رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كلمة الأسبوع .. أحلام الربيع

24-4-2017 | 09:53


جاء في الأنباء الخارجية أن المايسترو العبقرى «توسكانينى» قد أعلن أعتزاله العمل بمناسبة بلوغه السابعة والسبعين من عمره وقد فعل توسكانيني ذلك مع أنه لا يزال أشهر قائد للأوكسترا في العصر الحديث ولا يكاد يعلن عن حفلة حتي يتهافت عليها الجمهور من كل مكان.

وهكذا يعتزل هذا الفنان الكبير وهو في قمة مجده وأوج شهرته لأنه يعلم أن القمة العالمية في ذروة الجبل وليس وراءها إلا السفح الآخر الذي ينحدر إليه من بلغ القمة وأجهده التصعيد.

والفنان كالرياضي يجب أن يعرف متي يعتزل اللعب وهو في قمة مجده جالسا علي عرش البطولة لأنه لو فعل ذلك بقي مجده سليما وظل اسمه يحتفظ بلمعانه علي مر الأيام.

ومع ذلك فكم من أهل الفن يفعل ذلك فعل توسكانيني؟

وكم منهم يعترف بحكم السن وبأن العمر ليس كله ربيعاً؟

وكم منهم يدرك بأن الجمهور كالطفل سريع الملل لا يكاد يظفر بلعباه حتي يحطمها ويطلب غيرها لأنه يتطلع أبدا إلي التجديد والتغيير؟

كم منهم يدرك هذا كله ويعمل به ويدخر في ربيع العمر ما يستطيع أن يواجه به خريف العمر وشقاءه عندما تنطفىء الأنورار وتتلاشي اصداء الهتاف والتصفيق ويصبح المجد اللامع مجموعة ذكريات باهتة يجترها الخاطر فيما يشبه الأحلام.

أنه ليس عيبا أن يكبر الإنسان فهذه سنة الطبيعة ولكن العيب أن يتمرد الإنسان علي سنه وأن يكابر فيما لا تنفع المكابرة فيه وليس من الضروري أن يعتزل الفنان إذا تقدمت به السن لأن الفنان تصهره التجارب وينضج فنه مع الأيام ولكن من الضروري أن يلائم الفنان بين عمله وسنه فلا يجوز مثلا أن يقوم الممثل الذي جاوز الخمسين بتمثيل دور الفتي العاشق وأن تصر الممثلة التي جاوزت هذه السن علي تمثيل دور الفتاة الصغيرة لأنها لن تثير بين المشاهدين إلا شعورا بالسخرية والرثاء وما أكثر الممثلات اللائي تعرضن لهذه السخرية لأنهن تمردن علي حكم السن وحاولن التشبث بالشباب الذي ذهب ولن يعود.

ولعل أحسن دعاء يردده الفنان هو ما قالته فنانة كبيرة عندما سئلت عن أمنياتها عندما تبلغ الستين من عمرها فقالت:

كل ما أرجوه أن يكبر عقلي معي فلا يعرضني لارتكاب الحماقات التي تجعلني سخرية لمن يهتفون باسمي الآن.

الكواكب عدد 143- 27 أبريل 1954