رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أحمد عسكر يكتب: نسور النصر لوحة أكتوبرية

7-10-2020 | 21:58


سيظل انتصار أكتوبر العظيم أفضل رواية حقيقية تحمل فصولها معنى الوفاء والوطنية الخالصة، وجدارية أسطورية يقف أمامها التاريخ متأملا فى تفاصيلها التى لا تنتهى، تمثل كل تفصيلة منها لوحة بطولية، تزداد ألوانها جمالا وبريقا فى كل يوم، صورة تجسد عبقرية المصرى وقدرته على تخطى المستحيل من أجل تراب هذا الوطن المبارك، وكم من بطل وشهيد كتبوا بدمائهم سطور هذه الرواية الخالدة، ولوّنوا بها لوحة الفخر التى أدهشت العالم، على رأسهم مقاتلو القوات الجوية “نسور النصر” بعد أن عزف هدير محركات طائراتهم أنشودة الكرامة والعزة، لذا نذكر منهم عدة شهداء كنماذج مضيئة لن ينساها الوطن، وتخليدا لتضحيات وبطولات كل من دافع عن أرض الفيروز وكل شبر من المحروسة..


حملت ظهيرة يوم الجمعة الخامس من أكتوبر ١٩٧٣ أسرار بدء الضربة الجوية الأولى، عندما قام قائد القوات الجوية المصرية اللواء طيار محمد حسنى مبارك باستدعاء قادة القوات الجوية المصرية لاجتماع عاجل وسرى للغاية، يحضره كل من رئيس أركان القوات الجوية اللواء طيار محمد نبيه المسيرى، ورئيس شعبة العمليات اللواء طيار صلاح المناوى، ورئيس فرع التخطيط اللواء طيار محمد شبانه، ليخبرهم اللواء مبارك بموعد الحرب وساعة الصفر يوم السبت السادس من أكتوبر فى تمام الساعة الثانية ظهرا، ملقيا عليهم التلقين النهائى للعملية الهجومية الجوية المخطط لها، مشددا على سرية الموعد وعدم الإفصاح عنه إلا من خلال جدول معين لتبليغ كل قائد سرب، ثم اتجه القادة للتوقيع على خرائط العمليات الخاصة بكل لواء جوى لتصبح المعركة الجوية وأبطالها جزء مهم من ملحمة النصر.


الشهيد طيار عاطف السادات، دفعة ٢١ طيران.. التحق بالكلية الجوية عام ١٩٦٦ عُرف وسط أقرانه بالقائد الذى لا يخشى الموت لجرأته وإيمانه الشديدين، ورغم أنه شقيق الرئيس الراحل محمد أنور السادات لم يكن عاطف السادات يعلم موعد الحرب مثله مثل باقى زملائه فى القوات المسلحة المصرية، وقد كان وطنيا لأقصى درجة، يتمتع بحسن المعاملة وقوة الشخصية وإرادة حديدية، قدم بطولات كثيرة خلال حرب الاستنزاف جعلته واحدا من أكثر الطيارين أصحاب الخبرات فى القوات الجوية، ومع اقتراب موعد الضربة الجوية رفض الشهيد عاطف السادات الإفطار مصمما على الطيران صائما، فقد كان له موعد آخر مع الشهداء والصديقين، وبعد أن مرّ على زملائه مطالبا إياهم بترديد «وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى» كما عودهم دائما، ثم يشارك فى تنفيذ الضربة الجوية، وكان فى أول تشكيل فى المقدمة، مهمتهم ضرب قاعدة صواريخ مطار المليز لإعطاء الفرصة لباقى الطائرات بضرب مطار المليز دون تعرضهم للصواريخ المضادة، وبعد أن نفذ المهمة الموكلة إليه على أكمل وجه وأثناء عودته مرددا «الله أكبر».. أصيبت طائرته بصاروخ فانفجرت على الفور، لتصعد روحه الطيبة مشتاقة للقاء ربها وهو فى الخامسة والعشرين من عمره.


● شهيد طيار زكريا كمال.. واحد من أخطر الطيارين خلال حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، حيث يعد أحد الأعمدة الرئيسية لمدرسة طيارى السوخوى سبعة، وهناك أجيال عدة تعتبره أستاذا ومعلما بعد أن قام بإعداد وتدريب طيارين من خمس عشرة دفعة جوية مسخرا كل وقته وطاقته لعمله ولزملائه من الطيارين، شارك فى العديد من الطلعات الجوية خلال حرب الاستنزاف مكبدا العدو خسائر موجعة، خبراته جعلته على دراية بأفضل وسائل الاقتراب لأهداف العدو، ليتولى رئاسة أحد اللواءات الجوية الذى كان فى مقدمة الطائرات أثناء الضربة الجوية الأولى، يقود سربا من ثلاثين طائرة سوخوى تحلق بسرعة ١٠٠٠ كيلومتر تقريبا وعلى ارتفاع من ٢٠ إلى ٣٠ مترا عن سطح الأرض معتمدين فى الوصول إلى أهدافهم فقط على بوصلة دون غيرها من الأدوات المساعدة، فى طلعة جوية رائدة وتعد مستحيلة لولا خبرة الشهيد زكريا كمال، الذى استشهد أثناء الضربة الأولى التى نجحت فى السيطرة على سماء المعركة منذ بدايتها بنجاح منقطع النظير.


● شهيد طيار محمد كامل أحمد دفعة ٢٢ طيران.. ابن محافظة أسيوط الذى أصبح أحد أبرز مقاتلى السوخوى سبعة، والذى أقسم على نفسه بالثأر من الإسرائيليين منذ معاصرته لأحداث نكسة ١٩٦٧، عُرف بين أقرانه بالشجاعة والإقدام، وكان كثير الحديث عن لحظة الثأر ورد الصاع صاعين للعدو، حتى استجابت له العناية الإلهية لتتحقق أمنيته فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ليكون أحد أبطال الضربة الجوية الأولى التى استهدفت مطار المليز كهدف استراتيجى هام يضعف العدو ويفقده السيطرة على سماء المعركة، وبالفعل نجح الشهيد مع زملائه فى تحقيق نتائج مبهرة، وفى الثامن من أكتوبر طلبت القيادة منه تكرار ضرب مطار المليز، لم يتردد للحظة استعد لتنفيذ الضربة وبالفعل دمر الأهداف المحددة له، لكن الصواريخ المعادية استهدفته وأصاب أحدها طائرته فانفجرت مباشرة دون أدنى فرصة لقذف كرسى الطيار منها، ليلاقى خالقه وهو صائم وعمره ٢٥ عاما، وليخلد اسمه كأحد أبطال نصر أكتوبر، ومازالت مدرسة الشهيد محمد كامل فى محافظة أسيوط شاهدة على تضحيته النبيلة فى سبيل ترابه المقدس.


● شهيد طيار طاهر محمد طاهر دفعة ١٥ طيران.. ولد ابن النوبة فى ديسمبر ١٩٤٣ وتخرج فى الكلية الجوية عام ١٩٦٤، ليشارك فى ٦٧ وحرب الاستنزاف مبليا بلاء حسنا جعله يحصل على نوط الجمهورية العسكرى عام ١٩٦٩، وفى عام ١٩٧١ تعرض لحادث تدريب أدى إلى قطع أوتار قدمه، ليسافر إلى انجلترا فى محاولة للعلاج، لكن ظل لديه عجز نسبى أسفر عن تحويله للعمليات الأرضية، لكنه لم يستسلم وازداد إصرارا على عودته لقيادة الطائرة، مدفوعا بحبه لعمله ورغبته فى استرداد سيناء الحبيبة، مرددا دائما أن عمله فى السماء وليس على الأرض، حتى عاد إلى طيران المقاتلات القاذفة، كان محبوبا من زملائه الطيارين وارتبطوا به جميعا أثناء فترة التدريب الشاقة استعدادا لحرب أكتوبر، وكان دائما يحفز زملاءه فى التدريبات قائلا لهم إن هذه التدريبات ستحقق لهم النصر على العدو فى الحرب الفعلية، وكم كان صادقا، تدرج طاهر حتى وصل إلى قائد سرب سوخوى وشارك على رأس سربه فى الضربة الجوية المركزة التى وجهت لمطار المليز ثم عاد بتشكيله كاملا دون خسارة طائرة واحدة، ثم استشهد فى الثامن من أكتوبر بعدما قاد سربه لضرب مواقع حددتها له القيادة، حيث أصيبت طائرته بصاروخ بعد تدمير الهدف، ليستشهد وهو فى التاسعة والعشرين من عمره وقبل موعد زفافه بعشرين يوما فقط.


● شهيد طيار حسين السعيد عبد الباقى، دفعة ٢٣ طيران، ابن محافظة المنصورة الذى عرف بعظيم خلقه وصرامة وجهه رغم جمال ملامحه وقسماته، التحق بالكلية الجوية بعد أحداث ٦٧ واضعا نصب عينيه هدفا وحيدا، هو تحرير سيناء، ومنذ التحاقه بالقوات الجوية أثبت كفاءة ومستوى عاليا فى الطيران، وكان خلال حرب الاستنزاف مستعدا متحفزا لأى طلعة طيران ضد العدو، سباقا فى الإعلان عن رغبته المشاركة دائما، وفى السادس من أكتوبر ١٩٧٣ شارك فى التشكيل الذى ضرب مطار المليز ضمن تنفيذ الضربة الجوية المركزة واستطاع ضرب أهدافه بكل دقة، ثم عاد لضرب أهداف أخرى فى السابع من أكتوبر محققا نسبة نجاح ممتازة فى ضرب الأهداف، وفى صباح يوم ٨ أكتوبر أقلع ضمن تشكيل قائد السرب طاهر محمد طاهر لإعادة ضرب مطار المليز وبعد تنفيذ مهمته، وجد طائرات للعدو محلقة فوق الهدف لحمايته، فقام بالاشتباك معهم بعدما انتهى من ضرب المطار أولا، ودارت معركة جوية عنيفة أسفرت عن استشهاد المقاتل البطل حسين السعيد عبد الباقى الذى أصيبت طائرته، وهو يردد الله أكبر وتحيا مصر لتصعد روحه إلى السماء وهو فى عمر الرابعة والعشرين.


● شهيد طيار السيد بخيت، دفعة ٢٥ طيران، مقاتل جريء لا يخاف الموت، عاشق لوطنه ونيله، لم يكن يخلو حديثه دائما من أمنياته بالنصر على إسرائيل لمحو آثار هزيمة ٦٧، شارك بخيت فى الضربة الجوية المركزة، وحقق نتائج مبهرة، واستمر طوال أيام الحرب يشارك فى الطلعات الجوية محققا نتائج ممتازة، حتى جاء يوم الحادى عشر من أكتوبر أثناء القيام بواحدة من أهم الطلعات الجوية التى حققت نتائج مؤثرة، حيث أقلع الشهيد السيد بخيت بطائرته ضمن تشكيل من ١٢ طائرة سوخوى يقوده الرائد فيكتور نيلسون تادرس بهدف تدمير مدافع الـ ١٥٥ ملم المتمركز فى العمق، لكن لم يعثر التشكيل على هذه المدافع، لكن قائد التشكيل استمر فى التوغل داخل العمق الإسرائيلى ليلاحظ شيئا اكتشف بعد التأكد منه أنه رتل لواء مدرع إسرائيلى فى العمق التعبوى للعدو، فأخبر السرب بأنه صيد ثمين، ثم أعطى الأوامر للتشكيل بمهاجمة اللواء المدرع.. وأثناء الهجوم تم اعتراض التشكيل بست طائرات ميراج معادية تم الاشتباك معها فى مناورات؛ حتى تستطيع باقى الطائرات قذف القنابل على الهدف ومنع العدو من ضربنا.. ونجحت الخطة فى تناسق جميل بين أفراد التشكيل، فلم يستطيع العدو ضرب الطائرات ولا منعها من ضرب اللواء المدرع، ذخيرة الاثنتى عشرة طائرة لم تكف لتدمير اللواء المدرع، لكنها حققت خسائر بالغة، ليفاجأ طيارو السرب بالشهيد السيد بخيت يردد بعد انتهاء ذخيرة طائرته “الله أكبر.. الله أكبر” مستمرا فى الانقضاض على رتل المدرعات حتى اصطدم بطائرته فى طابور الدبابات ليحدث تدميرا كبيرا وانفجارا مروعا دمر البقية الباقية من رتل المدرعات المعادية، ليلاقى ربه صائما وهو فى الثالثة والعشرين من عمره مضحيا بحياته من أجل مصر.