رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


في يومها العالمي.. عالمة آثار تكشف سر مقولة "القهوة مشروب أهل الله" في مصر

1-10-2020 | 16:10


  قالت الأثرية نادية عبدالفتاح المتخصصة في الآثار الإسلامية، إن القهوة أصبحت مشروبا شعبيا في مصر خلال القرن الـ17م وظهر ذلك واضحاً بعد بعد أن أبدت الدولة العثمانية اهتماما استثنائياً بـ"البن القهوة" والتي أصبحت ضمن السلع المهمة التي أخضعتها لفرمانات الباب العالي منذ الربع الأخير من القرن الـ17م.


وأشارت عبد الفتاح -في تصريحات له بمناسبة اليوم العالمي للقهوة اليوم الخميس- إلى أن القهوة مرت بتطورات مرحلية في مصر منذ ظهورها كعادة استهلاكية جديدة في مطلع القرن حول تقديمها حيث احتلت القهوة دلالة ورمزية خاصة في آداب الإستقبال والضيافة، لم ينلها أي مشروب آخر في مصر خلال الحقبة العثمانية، بما في ذلك "مشروب الشاي" الذي ظهر بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م.


وحول تحريم وإجازة شرب القهوة في مصر، قالت عبدالفتاح إن تأثير مذاق القهوة كان قد فرض نفسه على الجميع ودعمت الصوفية شيوع الظاهرة خارج مؤسسات الصوفية مناخا مناسباً لأنتشارها وتردد على ألسنة الناس مقولة شهيرة وهي " القهوة مشروب أهل الله" لأنها تساعد على السهر وممارسة الذكر والمناجاة ليلا مما أضفى أهمية خاصة للقهوة في الممارسات الدينية مما حمس الناس لقبول هذا المشروب فقد شاع إعتقاد بين الناس بأن احتساء المصلين الأتقياء لفنجان من القهوة إنما يضيف حياة إلى حياتهم.


وأوضحت أنه بنهاية القرن الـ16م أصبحت القاهرة تعج بالمقاهي التى كان بُقال لها "بيت القهوة" وبمنتصف القرن الـ 17م بلغ عدد المقاهي 643 بالقاهرة، وبعد قرن ونصف أي نهاية القرن الـ18م بلغ عدد المقاهي 1200 مقهي.


وذكرت أنه مع بدايات القرن الـ17م تجاوز شرب القهوة المقاهي إلى الفضاء العائلي، كما أخذ هذا المشروب في الإنتشار داخل مؤسسات السلطة العسكرية التي حولته إلى أهم مشروب بروتوكولي خلال القرنين الـ17 والـ18م على النحو الذى وضحة مخطوط "الطريقة والأدب"والذي ألقى الضوء على الجانب السلوكي والثقافي في حياة العسكر.


وقالت إن ارتباط مشروب القهوة بالغليون في مصر شكل ظاهرة واضحة للعيان منذ أواخر القرن ال16م ، و صارت ممارسته تقليدا لاغنى عنه مما أدى إلى شيوع ظاهرة "إدخار البن والتبغ" التى تحولت إلى قيمة كبيرة في حد ذاتها.


واضافت ان البكوات المماليك حرصوا على تخزين كميات كبيرة من البن في بيوتهم خاصة مع إرتفاع الكمية المستهلكة، حيث فرضت ظاهرة إدخار كميات من البن نفسها داخل أروقة القصور المملوكية وبيوت النخبة بالقاهرة حتى انها تجاوزت المعنى المادي لتنطوي على قيمة ثقافية ورمزية.


وعن ظاهرة تخزين البن في تلك الفترة ، لفتت الأثرية نادية عبد الفتاح الى أن العديد من المصادر التاريخية بشأن كميات البن المخزنة في بيوت البكوات المماليك كشفت عن مصادرة ونهب البن من تلك البيوت حين كان يتم هزيمة أمير مملوكي أو قتلة أو نهب بيته.


وتابعت قائلة إن وثائق تركات المماليك المسجلة بالمحكمة الشرعية اعطتنا فكرة عن حجم ما كان يحوزونه من البن، فيذكر المستشرق آندريه ريمون أن تركة عثمان كتخدا القاذدوغلي المتوفي عام 1736م ما قدره 200فرق بن.


ونوهت الى ان الجبرتي (المتوفي عام 1825م) ذكر في يومياته أنه عقب وفاة الشيخ السادات وقيام محمد علي باشا بوضع يده على بيته للبحث عن أصول ثروته النقدية وجدوا كمية كبيرة من " بن القهوة والصابون وشموع العسل" مخزنة في مخبأ سري.


وأوضحت أنه يبدو أن ظاهرة إدخار كميات كبيرة من بن القهوة في مصر وراء إكساب القهوة في المنظور الإجتماعي قسمة إعتبارية فصارت تقدم في المناسبات المختلفة على سبيل "الهدية المعتبرة"، فتبين لنا المصادر التاريخية المعاصرة قيام البكوات المماليك بمهاداة بعضهم البعض بكميات من بن القهوة خلال المناسبات والإحتفالات المختلفة التي شاركوا في حضورها.


وأكدت أن تلك العادة لم تقتصر على دائرة السلطة السياسية، وإنما شاعت كذلك بين عامة بين عامة الناس حيث أقبل الأهالي على تقديم القهوة إلى جانب "الشربات وقناديل الشمع" على سبيل الهدية والتحية في بعض المناسبات الاجتماعية الخاصة.


وحول أساليب تقديم مشروب القهوة في مصر، كشفت عن اختلاف طريقة تقديم مشروب القهوة على موائد الوجهاء والأثرياء حيث أبتكرت طريقة خاصة في التناول والإستخدام تعبرعن مكانة الضيف، وكان لوجود الخدم والعبيد ضرورة أساسية في بيوت الأثرياء، فقد كان تعدد الخدم ومشروب القهوة والغليون من الأدوات التي لا غنى عنها لإبراز رمزية الترف .


وأكدت أن ترتيبات تقديم القهوة في ذلك الوقت كانت أهم من القهوة في حد ذاتها كمشروب، ومن هنا إكتسب القهوجي ومساعدوه في البيت المملوكي أهمية خاصة لدرجة إصحاب البكوات المماليك لهم عند مغادرتهم القاهرة .

وأوضحت أنه بالنسبة لحياة سيدات الطبقة العليا في العصر العثماني فكن يخصصن يوما في الأسبوع لإستقبال دائرة واسعة من الصديقات في الحرملك، وكانت سيدات هذه الطبقة يجعلن مشروب القهوة على رأس قائمة ما يقدم من مشروبات.


وأشارت إلى أن المؤرخين المعاصرين لتلك الفترة ذكروا أن طريقة إعداد القهوة ذاتها تختلف من فئة إجتماعية لأخرى فقد كان الميسرون من المصريين يطعّمون قهوتهم بشذا العنبر، وفي المقابل كان من المستهجن تماما إضافة السكر إلى القهوة إذ كان يثير السخرية، وكان العنبر وماء الورد من المواد التي عادة تقترن بتقديم القهوة في واجبات الضيافة بقصور البشاوات وبكوات المماليك.


وتابعت أنه مثلما كانت القهوة يضاف إليها شىء من العنبر لإكسابها نكهة خاصة كان أجود أنواع التبغ يخلط كذلك بقطع صغيرة من العنبر فضلاً عن إضافة ماء الورد على النرجيلة فيكون الدخان عندما يحترق العنبر والتبغ بقطع الفحم الصغيرة عطري الرائحة محبوباً في الشم.


وفيما يخص آداب وطقوس شرب القهوة، قالت إن جلسة إحتساء القهوة بوجه عام ارتبطت بجموعة من الآداب والطقوس المحددة حيث تعبر عن منزلة صاحب البيت.


وأضافت انه كان هناك أربعة من مقدمي القهوة؛ الخادم الأول يتولى توصيل الضيف إلى قاعة الإستقبال وتبخير المكان قبل تقديم مشروب القهوة، فيما يقوم الخادم الثاني بتقديم فوطة من الحرير ليضعها الضيف على حجره، ثم يقدم له القهوة في فنجان من البورسلين الفاخر أو فنجان مصنوع من الفضة المطلية بالذهب، وبعد الانتهاء من احتساء مشروب القهوة، يأتي دور الخادم الثالث والذي يقوم بنزع فوطة القهوة عن الضيف مقدما له الشربات الذي عادة ما كان يلى احتساء القهوة مصحوبا بفوطة جديدة يضعها أيضاً على حجره، أما الخادم الرابع والأخير فيتولى عملية غسل يدي الضيف بماء الورد، ويناول الضيف فوطة أخرى لتجفيف يديه، ثم يتولى رش لحيته ووجهه بالماء المعطر، وأخيرا يأتي بالبخور ويبخر المكان مرة أخرى.


وكشفت عن الأداب التي ينبغي لمحتسي القهوة مراعتها في شرب القهوة وهي أن تشرب بطرف الشفتين ومن غير إمالة للفنجان ، كما أنه من الأداب العامة إظهار الإحترام للمضيف بأن يتحول الضيف برأسه عنه تحولا خفيفا ، وأن لا يشرب من القهوة إلا الشيئ اليسير منها ، وحين يقوم بإرجاع الفنجان فإن ذلك يقتضي ابتعاد الذراع إبتعاداً خفيفاً عن الجسم.


وأكدت ارتباط مشروب القهوة داخل القصر السلطاني بوظيفة (القهوجي باشي) وهو كبير القهوجية في بلاط السلطان حيث يقوم بتقديم مشروب القهوة للسلطان بالإضافة إلى أنه المسئول عن الأواني والأدوات المستعملة في صناعتها، كما كان عليه حين إصابتها أن يستبدلها بأخرى على حسابه.