مع التطورات
الإقليمية واللبنانية، تأتى أول مفاوضات مباشرة بين اللبنانيين والإسرائيليين منذ
الحرب اللبنانية الأولى، في ١٩٨٢، هذه المرة لحل أزمة الحدود المائية بين
الجانبين، والمستمرة منذ ثمانى سنوات، ولهذه المفاوضات إسقاطات معقدة عديدة في عدة
ملفات، منها ملف الحدود البرية والبحرية اللبنانية الإسرائيلية، ومصير حزب الله،
والوضع الاقتصادى اللبنانى، وموجة التطبيع الإقليمية، ومنتدى غاز شرق المتوسط،
ومصير البترول والغاز الفلسطينى في غزة، وغيرها!
*المباحثات السرية
المفاوضات التى
كانت تمت بسرية طيلة الثلاث سنوات الأخيرة، بشكل غير مباشر، رفضت إسرائيل أن تكون
فيها أية وساطات دون الولايات المتحدة، بينما شددت لبنان على ضرورة أن تكون هناك
وساطة أممية، وبالفعل سيتم أول إجتماع في منطقة الناقورة بمنشأة أممية وعلم أممى
بوساطة أمريكية.
يتولى الملف من
الناحية الإسرائيلية، وزير الطاقة والبنية التحتية الليكودى المقرب لنتنياهو،
يوفال شيتانيتس، وهو رئيس الشاباك الأسبق، خاصة أن محرك الملف الأساسى هو حقول
الغاز المتوقعة في هذه المنطقة، وبالفعل عقد عدة إجتماعات مع مسئولى كل الوزارات
ذات الصلة من الخارجية والدفاع والطاقة، بينما لبنان لم تستقر بشكل نهائي من
سيمثلها لإستمرار غياب الحكومة، بعد إستقالة حكومة، والفشل في تشكيل أخرى، فالذى
أعلن خبر موافقة لبنان على الدخول في مفاوضات علنية مباشرة مع إسرائيل، كان نبيه
بري رئيس البرلمان اللبنانى، ولقي الإعلان قبول دولى كبير.
*٦ كم٢
وتروج إسرائيل إلى أن الخلاف ليس كبيرا بين الجانبين، فلا يتعدى كونه
ستة كيلومترات، لكن اللبنانيون يرفضون ذلك، ومستعدون بالخرائط والقرارات الدولية،
والملف كله مطروح للنقاش وفق الثوابت الدولية بين فلسطين التاريخية ولبنان، وهناك
توقعات تشير إلى إنه في حالة نجاح ملف الحدود البحرية، سينطلق الجانبان برعاية
أمريكية لملف الحدود البرية وأبرز خلافاتها مزارع شبعا.
لكن هناك قلق داخلى من اللبنانيين وحلفاءهم العرب والأجانب على
الاضطرار اللبنانى للتنازل بسبب الضغوط الدولية علي لبنان بعد تفجيرات المرفأ،
وأيضا بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، حتى من قبل التفجيرات غير التقليدية، وفي
هذا الإطار تكثر السيناريوهات، والتى يجب أن نكون مستعدين لها بدعم لبنان بقوة،
حيث ترفض كل شركات التنقيب الدولية الدخول إلى المياه الاقتصادية اللبنانية أو حتى
الإقليمية المتاخمة للمنطقة ذات الصلة، بسبب هذه الخلافات، لكن هذه الشركات وغيرها
متواجدة منذ فترة، في المقابل في المياة المسيطرة عليها إسرائيل، وكشفت لها عدة
حقول حالية ومستقبلية، حققت منها عوائد وصلت حتى عشرين مليار دولار، وتصدر منها
الغاز لمصر والأردن، وشاركت في انشاء منتدى غاز شرق المتوسط .
*التعقد الداخلى والتطور الإقليمى
بالطبع، الملف
الداخلى والتطورات الإقليمية، لها دور كبير في هذه النهاية، والوصول لمائدة
مفاوضات لبنانية إسرائيلية، لأول منذ ٢٨ عاما،
وهذا كله مع الذكرى العشرين للجلاء الإسرائيلي عن جنوب لبنان..فهناك
تفجيرات غير مسبوقة ضربت لبنان، وكادت تخفي العاصمة بيروت تماما، وجاءت على خلفية
أزمة اقتصادية متفاقمة، إنهارت معها الليرة اللبنانية، وتعاظم التضخم وتضاعفت
البطالة، وتزايدات التدخلات الدولية فى لبنان، وأبرزها فرنسا، والتى لا يظهر لها
دور علنى في مفاوضات الحدود البحرية، لكنها بالتأكيد مباركة، رغم أن إسرائيل ترفض
أية وساطات دولية دون واشنطن.
الحقول الغازية
المرتقبة، التى لا يستطيع اللبنانيون الوصول لخيراتها، بسبب الخلاف بينها وبين
إسرائيل على الحدود البحرية، هى المنقذ الوحيد للبنانيين من الأزمة الاقتصادية
التى لها حل واضح لها، رغم كل هذه التدخلات الدولية في لبنان، ومن هنا تنبع خطورة
المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية في هذا التوقيت الصعب، فلا خيار أمام اللبنانيين
سوى إنجاحها، وطبعا سيستغل الإسرائيليون والأمريكيون ذلك، لكنهم يعتمون على حلولهم
واقتراحاتهم وأساليب تعاملهم في المفاوضات، وهذا أمر مقلق أيضا.
وهناك محرك مؤثر
آخر، وهو موجة التطبيع الخليجى مع إسرائيل، والضغوط الأمريكية في هذا الإطار،
والتى من شأنها أن تتراجع بشكل أو آخر تأثرا بمرض الرئيس الأمريكى ترامب، وتراجعه
في أغلب استطلاعات الرأى أمام منافسه الديمقراطى چو بايدن، وهذا مرشح للتحقق بصورة
غير قليلة، ويجب ترقبه.
مصير حزب الله
ومن أهم العناصر
الغائبة عن هذه المفاوضات، لكنها ستتأثر بها جدا وستؤثر فيها، وسيصل الأمر في بعض
السيناريوهات لنهايته أو على الأقل تحييده، إنه حزب الله، التى ستكون بسببه
إسرائيل مرنة بشكل أو آخر، حتى تنجح المفاوضات، لزيادة تقويض تأثيره الداخلى، بل
وتخطط تل أبيب أن تصل لما بعد الحدود البحرية للحدود البرية لتنهى خلافات مزارع
شبعا وغيرها، حتى لا تنتهى الحجة الأساسية لوجود حزب الله وسلاحه، وهى مقاومة
الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالى يتحول لمجرد حزب سياسي، وفقما تريده أغلب القوى
الإقليمية والدولية، بخلاف إيران وحلفاءها، وسيمثل طبعا هذا خسارة كبيرة لإيران،
وبالتالى من الممكن أن تستغل قوتها هى وحلفاؤها لعرقلة هذه المفاوضات في وقتما،
وسيتاجر نتنياهو كثيرا بذلك داخليا، ليستغله في تعقيداته سياسيا واقتصاديا، وكان
هذا واضحا في ترويجات نتنياهو عن وجود مخازن أسلحة ضخمة لحزب الله في المناطق
السكنية ببيروت، وكذبه حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، حتى إنه اضطر أن يخرج
من مخبأه ودعا الصحفيين لزيارة الاماكن
التى قال نتنياهو إنها بها مخازن أسلحة لحزب الله.
فهل يسكت حزب الله حتى نصل إلى هذه المرحلة، هناك تصوروات تؤكد إنه
سيحاول عرقلة المفاوضات بشكل أو بآخر، لكن من سيتركه يفعل ذلك، ولو فعل هل ستكون
نهايته؟!
*إتفاقية سلام جديدة
وبعيدا عن ملف
حزب الله، فهل ستؤهل هذا المفاوضات لتطبيع كامل وإتفاقية سلام مع دولة طوق ثالثة
"لبنان"، بعد مصر والأردن، خاصة أن أجواء موجة التطبيع غير الحدودى
الخليجي تشجع على ذلك، خاصة أن التواجد الخليجى بلبنان وبالذات السعودى والإماراتى
المسيطر على جزء غير قليل من السياسة اللبنانية، سيكون دافعا حيال ذلك، بالطبع.