"فاينانشيال تايمز" تحذر من أزمة غذاء عالمية بسبب تراجع البنوك عن تمويل صغار المزارعين
حذرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، اليوم الاثنين ، من مغبة أزمة غذاء طاحنة تنتظر العالم إذا استمرت أوجه تمويل التجارة في القطاع الزراعي بعيدة عن متناول المزارعين الصغار.
واعتبرت الصحيفة - في سياق تقرير نشرته في هذا الشأن على موقعها الإلكتروني - أن من بين المشاكل الكبيرة التي انبثقت عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) هي مشكلات تمحورت حول انعدام الأمن الغذائي وزوال الشركات الصغيرة وتقلب أسواق الأصول الزراعية.
وقالت الصحيفة: "إن بوادر هذه المشكلات على وشك أن تزداد سوءًا، وذلك بسبب التحول المالي الذي أقدمت عليه كبريات البنوك العالمية بشكل غير متوقع، وجعلها تنسحب من تمويل تجارة السلع الأساسية أو تخفضه، الأمر الذي ربما يتسبب في فجوة تمويل لبعض المزارعين والمنتجين الزراعيين والموزعين، وكذلك سلاسل البقالة وغيرها من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تمثل أجزاء مهمة من سلسلة التوريد الغذائية العالمية".
وأصبحت المشكلة - على حد وصف الصحيفة - مثل جبل جليدي عملاق تحت سطح الأسواق المالية، فهي مشكلة لا يمكننا رؤيتها بعد ولكننا نتجه إليها، وفقًا لمايكل جرين بيرجر، الأستاذ في كلية كاري للقانون بجامعة ميريلاند الأمريكية.
وأعرب جرين بيرجر، عن قلقه من أنه إذا لم تتمكن الشركات الزراعية من الدرجة الثانية والثالثة -التي تعتمد على مثل هذا التمويل لأشياء مثل الشحن أو التصنيع وكذلك للتحوط من الأسعار في صناعة متقلبة- من الحصول على التمويل أو اضطرت إلى دفع معدلات أعلى لمقرضي الظل، فيمكننا أن نرى وقتها ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية.
ويضيف جرين بيرجر: "يتعين على كل منتج تجاري التحوط من المخاطر عن طريق شراء العقود آجلة الدفع"، مشيرًا إلى أنه من أجل القيام بذلك، قد يحتاج هؤلاء المنتجين إلى تمويل تجاري قصير الأجل.
وتابع: "إذا استمرت البنوك في إقراض أكبر اللاعبين في السوق الزراعي فقط وأكثرهم شهرة، فسيتم إجبار المنتجين الصغار إلى طلب المساعدة من بنوك الظل الوهمية؛ وهو تصرف بدأ يشيع بالفعل بين أوساط هؤلاء المنتجين في الولايات المتحدة ودول أخرى، هذا إلى جانب الافتقار إلى الشفافية الذي يأتي مع عدم وجود غرفة مقاصة واحدة لمثل هذه الصفقات، مما يستحيل معه تقريبًا على المقرضين معرفة ما إذا كان المقترض قد تعهد بنفس الضمان أكثر من مرة، على سبيل المثال.
مع ذلك، أوضحت الصحيفة البريطانية أنه نظرًا للضغط الذي تتعرض له البنوك بالفعل، مع زيادة متطلبات رأس المال من اللوائح الدولية التي تفاقمت بسبب ضغوط التمويل الجديدة التي نجمت من تداعيات الوباء على الاقتصاد، فلا عجب أن العديد منهم قرروا ببساطة الانسحاب أو مجرد التعامل مع أكبر عملاء العلامات التجارية التي لديها أكبر الميزانيات العمومية.
وتابعت الصحيفة أن الوضع الراهن ربما يؤدي إلى تفاقم الاتجاه الحالي الذي يكتسب قوة بعد أزمة الجائحة؛ فالشركات الكبيرة تزداد حجمًا، وكان هذا واقعاً في الزراعة، كما هو الحال في العديد من القطاعات، حتى أنه يعود إلى ما قبل تفشي الوباء؛ الذي كشف عن نقاط ضعف القوة الاحتكارية في الغذاء، مما أدى إلى حدوث تخمة في الإمدادات في بعض المناطق ونقص وارتفاع الأسعار في مناطق أخرى، وسيطر عدد قليل من الشركات الكبيرة على مجالات مثل تعبئة اللحوم وإنتاج الحبوب، وغالبًا ما تتعامل مع نوع واحد فقط من الموزعين - مطعم، على سبيل المثال، ولكن ليس محل بقالة .. وكانت النتيجة بالتأكيد نظامًا "فعالاً" اقتصاديًا، لكنه تبين أنه هش للغاية.
ويعتقد البروفيسور جرين بيرجر وبعض الخبراء الآخرين، أن تحولات البنوك الكبرى بعيدًا عن تمويل التجارة للتجار الصغار يمكن أن تكشف المزيد من هذه الهشاشة، وقال: "أول شيء يدعو للقلق هو القدرة على الحصول على عقد آجل - هل سيتعين على صغار المنتجين دفع الكثير مقابل عقد آجل؟ ثم، إذا كان العقد مخالفًا لك، فهل يمكنك دفع الهامش؟".
وأخيرا، أكدت "فاينانشيال تايمز" أن الأزمة التي بدأت تلوح في الأفق تُسلِط الضوء على حقيقة الأمر على نقطة رئيسية؛ حيث أن تداعيات اضطرابات أسعار السلع لا تكون اقتصادية فقط في كثير من الأحيان، لأنها عادة ما تترك تأثيرات سياسية.