجيوب الزراعية المتواجدة داخل الكتل العمرانية، التي ستتحول خلال وقت قريب إلى كتل سكنية أيضاً، وقال إن الوضع داخل هذه الكتل السكنية غير صحي؛ فمع الارتفاعات الشاهقة للمباني أصبحت الشوارع كاحلة لا يدخلها الضوء، فضلاً عن أنه في حالة لا قدر الله حدوث أي كوارث أو حوادث في مثل هذه المناطق، تكون هناك صعوبة كبيرة في التعامل معها.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه فيما يتعلق بتوسيع الأحوزة العمرانية، فقد قامت الدولة بتوسيعها بين عامي 2008 و2009 لكافة المدن والقرى، وأضافت 160 ألف فدان من الأراضي الزراعية لأحوزة المدن والقرى المصرية حتى تكفي لـ 24 مليون مواطن حتى عام 2030، وذلك على اعتبار عدم إقامة مدن جديدة، مؤكداً أنه مع قيام الدولة بالتوسع في إقامة المدن الجديدة، فإن الأحوزة العمرانية تكفى حتى عام 2040، و2050، مؤكدا أن هذا هو الهدف الرئيسي للدولة من ضرورة انتقال المواطنين إلى المناطق والمدن الجديدة، حفاظاً على الرقعة الزراعية.
وأعرب رئيس الوزراء عن أسفه لعدم التزام المواطنين بهذه المخططات والأحوزة العمرانية التي تقرها الدولة، والتي تُعد امتدادا للكتل السكنية القائمة، وقيامهم بالبناء على أراضيهم الخاصة المتواجدة خارج تلك الأحوزة، وهو ما أدى إلى ظهور العديد من العزب والتوابع وسط المناطق الخضراء، والمطالبة بتوفير المرافق والخدمات لهذه العزب والتوابع، والتي تبعد مئات الأمتار أو الكيلوات من أقرب مرافق موجودة مخططة، وهو ما يُجبر الدولة على توصيل المرافق والشبكات بتكلفة أضعافا مضاعفة، عمّا إذا كانت هذه المناطق قد نمت بطريقة مخططة، فضلاً عن القيام باستقطاع بعض الأراضي الزراعية لإقامة وتوصيل هذه المرافق.
وأكد رئيس الوزراء أن العزب وسط المنطقة الخضراء تظهر كتلة سكنية بهذا الشكل، أصبحت تضم 300 أو 400 أسرة على مدار الوقت، وبمرور الوقت يصبحون من الناحية الإنسانية لهم مطالب، ويسعون لدى نواب البرلمان لحل مشكلاتهم، ويقوم النواب بدورهم بتقديم طلبات لدى مسئولي الحكومة لتوصيل المرافق لهذه الكتلة السكنية، التي تبعد مئات الأمتار عن أقرب مرافق قائمة.
فمثلا مدينة بنها، أو الخصوص كان لها حيز محدد، وتم التخطيط للمرافق بأطوال معينة، لكن مع ظهور هذه العزب التي تبعد عن المدينتين، ومع ضغط سكان تلك العزب تضطر الحكومة إلى مد شبكات مرافق كاملة بأطوال مئات الأمتار أو في بعض الأحيان بأطوال كيلو مترات، بتكلفة أضعاف الأضعاف لمجرد توصيل المرافق إلى هذه المنطقة، معربا عن أسفه لأن الحكومة في هذه الحالة تضطر لاستقطاع جزء من الأراضي الزراعية لمد شبكات المرافق بها، حتى يتم توصيل الشبكات إلى هذه الكتلة السكنية.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي : في عام 2011 كان عدد العزب والتوابع والكفور في مصر يبلغ 27 ألف عزبة وتابع، وحالياً مع التوسع العمراني غير المخطط يبلغ عددها 32 ألفا، بزيادة 5 آلاف كتلة مماثلة لهذا الشكل خلال السنوات العشرة الماضية فقط، وهو ما يُمثل ضغطاً هائلا على الحكومة لتلبية طلبات سكانها وتوصيل المرافق لها، ورغم أننا كنا وصلنا بحجم تغطية لمياه الشرب 98,5% ، وكانت نسبة 1,5% المتبقية تمثل هذه النوعية من العزب والكتل السكنية.
وأضاف رئيس الوزراء: كلما اقتربنا من تنفيذ ما هو مخطط من مشروعات للمرافق يتبين لنا أن هناك عددا آخر من تلك التوابع والتجمعات ظهرت في الأفق، التي تفرض علينا توصيل المرافق، وعقب توصيل المرافق لم تنته مشكلة تواجد هذه التجمعات لأنها تظهر متلاصقة بدون تخطيط للشوارع بشكل مدروس، وفي حالة ترك هذه الكتل دون تدخل من الحكومة وبمرور الوقت ستتآكل الأراضي الزراعية المحصورة بين هذه الكتل وتنضم للتجمعات غير المخططة، ونحتاج لإقامة روافع لرفع منسوب مياه نتيجة عدم استواء سطح الأراضي على مستوى واحد، لافتا إلى أن إقامة رافع واحد يحتاج إلى ما يقرب من نصف فدان، الأمر الذي يمثل استقطاعا آخر من الأراضي الزراعية، ناهيك عن الحاجة لإنشاء مدارس لخدمة أبناء سكان هذه الكتلة المخالفة من الأساس.
كما أضاف الدكتور مصطفى مدبولي: لقد أوضحت ماهية الوضع على أرض الواقع خلال 40 عاما مضت، لأشير إلى حجم المعاناة الذي يقع على عاتق الحكومة في هذا الملف، وكان من السهل على الحكومة عدم الدخول فيه، لأننا نعلم تماما أنه شديد التعقيد وسيثير العديد من التحديات والشكاوى من جانب المواطنين، لأن المواطن للأسف على مدار 40 عاما، وجد أن هذا النمط من البناء هو السائد لعملية البناء، وهو ما توضحه الأرقام والبيانات من أن هذا البناء العشوائي يمثل 50% من الكتلة السكنية المبنية على مستوى الجمهورية، معربا عن أسفه لأننا إذا لجأنا لتسويق المشروعات والفرص الاستثمارية في مصر، فإن العالم لا يرى في مصر غير الصورة غير المخططة أمامه.
ولفت رئيس مجلس الوزراء لما شدد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي من أننا كدولة لن نستطيع أن نسير في خطط التنمية مع وجود هذا النزيف المستمر بهذا الشكل من البناء المخالف العشوائي، رغم توافر الإرادة السياسية لتطوير الدولة، واستمرار الحكومة في السباق مع الزمن للتطوير، فهو بهذا النمط سباق خاسر، ومن هنا كانت الرؤية الحقيقية هي وضع حد لهذا النزيف، رغم أنه من الناحية السياسية قد يكون هذا القرار غير مقبول في الشارع المصري، لافتا إلى أنه من الناحية التشريعية، فجميع القوانين المصرية تُجرّم عملية البناء المخالف وكذلك البناء على الأراضي الزراعية، كما أن الحاكم العسكري أصدر قراراً في التسعينيات من القرن الماضي بإيقاف البناء على هذه الأراضي، ثم تم إلغاؤه بعد ذلك، وقمنا بإعداد الأحوزة العمرانية، إلا أنه لم يتم القضاء على المشكلة أيضا.
كما أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى صدور تشريع جديد للبناء يتمثل في القانون رقم 119 لسنة 2008، الذي يشير إلى أنه لا يجوز التعامل مع أي بناء مخالف، وأن التعامل الوحيد مع المخالفات هو الهدم، وفي عام 2009 صدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون، موضحاً أنه بعد حدوث ثورة يناير في عام 2011، ظهرت كتلة عمرانية كبيرة جداً، لا يمكن التعامل معها بالهدم، أو رفض توصيل المرافق والخدمات لها، مشيراً في هذا الصدد إلى قيام المواطن بحل المشكلات المتعلقة بتوصيل المرافق بعيداً عن أجهزة الدولة، مؤكداً أنه لوقف هذا النزيف ظهرت فكرة قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019 بشأن مخالفات البناء، وهو قانون مؤقت، يهدف إلى تقنين أوضاع حجم المخالفات القائمة بعد عام 2008، كما صدر القانون رقم 144 لإيقاف التعدي على أراضي الدولة، وخاصة في الأراضي الصحراوية، مضيفاً أنه تم فتح الباب أمام المواطنين للقيام بعمليات التصالح من خلال مجموعة من التشريعات.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة عندما فتحت هذا الملف، فلم يكن ذلك من أجل عقاب المواطنين، وإنما لخدمة المواطنين الذي يقطنون هذه المباني المخالفة، وتقنين أوضاع الأعداد الكبيرة من الوحدات المخالفة، حتى يكون وضعها بشكل رسمي، ومن هنا فلابد أن يتقدم المواطن بطلبات التقنين لنغلق هذا الملف نهائياً، وتصبح القيمة العقارية لهذه الوحدات مضاعفة مع تقنين وضعها وتحوّلها إلى وضع رسمي وتتوارثها الأجيال المقبلة، ولابد من تكاتف الجميع من أجل عدم ظهور أي مبان مخالفة في المستقبل، وفي 30 سبتمبر الجاري ستنتهي مدة السماح في القانون، ولذا فكانت هناك رسائل قوية من الدولة بأننا لابد أن نتكاتف جميعا كدولة ومواطنين من أجل تقنين الوضع بأسرع وقت ممكن، ونغلق هذه الصفحة والملف نهائياً.
وشدّد رئيس الوزراء على أن الدولة لن تسمح اعتباراً من الآن بالبناء على أي قيراط من الأراضي الزراعية، وهو ما جعل لدينا إصرارا على إغلاق هذا الملف لعدم أي إعطاء أي فرصة للتحايل مرة أخرى للبناء وإعادة التقنين، وتستمر العجلة اللانهائية في الدوران، وهو الأمر الذي نرفضه للحفاظ على باقي الرقعة الزراعية التي تسهم في غذاء 100 مليون مواطن مصري، لافتا إلى نقطة أخرى في هذا السياق وهي أنه خلال عشر سنوات سيكون على الأجيال الصاعدة أن تواجه هذا النزيف في الرقعة الزراعية، وهذا الوضع المخالف.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن قانون التصالح يتطلب تقديم مستندات عديدة تثبت ملكية المواطنين لهذه العقارات، متطرقا لما أظهره الفيلم الوثائقي حول هذه المخالفات من عدم وجود شوارع بين تلك المتخللات الزراعية المتناثرة والمباني المخالفة، وهو ما لا يسمح بمرور السيارات أو وجود جراجات، مما يمثل تحديا وصعوبات في حالة وقوع حرائق لا قدر الله، وهذا الحال لا يوجد فقط في محافظة القليوبية، بل في الغالبية العظمى من مدن الدلتا وبعض مدن الصعيد.
وأظهر الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه، الحيز العمراني لمدينة بنها، وفي ضوء ذلك أشار رئيس الوزراء لما ظهر به من متخللات زراعية ومبانٍ مخالفة على شكل مجموعات متناثرة، وشرح صعوبات إمداد المرافق لهذه المجموعات، مع صعوبة اختيار أي من تلك المجموعات لإمداد شبكات المرافق إليها، وهو تحد كبير أمام الحكومة بسبب تناثرها، ولن تستطيع أي دولة مهما أوتيت من إمكانات أن تتغلب على هذا التحدي، ومن هنا مهما تعاقبت الحكومات، سيتم اتهامها بأنها مقصرة في حق مواطنيها بسبب صعوبة خدمة الكتل السكنية المتناثرة بهذا الشكل، وتلبية خدماتهم.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: لابد أن يعي كل مواطن يفرط في أي قيراط من الأرض الزراعية أنه لا يفرط في أمنه الغذائي لنفسه فقط، بل وأولاده وأحفاده كذلك، ويكلف الدولة في الوقت نفسه كثيرا من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وحول ما أثير خلال الفترة الماضية عن بعض الإشكاليات التي ظهرت، ومنها المبالغة في تقدير قيم التصالح، فأوضح رئيس الوزراء أن قانون التصالح يتطلب أوراقا معينة، وأن هذا القانون ينص على أن اللجنة التي تضع هذه القيم هي لجنة شبه مستقلة تضم خبراء من التقييم العقاري، وأساتذة جامعات، وبعض موظفي المحليات، وهم مزيج من الخبراء، ويتم وضع القيم بناء على عدة اعتبارات منها الموقع ، وتميزه مثل أرض على النيل، وموقع به مساحات كبيرة، ويتم وفق ذلك تحديد قيم التصالح عن كل متر، بدءا من 50 جنيها لأقل متر، وأعلى قيمة 2000 جنيه.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي : بدأت المحافظات في الإعلان عن هذه القيم، وأعقب ذلك شكاوى من جانب العديد من المواطنين بشأن ما يرونه من مبالغة في القيم التي تم تقديرها، وهو ما جعل الحكومة تتحرك على أرض الواقع، وفق توجيهات القيادة السياسية للدولة للحكومة بمراعاة البعد الاجتماعي في عملية التقييم لأسعار التصالح، لأننا لسنا في صراع أو معركة مع المواطن، لكننا نسعى بكل جهد للعمل على خدمته وتلبية احتياجاته، وبدأنا في حل هذه الإشكالية، رغم التسليم بأن تلك التقديرات لم تكن جزافية، بل تم وضعها بناء على المعايير العادلة التي وضعها القانون، وعلى الفور بدأت 23 محافظة حتى الآن من الـ 27 محافظة بتخفيض قيم التصالح بنسب وصلت في بعض الأماكن إلى 70% للتيسير على المواطنين.
كما تطرق رئيس الوزراء إلى الإشكالية الثانية التي تتمثل في شكاوى المواطنين من الأوراق المطلوبة وفقا للائحة التنفيذية للقانون، وهو ما قد لا يتوافر لدى العديد منهم، فكان التوجيه في هذا الشأن بقبول أي عدد من المستندات المتاحة لديه حاليا، وبمجرد تسلم هذه الأوراق يعطى نموذج "3" طبقا للقانون ويتم تجميد الوضع على ما هو عليه، وكانت خطوة مهمة من جانب الدولة للتيسير على المواطنين.
كما تناول الدكتور مصطفى مدبولي الإشكالية إشكالية ثالثة تتعلق بضرورة الاستعانة بمكاتب استشارية أو المهندسين والاستشاريين، فكان الحل للتيسير على المواطنين في هذه النقطة أن يُكتفى بأي مهندس يكون عضوا بنقابة المهندسين، ويقدم طلبا يؤكد أن المبنى صالح إنشائيا، لأنه من الخطورة أن يتم تقنين مبان آيلة للسقوط.
وفيما يخص إشكالية الفترة الزمنية المتاحة أمام المواطنين لتقديم الأوراق المقدرة حتى 30 سبتمبر الجاري، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنه تم السماح باستكمال الأوراق خلال شهرين آخرين بعد هذا التاريخ، وذلك بعد تقديم أي أوراق متاحة تثبت الملكية.
وكشف الدكتور مصطفى مدبولي عن أنه من عام 2011 حتى الآن تم تسجيل 2 مليون حالة مخالفة على 90 ألف فدان، موجها الشكر لجميع المواطنين الذي شعروا بجدية الدولة في حل هذه المشكلة وبدأوا في التعاون مع الحكومة، مشيرا إلى أن هناك مليون مواطن تقدموا بطلبات جدية التصالح، والآن أمامنا فرصة ذهبية حقيقية لتقنين أوضاع هذه المناطق، وعدم التعرض لخطورة الإزالة أو الهدم.
ودعا رئيس مجلس الوزراء المواطنين إلى الإسراع خلال الفترة المتبقية من هذا الشهر بالتقدم بأية أوراق متاح لديهم تثبت الملكية، على أن يتم استكمال الأوراق فيما بعد 30 سبتمبر لمدة شهرين.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن هناك توجيها من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بضرورة وضع مصلحة أهالينا في الريف والقرى على رأس الأولويات فى التعامل مع ملف مخالفات البناء، وتغليب مصلحتهم فيما يتعلق بالتقييمات الخاصة بالتصالح، معلناً أنه تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية في الشأن، فسوف تكون قيمة التصالح لكل الريف المصري 50 جنيها للمتر، وهو الحد الأدنى لقيمة التصالح المقررة طبقاً للقانون، وذلك بغض النظر عن مكان العقار وتميزه، ومراعاة للظروف الاجتماعية لأهلينا في الريف، مع العلم أنه من الممكن أن تكون القيمة السوقية للمتر أعلى من ذلك بكثير، مجدداً التأكيد على أن هدف الدولة هو تقنين الأوضاع المخالفة، وليس استيداء أموال، مشيراً إلى أن القانون ينص على أن كل ما يتم تحصيله نتيجة للتصالح في مخالفات البناء، يتم تخصيصها لتطوير البنية الأساسية ورفع كفاءة الخدمات بهذه المناطق.
وفي الوقت نفسه، تطرق رئيس الوزراء إلى الحديث عن مبادرة "حياة كريمة" التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في بداية عام 2019، التي تستهدف تطوير ورفع كفاءة الخدمات المقدمة في أفقر 1000 تجمع ريفي على مستوى الجمهورية، وقال إن حجم ما تم إنفاقه حتى الآن بلغ 3,5 مليار جنيه، مضيفاً أنه من المقرر ضمن الخطة لهذا العام ضخ مبلغ 9,5 مليار جنيه، وذلك لتطوير 375 تجمعا ريفيا من الـ 1000، مشيراً إلى أن تطوير 375 تجمعا ريفيا يتطلب 13 مليار جنيه، أي أن الـ 1000 مجتمعة تتطلب توفير 40 مليار جنيه، وذلك من إجمالي 4777 قرية، بالإضافة إلى 32 ألف نجع وتابع، لكن هذا يعطى مثالا على مدى اهتمام الدولة بالعمل على تطوير هذه المناطق وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين بها، مؤكداً أن قيمة التصالح في مخالفات البناء لا تمثل أي نسبة من حجم الإنفاق الذي تنفقه الدولة على تطوير الخدمات بهذه المناطق.
وحول ما يتعلق بقدرة بعض المواطنين في المدن على سداد كامل مبلغ التصالح، أعلن رئيس الوزراء عن مبادرة لخصم 25% من قيمة مقابل التصالح، وذلك في إطار الرغبة فى إنهاء هذا الملف، مشيراً إلى أن الدولة تفكر وتسعى في تقديم المزيد من التيسيرات للمواطنين للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة التي تشوه الشكل الإجمالي لبلدنا الحبيبة.
واختتم رئيس مجلس الوزراء كلمته بالتأكيد أنه لن يسمح بأي مخالفات بناء جديدة، وأي بناء على أراض زراعية أو أراض غير معدة للبناء، مشدداً على أن كافة أجهزة الدولة ستتعامل بمنتهى الحسم مع أي محاولة للبناء الجديد المخالف، وذلك للحفاظ على كنز مصر من الأراضي الزراعية، للحفاظ على حقوق أجيالنا المستقبلية ولتحقيق أمنهم الغذائي.